الإثنين، 03 مارس 2025

07:49 م

من التحالف إلى التوتر، التحولات في العلاقات الأميركية - الأوروبية تحت حكم ترامب

الأحد، 02 مارس 2025 03:38 م

العلاقات الأميركية-الأوروبية

العلاقات الأميركية-الأوروبية

تحليل/ كريم قنديل

تتزايد التساؤلات حول مستقبل العلاقات الأميركية-الأوروبية في ظل السياسة الحالية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث يبدو أن التحالف التقليدي بين واشنطن والاتحاد الأوروبي يشهد تحولًا كبيرًا، التحولات السياسية والاقتصادية التي طرحتها إدارة ترامب تفتح الباب أمام انقسام غير مسبوق، وتترك أوروبا في حالة من الغموض حول قدرتها على الحفاظ على موقعها الاستراتيجي في النظام الدولي.

دونالد ترامب

التحول في السياسة الأميركية.. "أميركا أولًا"

منذ بداية فترة حكمه، انتهج ترامب سياسة "أميركا أولًا"، وهي سياسة تركز على مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائها التقليديين. وتجلت هذه السياسة في الضغوط المتزايدة على الدول الأوروبية لزيادة مساهماتها في تمويل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تتراجع عن التزاماتها الدفاعية التقليدية.

ولكن، الخلافات بين واشنطن وأوروبا لم تتوقف عند هذا الحد. ترامب عمد إلى فرض رسوم جمركية على عدد من المنتجات الأوروبية، وهو ما أدى إلى توترات تجارية غير مسبوقة بين الطرفين. هذا التحول الاقتصادي يعكس التغيرات العميقة التي تحدث في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع أوروبا، والتي لم تعد تحظى بالاهتمام نفسه الذي كان يحظى به التحالف الغربي في السابق.

تجاهل أوروبا في مفاوضات أوكرانيا

ربما كان أبرز مظاهر التصدع في العلاقات بين واشنطن وأوروبا هو التهميش الأوروبي في مفاوضات الأزمة الأوكرانية. رغم أن أوروبا تحمل العبء الأكبر من دعم أوكرانيا ماليًا وعسكريًا، إلا أن المفاوضات بين واشنطن وروسيا كانت تجري دون إشراك الاتحاد الأوروبي، بل إن بعض القرارات التي تم اتخاذها في هذا السياق، مثل الصفقات الاقتصادية التي ربطت واشنطن بموسكو، كانت تهمش دور الدول الأوروبية تمامًا.

موقف ترامب من أوكرانيا كان أيضًا بعيدًا عن دعم الحلفاء الأوروبيين. ترامب تحدث عن "الديكتاتورية" في أوكرانيا واتهم الرئيس الأوكراني زيلينسكي بعدم عقد انتخابات في بلاده، مما أثار غضب الحلفاء الأوروبيين الذين كانوا يضغطون على روسيا لدفعها نحو حل سياسي للأزمة. كما كشف عن نية أميركا في الاستحواذ على 50% من المعادن النادرة في أوكرانيا مقابل مساعداتها العسكرية، وهو ما يُظهر تغيّرًا في أولويات السياسة الأميركية.

ترامب والرئيس الأوكراني

تزايد الدعوات الأوروبية للاستقلال الاستراتيجي

وسط هذا التوتر المتزايد، بدأ عدد من القادة الأوروبيين في المطالبة بمزيد من الاستقلالية الاستراتيجية. تحولت النقاشات داخل الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة بناء قوات دفاعية أوروبية مشتركة بعيدًا عن الاعتماد على الولايات المتحدة، وهو ما يعكس رغبة في تقليل الاعتماد على واشنطن، خاصة في ظل تزايد الضغوط الأميركية على أوروبا.

وفي هذا السياق، تشير بعض التوجهات في دول مثل ألمانيا وفرنسا إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يبدأ في التفكير في مستقبله الأمني بعيدًا عن الهيمنة الأميركية. وقد دعا المستشار الألماني المحتمل ميرتس إلى بناء نظام دفاعي خاص بألمانيا، بينما كانت هناك دعوات في فرنسا لتعزيز التعاون الدفاعي الداخلي.

مستقبل العلاقات الأميركية-الأوروبية.. هل نحن أمام قطيعة؟

التحديات التي تواجهها العلاقات الأميركية-الأوروبية في ظل سياسة ترامب تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل هذا التحالف، في حين أن أوروبا قد تسعى لتعزيز استقلالها العسكري والسياسي، إلا أن عجزها عن بناء قدرة دفاعية مستقلة يعني أن التحالف الأطلسي لا يزال يشكل جزءًا أساسيًا من سياستها الأمنية.

الجدل المستمر حول سياسة ترامب وتوجهاته في الملف الأوكراني يعكس تباينًا حادًا في المواقف بين الولايات المتحدة وأوروبا. وقد يفضي هذا التوتر إلى تقارب أكبر بين أميركا وروسيا، وهو ما قد يعزل أوروبا على الساحة الدولية ويعرضها لخطر فقدان دورها المؤثر في القضايا الكبرى.

الرئيس الأمريكي

ما يحدث بين الولايات المتحدة وأوروبا ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو تحول قد يشهد نهاية تحالف استمر لعقود. مع تزايد الدعوات في أوروبا لبناء استراتيجية دفاعية مستقلة، وتراجع الدعم الأميركي للحلفاء الأوروبيين في ملفات حساسة مثل أوكرانيا، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن أوروبا من تحرير نفسها من الهيمنة الأميركية، أم أنها ستظل رهينة لمصالح واشنطن قصيرة المدى؟

إن المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت أوروبا ستظل جزءًا من المعسكر الغربي بقيادة أميركا، أم أن التحولات السياسية والاقتصادية ستدفعها نحو استراتيجية أكثر استقلالية.

Short Url

showcase
showcase
search