«الذكاء الاصطناعي» ثورة في الاقتصاد أم تهديد للموارد البيئية؟
الخميس، 27 مارس 2025 01:53 م

الذكاء الاصطناعي
كتب/كريم قنديل
في ظل التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي التوليدي، بات واضحًا أن هذه التكنولوجيا لم تعد مجرد أداة مساعدة، بل أصبحت القوة الدافعة وراء التحولات الاقتصادية الكبرى، وبينما يفتح الذكاء الاصطناعي آفاقًا جديدة للنمو، فإنه في الوقت ذاته يفرض تحديات ضخمة على الاقتصادات العالمية، بدءاً من الضغط على موارد الطاقة والمياه، وصولاً إلى تأثيره العميق على سوق العمل والعقارات.

اقتصاد الذكاء الاصطناعي.. بين الفرص والتكاليف
شهدت السنوات الأخيرة استثمارات ضخمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تتسابق الشركات الكبرى والحكومات لاقتناص الفرص الناشئة عن هذه الثورة الرقمية، وبحسب تقرير "غولدمان ساكس"، من المتوقع أن تصل الاستثمارات العالمية في الذكاء الاصطناعي إلى 200 مليار دولار سنويًا بحلول 2025، ما يعكس إيمان الأسواق بهذه التكنولوجيا كمحرّك أساسي للنمو المستقبلي.
لكن مع هذه الفرص، تأتي تكاليف اقتصادية باهظة، حيث يتطلب تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من الموارد، ما يضع ضغطًا غير مسبوق على قطاعي الطاقة والمياه، ويؤدي إلى إعادة هيكلة شاملة في أسواق العمل والعقارات.
الكهرباء.. "الوقود" الأساسي لثورة الذكاء الاصطناعي
تُعد الكهرباء العنصر الأكثر حساسية في منظومة الذكاء الاصطناعي، حيث تعتمد مراكز البيانات، التي تُشغّل الخوارزميات، على استهلاك مكثف للطاقة، وتشير التوقعات إلى أن هذه المراكز قد تستحوذ على 8% من إجمالي استهلاك الكهرباء في الولايات المتحدة بحلول عام 2030، مقارنة بـ 3% فقط عام 2022.
هذا الطلب المتزايد على الكهرباء سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وسيدفع الدول إلى البحث عن مصادر طاقة مستدامة لتلبية احتياجات مراكز البيانات، وفي ظل الارتفاع المستمر في أسعار الكهرباء، قد نشهد تحولات كبرى في استراتيجيات الشركات والدول، حيث تتجه الاستثمارات بشكل متزايد نحو الطاقة النووية والطاقة المتجددة كحلول بديلة.

المياه.. "ثمن" غير مرئي لثورة الذكاء الاصطناعي
على الرغم من التركيز الكبير على استهلاك الكهرباء، إلا أن التحدي الأكبر قد يكمن في استهلاك المياه، حيث تعتمد مراكز البيانات على كميات هائلة من المياه لتبريد معداتها وضمان استمرارية عملها، وتشير التقديرات إلى أن هذه المراكز تستهلك أكثر من مليار لتر من المياه يوميًا، وهو ما يكفي لتلبية احتياجات أكثر من 3.3 مليون شخص يوميًا.
المفارقة هنا أن الذكاء الاصطناعي، الذي يُروّج له كأداة للحد من استهلاك الموارد وتحقيق الاستدامة، قد يكون في الواقع سببًا رئيسيًا لاستنزاف المياه العذبة، خصوصًا مع تزايد عدد مراكز البيانات حول العالم، ولتفادي هذا السيناريو، بدأت بعض الشركات في استكشاف تقنيات إعادة تدوير المياه، واستخدام مصادر غير تقليدية مثل مياه الصرف الصحي المعالجة أو مياه البحر المحلاة.
العقارات.. سباق محموم على الأرض
لم يكن لأحد أن يتخيل قبل سنوات قليلة أن قطاع العقارات سيصبح ميدان صراع بين عمالقة التكنولوجيا، لكن مع تزايد الحاجة إلى مراكز بيانات أكبر، باتت الشركات الكبرى تتسابق للاستحواذ على الأراضي القريبة من مصادر الطاقة وشبكات الإنترنت السريعة.
واليوم، يوجد أكثر من 7000 مركز بيانات حول العالم، مقارنة بـ 3600 مركز فقط عام 2015، ويتوقع أن يشهد العقد المقبل طفرة في إنشاء مراكز جديدة، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الأراضي في بعض المناطق، وربما نشوء أزمات عقارية غير متوقعة، خاصة في المدن الكبرى حيث المساحات محدودة.

الرقائق الإلكترونية.. المحرك الخفي للذكاء الاصطناعي
إذا كانت الكهرباء والمياه هما الوقود الأساسي للذكاء الاصطناعي، فإن الرقائق الإلكترونية هي محركه الفعلي. وتعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة على وحدات معالجة الرسوميات (GPUs)، التي تتيح لها تنفيذ العمليات الحسابية المعقدة.
لكن مع الطلب الهائل على هذه الرقائق، تواجه السوق العالمية أزمة نقص حادة، حيث أصبحت الشركات مثل "Nvidia" غير قادرة على تلبية جميع الطلبات، مما أدى إلى ارتفاع أسعار هذه الرقائق إلى مستويات قياسية. وكنتيجة لذلك، بدأت الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، في الدخول في سباق تقني لإنتاج رقائق متطورة محليًا، مما يزيد من احتمالات تصاعد التوترات الجيوسياسية في هذا المجال.
الوظائف.. بين الإلغاء والابتكار
كثيراً ما يُثار الحديث عن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، حيث يُتوقع أن تحل الأتمتة محل ملايين الوظائف التقليدية، وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 40% من الوظائف في جميع أنحاء العالم.
لكن المفارقة أن هذه التكنولوجيا تخلق في الوقت ذاته وظائف جديدة، خصوصًا في مجالات علوم البيانات، وهندسة البرمجيات، وتصميم الرقائق، غير أن المشكلة تكمن في النقص الحاد في المواهب المؤهلة، حيث باتت الشركات تواجه صعوبة في العثور على كوادر تمتلك المهارات التقنية المطلوبة.
وهنا، يكمن الحل في إعادة هيكلة أنظمة التعليم والتدريب، بحيث تركز على المهارات الرقمية، وتتيح فرصًا أكبر للتخصص في مجالات الذكاء الاصطناعي، لضمان تكيف سوق العمل مع التغيرات الجديدة.

شهية لا تنتهي للبيانات
تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي على كميات هائلة من البيانات، والتي تُستخدم في تدريبها وتحسين أدائها، ولكن مع تزايد الحاجة إلى بيانات متنوعة وعالية الجودة، بات من الواضح أن العالم يواجه تحديًا كبيرًا في تأمين مصادر بيانات موثوقة، خصوصًا فيما يتعلق باللغات غير الإنجليزية، والمحتوى غير الغربي.
وهذا الأمر قد يؤدي إلى تطوير نماذج ذكاء اصطناعي منحازة، وغير قادرة على تقديم نتائج دقيقة في بعض السياقات، مما يطرح تساؤلات حول مدى عدالة هذه التكنولوجيا، وضرورة وضع سياسات لضمان تنوع البيانات وجودتها.
هل يمكن للعالم تلبية احتياجات الذكاء الاصطناعي دون استنزاف موارده؟
رغم التحديات الضخمة التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد العالمي، إلا أن الحلول متاحة، سواء عبر الاستثمار في مصادر طاقة متجددة، أو تحسين تقنيات التبريد وإعادة تدوير المياه، أو تطوير مناهج تعليمية جديدة تلائم احتياجات السوق.
وفي النهاية، يبقى الذكاء الاصطناعي أداة قوية قادرة على تحقيق نمو اقتصادي غير مسبوق، لكنه في الوقت ذاته يحمل مخاطر تتطلب إدارة حكيمة، لضمان تحقيق التوازن بين الابتكار والاستدامة. فالسؤال ليس ما إذا كان العالم قادراً على تلبية متطلبات الذكاء الاصطناعي، بل كيف يمكنه فعل ذلك دون أن يدفع ثمناً يفوق المكاسب؟
Short Url
الصمغ العربي في الطب البديل، فوائد صحية واستخدامات طبيعية
02 أبريل 2025 08:37 م
«تقلبات وأزمات» كيف تواجه أسواق الطاقة العالمية تحديات 2025؟
02 أبريل 2025 07:32 م
«قياس النمو الاقتصادي» هل حان الوقت لإعادة النظر في الناتج المحلي الإجمالي؟
02 أبريل 2025 07:03 م


أكثر الكلمات انتشاراً