الجمعة، 14 مارس 2025

10:42 م

الخبير الاقتصادي شريف دلاور يكشف حقيقة الصراع على المعادن النادرة

الجمعة، 14 مارس 2025 05:23 م

الخبير الاقتصادي شريف دلاور

الخبير الاقتصادي شريف دلاور

تترجم أفكار وكتابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياساته منذ أن جلس على كرسي الحكم في أمريكا حيث عبر من خلال كتابة الذي ألفه منذ سنوات طويلة وجاء بعنوان  "فن الصفقة" عن منهجه منذ أن كان شابا ويقول في صدر الكتاب،  "أنا أحب الصفقات وبالذات الصفقات الكبيرة وتخطيط المستقبل بالنسبة لي هو التركيز فقط على الحاضر".

ويتضح من خلال هذه الجملة وغيرها من الأفكار والتصورات تحركات ترامب السريعة وصفقاته لتحقيق أرباح ضخمة لأمريكا بشكل سريع، كما يسعى لتحقيق هذه المكاسب في الحاضر المعاش، ولا يتبنى فلسفة المكسب المستقبلي أو نظرية اصحاب الخطط الخماسية أو المركزية، مثلما يفكر أصحاب المدرسة الكلاسيكية الصناعية أو الإنتاجية.  

وترجع طريقة تفكير ترامب ومنهجه إلى بداياته العملية عندما عمل في شركة والدة العقارية بنيويورك عام  1968، وبعد عمله بثلاث أعوام أي سنة 1971 شهدنا خروج أمريكا من قاعدة الذهب، وأصبح الاقتصاد الأمريكي يتبنى النظرية الليبرالية الجديدة وتأثر ترامب بهذه الأفكار وتعلق بها منذ شبابه، وأصبح مؤمنا بحكم ونفوذ الشركات متعددة الجنسيات علي حساب الاقتصاد الكنزي والليبرالية الاجتماعية.

كما أصبح مقتنعا بالبلطجة الأمريكية التي تمثلت في تسعير الدولار بدون غطاء ذهبي، وهو الأمر الذي ساهم في تعويم العملات، وأصبح الدولار هو الغطاء لكل عملات العالم وليس الذهب، وهو بالطبع يمثل عملية احتكار ونصب دولي قامت بة امريكا بحكم ادارتها للأقتصاد العالمي بالقوة والترويع.

 وفي نفس العام  أصبح ترامب رئيسا لشركة والدة، وتأثر بمدرسة شيكاغو التي دعت من خلال ميلتون فريدمان لسحر الرأسمالية الجديدة، التي لا تؤمن بشكل جدي بالحقوق الاجتماعية للمواطنين، وتستخدم الدولة وقوتها كأداة لنمو الشركات الأمريكية في كل أنحاء العالم، وتستبيح ثروات دول الجنوب والشرق، بشتى الطرق الاستعمارية وتستغل المؤسسات الدولية وقوانينها لسحق الدول النامية والفقيرة. 

وخلال فترة حكمه لأمريكا الأولى والثانية  أصبحت أمريكا  تعاني من منافسة صينية علي المعادن النادرة، ومنها الكوبلت الذي يتم تصنيع الشرائح الإلكترونية منها، وكذلك البطاريات ومختلف منتجات الثورة الصناعية الرابعة المستقبلية وأبرز هذه المنتجات السيارات الكهربائية  وهواتف المحمول وغيرها من الأجهزة الذكية.

وتعمل أمريكا والصين ومختلف الدول المتقدمة بالتنقيب السري عن مناجم المعادن النادرة، وأصبحت الأخيرة أكثر أهمية من البترول والغاز، لاسيما وأن هذه المعادن هي المصدر الأساسي للتصنيع في هذه الايام، وتحقق الدول من ورائها ثروات تريليونية. 

وهو الأمر الذي دفع "ترامب" لإنهاء الصراع الروسي الأوكراني، ليضع يده على ثروة من المعادن النادرة واحتياطي ضخم يمثل 5%؜ من إحتياطي عالمي لهذه المعادن في الباطن الأوكراني، إلى جانب عودة مكانة أمريكا في أفريقيا حيث تعمل أمريكا علي حماية الكونغو الديمقراطية بطلب من الأخيرة، والتي  تمتلك احتياطات من المعادن النادرة والكوبالت تمثل 10%؜ من احتياطات العالم.

وفي المقابل نجحت الصين بفضل امتلاكها في باطن ارضها 60% من إحتياطات المعادن النادرة، وكذلك انفاقها على البحث العلمي بغزارة، أن تصبح أكبر دولة في العالم قادرة على إنتاج منتجات الثورة الصناعية الرابعة، وهو الأمر الذي دفع معظم دول العالم لانتاج منتجاتها داخل الصين.

وفي ظني تسعي أمريكا من خلال ترامب إلى السيطرة على أسواق وموارد العالم من جديد، والإعلاء من حكم الشركات وعدم السماح لحلفائها وأعدائها باستخدام السوق الأمريكي، وتحويله لسوق مُستهلك للسلع الصينية او الأوروبية أو الكندية الحديثة.

ويتضح ذلك من خلال فرض رسوم حمائية جمركية على المنتجات الصينية والكندية والأوروبية، مما ينعكس ايجابا على نسب بيع المنتجات الأمريكية في الداخل الأمريكي، ويعد السوق الأمريكي هو أكثر الأسواق الغنية في العالم بسبب قدرة شراء الشعب الأمريكي الهائلة.

كما تعمل أمريكا على تقديم نفوذ الصين حتى ترغمها على فتح سوقها للمنتجات الأمريكية، وتوقف مسيرتها التنموية، التي باتت تهدد عرش أمريكا حيث أن الصين أصبحت تنتج 35%؜ من السيارات على مستوى العالم، بينما تنتج أمريكا 18%؜ فقط.

 ونجحت الصين في تجاوز أمريكا في إنتاج مختلف السلع الحديثة الذكية وكذلك إنتاج البرامج التكنولوجية الذكية، وآخرها منافسة الصين لأمريكا في مجال ai، وهو مجال كانت أمريكا المحتكر الأول له،  والأكثر تقدما فيه بلا منافس خلال سنوات طويلة مضت.

وأصبحنا ندرك أن  قوانين منظمة التجارة العالمية التي تنادي بحرية مرور المنتجات بدون جمارك عبء على أمريكا بسبب تراجعها في انتاج سلع الثورة الصناعية الرابعة، مثلما أصبح النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، كله عبء اكبر علي أمريكا أيضاً،  وأصبحت الأخيرة تعاقب المحكمة الجنائية الدولية وتشارك في معاقبة الأونروا طالما تضر بمصالح حليفتها إسرائيل.

وفي النهاية سيظل  هذا الصراع الأمريكي الصيني مستمرا، حتى تتمكن أمريكا من صناعة نظام عالمي جديد مثلما تحلُم، يحقق لها القدرة على أن  تقضي على فكرة عالم متعدد الأقطاب، حتى لو فعلت ذلك على حساب مصالح حلفائها الغربيين.

وتحلُم أيضا بريادة العالم من جديد باستخدام شتى أنواع القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، ولكن السؤال هل أمريكا قادرة على فعل ذلك ربما نحاول أن نجيب على هذا السؤال الصعب في الأيام والسنوات القادمة؟.

Short Url

showcase
showcase
search