الإثنين، 10 مارس 2025

04:16 ص

«التضخم المستورد» كيف تؤثر الأسواق العالمية على التضخم المحلي السعودي؟

السبت، 08 مارس 2025 01:18 م

الاقتصاد العالمي

الاقتصاد العالمي

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

يعتبر التضخم أحد المفاهيم الاقتصادية الأساسية التي تلعب دورًا حاسمًا في تحديد استقرار الاقتصاد العالمي والمحلي، كما يُعد التضخم مقياسًا لتغير أسعار السلع والخدمات بمرور الوقت، ويؤثر بشكل كبير على القوة الشرائية للأفراد وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.

شهدت السنوات الأخيرة تطورات غير مسبوقة في معدلات التضخم على مستوى العالم، خاصة في أعقاب أزمة جائحة كوفيد-19 وما تلاها من تأثيرات اقتصادية، بالإضافة إلى التغيرات الجيوسياسية الكبرى مثل النزاع في أوكرانيا.

بالرغم من ذلك، بدأ التضخم في عام 2024 يظهر إشارات تباطؤ ملحوظ في العديد من الاقتصادات، سواء كانت متقدمة أم نامية.

يهدف هذا التحليل إلى تقديم تحليل شامل لمعدلات التضخم في العالم، وكذلك شرح تفصيلي للتضخم في المملكة العربية السعودية، مع التركيز على العوامل المؤثرة في ذلك وتوقعات المستقبل.

أولاً: التضخم العالمي

يُلاحظ أن التضخم العالمي شهد تباطؤًا كبيرًا في عام 2024 مقارنة بالفترات السابقة، ولكن مع تفاوتات واضحة بين الدول.

ووفقًا للبيانات، سجل التضخم في اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية 7.9% في عام 2024، وهو انخفاض طفيف مقارنة بمعدل التضخم الذي بلغ 8.1% في العام السابق.

بالمقابل، انخفض التضخم في اقتصادات الدول المتقدمة بشكل أكثر وضوحًا، حيث بلغ 2.6% في 2024 مقارنة بـ 4.6% في 2023.

هذا التباطؤ في التضخم جاء نتيجة لتطبيق سياسات نقدية انكماشية في العديد من الدول، بالإضافة إلى الانخفاض الملحوظ في أسعار الطاقة والمواد الغذائية.

أسباب انخفاض التضخم العالمي

تعددت الأسباب التي ساهمت في انخفاض التضخم على الصعيد العالمي، وفي مقدمة هذه الأسباب تأتي السياسات النقدية الانكماشية التي تبنتها البنوك المركزية في العديد من الدول الكبرى.

فرفع أسعار الفائدة، وتقييد السيولة في الأسواق، كان لهما دور كبير في تهدئة الطلب الكلي، وبالتالي تقليص الضغوط التضخمية.

ثانيًا، ساهم الانخفاض الكبير في أسعار الطاقة، بسبب تراجع الطلب على النفط والغاز في بعض الأسواق الرئيسية، في تقليل تكلفة الإنتاج والنقل.

أخيرًا، شهدت سلاسل الإمداد تحسنًا تدريجيًا بعد سنوات من التحديات التي شهدتها على خلفية الأزمة الصحية، مما أدى إلى تخفيض أسعار السلع بشكل عام.

التوقعات المستقبلية للتضخم العالمي

تتوقع التقارير الدولية الصادرة عن صندوق النقد الدولي استمرار انخفاض التضخم العالمي خلال السنوات القادمة، ففي عام 2025، يُتوقع أن يصل التضخم إلى 4.3%، وأن ينخفض إلى 3.6% في عام 2026.

ويعكس هذا التوقع تحسنًا في الأوضاع الاقتصادية على مستوى العالم، وزيادة في استقرار الأسواق المالية، فهذا التوجه من المتوقع أن يساهم في استعادة الثقة في الأسواق العالمية، ويساعد على تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.

ثانيًا: التضخم في المملكة العربية السعودية

الرقم القياسي لأسعار المستهلك

في المملكة العربية السعودية، بلغ التضخم مستوىً متوسطًا في عام 2024، حيث سجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك ارتفاعًا قدره 1.7% مقارنة بعام 2023.

يعكس هذا الارتفاع الزيادة في أسعار العديد من السلع والخدمات التي يعتمد عليها المواطنون والمقيمون بشكل أساسي في حياتهم اليومية.

وعلى الرغم من أن هذا الارتفاع يبدو معتدلًا، إلا أنه يحمل في طياته تأثيرات هامة على المواطنين الذين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة في ظل زيادة تكلفة السكن والخدمات.

أسباب ارتفاع التضخم في السعودية

من أبرز الأسباب التي ساهمت في ارتفاع التضخم في السعودية زيادة تكاليف السكن، الذي يُعد العامل الرئيس في تحديد الرقم القياسي لأسعار المستهلك.

فقد سجل قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود الأخرى ارتفاعًا كبيرًا بلغ 9.2%، وهو ما يشير إلى زيادة كبيرة في تكاليف الإيجارات في المملكة، نتيجة لعدة عوامل من بينها النمو السكاني في المدن الكبرى وتوسع الأنشطة السياحية والترفيهية.

كما كان لهذا التزايد في الطلب على السكن دور كبير في تضخم الأسعار في هذا القطاع.

من جهة أخرى، ساهم في التضخم أيضًا زيادة أسعار بعض السلع الأساسية مثل الأغذية والمشروبات، رغم تحسن مستويات الإنتاج المحلي في بعض الفئات.

التحليل التفصيلي للربع الرابع من عام 2024

خلال الربع الرابع من عام 2024، كانت بعض القطاعات الرئيسية في الاقتصاد السعودي هي الأكثر تأثيرًا على التضخم.

فقد سجل قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود الأخرى أعلى نسبة ارتفاع بين الأقسام الرئيسة في مؤشر أسعار المستهلك، حيث سجل ارتفاعًا بنسبة 9.2%.

كما سجل قسم السلع والخدمات المتنوعة زيادة بنسبة 2.4%، وقسم المطاعم والفنادق بنسبة 1.4%، بينما شهد قسم التعليم زيادة بنسبة 1.1%، مما يعكس نموًا في الطلب على الخدمات التعليمية.

من جهة أخرى، سجلت بعض الأقسام انخفاضًا في الأسعار، حيث شهد قسم تأثيث وتجهيزات المنزل وصيانتها انخفاضًا بنسبة 2.9%، تلاه قسم النقل الذي سجل انخفاضًا قدره 2.7%.

كما سجل قسم الملابس والأحذية انخفاضًا بنسبة 2.4%، مما يعكس انخفاض الطلب على هذه الفئات في السوق.

التغيرات في نسب التأثير على التضخم

ساهم قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود الأخرى في نسبة تصل إلى 64.3% من التضخم العام في الربع الرابع من عام 2024، وهو ما يعكس بوضوح تأثير قطاع الإسكان على مستويات الأسعار في المملكة.

كما شهد قسم النقل ارتفاعًا في نسبة تأثيره على التضخم، حيث وصل إلى 9.8% مقارنة بـ2.7% في العام السابق، تليها في التأثيرات الأقسام الأخرى مثل السلع والخدمات المتنوعة والتعليم والمطاعم والفنادق.

ثالثًا: التضخم في أبرز الدول المصدرة للمملكة العربية السعودية

التضخم في الصين

سجل معدل التضخم في الصين في الربع الرابع من عام 2024 زيادة طفيفة بلغت 0.2% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

ويُعزى هذا الارتفاع إلى تقلبات الأسعار في بعض القطاعات المحلية، مثل قطاع الغذاء، كما شهدت الأسعار انخفاضًا طفيفًا بنسبة 0.3% مقارنة بالربع السابق، مما يعكس تأثير التقلبات الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الصيني.

التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية

في الولايات المتحدة الأمريكية، سجل معدل التضخم في الربع الرابع من عام 2024 ارتفاعًا قدره 2.7% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.

كما شهدت الأسعار زيادة بنسبة 0.2% مقارنة بالربع الثالث من العام نفسه، ويعكس هذا الارتفاع استمرار الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة، نتيجة لزيادة تكاليف الإنتاج في العديد من الصناعات، فضلًا عن زيادة الأجور في بعض القطاعات.

التضخم في الإمارات والهند واليابان

سجلت الإمارات العربية المتحدة، وبالتحديد في مدينة دبي، زيادة في التضخم بنسبة 2.8% على أساس سنوي في الربع الرابع من 2024، فيما سجلت الهند ارتفاعًا بنسبة 5.6%، واليابان 2.9%.

تعكس هذه الارتفاعات بعض الضغوط التضخمية في اقتصادات هذه الدول، بسبب الزيادة في أسعار السلع والخدمات الأساسية، بالإضافة إلى زيادة الطلب المحلي.

رابعًا: التوقعات المستقبلية للتضخم في المملكة العربية السعودية

التوقعات للتضخم في الربع الأول من عام 2025

يتوقع أن يستقر معدل التضخم في المملكة خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة بنفس الربع من العام السابق، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل متوازنة، مثل انخفاض أسعار السلع العالمية، في مقدمتها الأغذية والطاقة، بالإضافة إلى ارتفاع الطلب المحلي نتيجة للنمو السكاني والتحسن المتوقع في سوق العمل السعودي.

مؤشر أسعار السلع العالمية

وفقًا لتوقعات البنك الدولي في أكتوبر 2024، يتوقع أن تشهد أسعار العديد من السلع العالمية انخفاضًا في عام 2025.

على سبيل المثال، يُتوقع أن تنخفض أسعار المشروبات بنسبة 9.2%، وأسعار الطاقة بنسبة 6.2%، وأسعار المواد الزراعية بنسبة 4.2%.

وفي المقابل، من المتوقع أن تسجل أسعار المعادن ارتفاعًا بنسبة 0.8%، وأسعار المواد الأولية زيادة بنسبة 0.4%.

ختامًا: يُظهر تقرير البنك الدولي وتقرير البنك المركزي السعودي أن التضخم العالمي يشهد تباطؤًا نسبيًا، مع اختلاف في تأثيرات هذا التباطؤ بين الدول المتقدمة والدول النامية.

كما تشير البيانات إلى أن التضخم في المملكة العربية السعودية قد شهد ارتفاعًا متواضعًا في عام 2024، مدفوعًا بزيادة تكاليف السكن والسلع الأساسية.

أما التوقعات المستقبلية، فتشير إلى استقرار التضخم في المملكة في الربع الأول من عام 2025، مع استمرار الضغوط التضخمية في بعض القطاعات المحلية والعالمية.

Short Url

showcase
showcase
search