البيتكوين يدخل السياسة النقدية العالمية، سباق الدول نحو الاحتياطيات الرقمية

الأحد، 09 مارس 2025 12:44 ص

ترامب والعملات المشفرة

كتب/كريم قنديل

أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بإنشاء "احتياطي استراتيجي من البيتكوين"، في خطوة غير مسبوقة تعكس تحولاً في سياسات الولايات المتحدة تجاه العملات المشفرة، تأتي هذه الخطوة في سياق سعي الإدارة الأميركية لتعزيز موقع البلاد كرائدة في مجال الأصول الرقمية، بعد فترة من القيود الصارمة التي فرضتها الإدارة السابقة.

أهمية القرار وتأثيره على صناعة العملات الرقمية

وفقاً لما أعلنه مستشار البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية، ديفيد ساكس، فإن هذا الاحتياطي سيكون بمثابة "فورت نوكس رقمي"، حيث سيتم تخزين العملات الرقمية المصادرة من قبل الحكومة الفيدرالية. ويُقدَّر أن الولايات المتحدة تمتلك حالياً نحو 200 ألف بيتكوين، تبلغ قيمتها حوالي 17.5 مليار دولار.

يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها دعم كبير لصناعة العملات الرقمية، خاصة بعد إعلان ترامب عن استضافة أول قمة للعملات الرقمية في البيت الأبيض، والتي تجمع بين أبرز المستثمرين والمسؤولين التنفيذيين في هذا القطاع، مما يعكس توجهات الإدارة نحو بيئة تنظيمية مشجعة للاستثمار في العملات المشفرة.

انعكاسات القرار على الأسواق المالية

جاء رد فعل الأسواق متبايناً، حيث شهد سعر البيتكوين انخفاضاً بنسبة 5.7% عقب الإعلان، بسبب غياب سياسة شراء حكومية للأصول الرقمية، في المقابل، ارتفعت أسعار العملات المشفرة الأخرى التي ذكرها ترامب ضمن خططه المستقبلية، كما أن سياسات الإدارة الجديدة التي تركز على توفير بيئة أكثر استقراراً للاستثمار في العملات الرقمية قد تعيد جذب المستثمرين الذين غادروا السوق الأميركية بسبب السياسات التنظيمية السابقة.

الاعتبارات القانونية والتنظيمية

رغم أهمية القرار، لا تزال هناك تساؤلات حول الإطار القانوني لإنشاء مثل هذا الاحتياطي، وما إذا كان يستلزم موافقة الكونغرس، كما أن تعيين شخصيات بارزة مؤيدة للعملات الرقمية في مناصب تنظيمية، مثل تعيين بول أتكينز رئيساً للهيئة التنظيمية للأسواق المالية، يعكس تغيّرًا جذريًا في نهج الحكومة تجاه هذا القطاع.

دور البيتكوين في الاقتصاد الأميركي المستقبلي

من المتوقع أن يكون للقرار تأثيرات بعيدة المدى على الاقتصاد الأميركي، حيث تدرس الإدارة تقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستثمر في تقنيات البلوكشين، مما قد يشجع الابتكار في هذا المجال، كما أن تعزيز احتياطي الأصول الرقمية قد يكون خطوة استراتيجية لمواجهة المخاطر الاقتصادية والتحوط ضد تقلبات الأسواق المالية التقليدية.

يمثل إنشاء الاحتياطي الاستراتيجي للبيتكوين خطوة جريئة تعكس تحوّلاً في نظرة الحكومة الأميركية للأصول الرقمية، وبينما لا تزال هناك تحديات قانونية وتنظيمية تواجه تنفيذ القرار، فإن هذه الخطوة قد تمثل بداية لعصر جديد في تبني العملات المشفرة كجزء من الاستراتيجية المالية للولايات المتحدة، وسيكون من المثير متابعة التطورات القادمة في هذا المجال وتأثيراتها على الأسواق العالمية.

البرازيل.. نحو احتياطي وطني من البيتكوين

طرحت الحكومة البرازيلية مشروع قانون يهدف إلى إنشاء احتياطي وطني من البيتكوين، يقترح أن يمثل حوالي 5% من احتياطيات البلاد الدولية، ووفقاً للنائب الفيدرالي إيروس بيونديني، فإن دمج البيتكوين في الاحتياطي سيقلل من تعرض البرازيل لتقلبات أسعار الصرف والمخاطر الجيوسياسية، مما يعزز مرونة الاقتصاد الوطني.

وبموجب الاقتراح، سيتولى البنك المركزي البرازيلي إدارة الاحتياطي بالتعاون مع وزارة المالية، مع تخزين البيتكوين في "محافظ باردة" لضمان أمان الأصول الرقمية، كما سيتم استخدام هذه الأموال لدعم العملة الرقمية للبنك المركزي البرازيلي (CBDC) المعروفة باسم "دريكس".

بولندا.. رؤية رئاسية لملاذ العملات الرقمية

في بولندا، دعا المرشح الرئاسي سوافومير مينتزين إلى إنشاء احتياطي استراتيجي من البيتكوين، إلى جانب تمرير قوانين داعمة للعملات الرقمية، وتعهد مينتزين، في منشور على منصة "إكس"، بجعل بولندا "ملاذاً للعملات المشفرة" عبر قوانين تنظيمية مرنة وضرائب منخفضة، بالإضافة إلى توفير الدعم من البنوك والهيئات التنظيمية.

وأكد أن الوقت قد حان لكي ينظر السياسيون البولنديون إلى المستقبل ويتبنون التقنيات المالية الحديثة، مما يعزز جاذبية بولندا كمركز عالمي للاستثمار في الأصول الرقمية.

روسيا.. توجه نحو تخزين العملات المشفرة

في روسيا، اقترح عدد من المشرعين إنشاء "مخزون" من العملات المشفرة في "خزانة الدولة"، رغم المعارضة التي أبداها رئيس لجنة الدوما الحكومية أناتولي أكساكوف، كما نجح البرلمان الروسي في تمرير قوانين تشرّع تعدين العملات المشفرة واستخدام الأصول الرقمية في المدفوعات الدولية.

وكان نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر بانكين قد أشار، في تصريحات سابقة، إلى إمكانية استبدال جزء من احتياطيات البلاد المدعومة بالدولار الأميركي بعملات أخرى، بما في ذلك العملات الرقمية، وصرّح بانكين في مقابلة مع وكالة "إنترفكس" الروسية قائلاً: "يمكن أن تحل العملات الوطنية المختلفة محل الدولار الأميركي، وربما في المستقبل بعض الأصول الرقمية".

عام 2024 والتحولات الجذرية في سوق العملات المشفرة

شهد عام 2024 تحولات دراماتيكية في سوق العملات المشفرة، حيث انتقلت من مرحلة الركود التي ميزت عامي 2022 و2023 إلى فترة من الانتعاش التاريخي، تجاوزت القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة حاجز 3 تريليونات دولار، مدفوعة بارتفاعات قياسية في أسعار "البتكوين"، واعتماد واسع النطاق لصناديق تداولها، بالإضافة إلى تحولات تنظيمية وسياسية مؤثرة.

طفرة سعرية قياسية للبتكوين

في نوفمبر 2024، تجاوزت "البتكوين" حاجز الـ100 ألف دولار لأول مرة، مسجلة ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة ببداية العام حين كان سعرها عند 44,167 دولارًا، هذه الزيادة الهائلة عززت من جاذبية "البتكوين" كأصل استثماري وأثارت اهتمام المؤسسات الكبرى، مما انعكس على زيادة السيولة في السوق.

اعتماد صناديق تداول "البتكوين ETF"

شهدت بداية العام تحولًا تاريخيًا مع موافقة لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على 12 صندوق تداول فوري للبتكوين، ما ساهم في تدفق استثمارات مؤسسية كبيرة، أصبح صندوق "بلاك روك" للبتكوين ETF الأسرع نموًا على الإطلاق، ما يعكس تزايد ثقة المستثمرين في الأصول الرقمية.

تأثير تنصيف "البتكوين" (الهالفينغ) على السوق

في أبريل 2024، شهدت "البتكوين" عملية التنصيف التي خفضت مكافأة التعدين إلى 3.125 بتكوين لكل كتلة، على الرغم من أن هذه العملية عادةً ما تؤدي إلى ارتفاع الأسعار بسبب تقليص المعروض، فإن تأثيرها كان تدريجيًا هذه المرة، ما يعكس نضج السوق وتزايد وعي المستثمرين.

عودة تأثير السياسة على العملات المشفرة

أدى فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى موجة من التفاؤل في مجتمع العملات الرقمية، حيث تعهد بتوفير بيئة تنظيمية أكثر انفتاحًا، تعيين ديفيد ساكس مستشارًا للبيت الأبيض للعملات الرقمية والذكاء الاصطناعي يعزز هذا التوجه، كما أن تعيين بول أتكينز رئيسًا لهيئة الأوراق المالية والبورصات يعكس توجهًا داعمًا للعملات المشفرة.

البتكوين بين التحديات الاقتصادية والجيوسياسية

مع خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في 2024، تعززت جاذبية "البتكوين" كملاذ آمن ضد التقلبات الاقتصادية، كما أن الأزمات الجيوسياسية، مثل التوترات في الشرق الأوسط، أثرت في قرارات المستثمرين الذين سعوا إلى التحوط من المخاطر باستخدام العملات الرقمية.

توقعات 2025.. استمرار النمو وسباق التسلح الرقمي

يتوقع المحللون أن تستمر العملات المشفرة، بقيادة "البتكوين"، في تحقيق نمو ملحوظ في 2025، مدعومة بتنظيمات أكثر وضوحًا، وزيادة تبني الأصول الرقمية من قبل الحكومات، السيناريو الأكثر إثارة هو احتمال دخول الدول في سباق لتكوين احتياطيات من "البتكوين"، ما قد يؤدي إلى زيادات سعرية كبيرة.

شهد عام 2024 تحولات جذرية أعادت تشكيل سوق العملات المشفرة، مما يمهد الطريق لعام 2025 ليكون عامًا مفصليًا في مسار هذه الأصول، ومع توقعات بأن يصل سعر "البتكوين" إلى 120 ألف دولار في الربع الأول من 2025، وربما إلى 200 ألف دولار بنهاية العام، يبقى السؤال: هل ستواصل العملات المشفرة صعودها، أم أن هناك تحديات جديدة قد تؤدي إلى تباطؤ النمو؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الإجابة.

تشير هذه التحركات إلى أن البيتكوين والعملات الرقمية لم تعد مجرد أدوات استثمارية، بل أصبحت جزءاً من الاستراتيجيات المالية لكبرى الدول، وبينما تمضي الولايات المتحدة، البرازيل، بولندا، وروسيا في تبني سياسات جديدة لدعم احتياطياتها الرقمية، يبقى السؤال الأهم: كيف ستؤثر هذه التطورات على مستقبل النظام المالي العالمي؟

Short Url

أخبار متعلقة