السبت، 01 مارس 2025

07:15 م

انتعاش قطاع التصنيع الصيني وسط تحديات الحرب التجارية مع أمريكا

السبت، 01 مارس 2025 02:33 م

قطاع الصناعة الصيني

قطاع الصناعة الصيني

تحليل/ كريم قنديل

يعد قطاع التصنيع في الصين أحد العوامل الأساسية التي تقود نمو الاقتصاد العالمي، ورغم دوره الكبير في دعم الاقتصاد، إلا أن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة في ظل التحولات العالمية المتسارعة، بما في ذلك الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وضعف الطلب المحلي.

قطاع التصنيع في الصين

نمو قطاع التصنيع في الصين

شهد قطاع التصنيع في الصين انتعاشًا طفيفًا في فبراير 2025، حيث أظهر مؤشر مديري المشتريات التصنيعي الرسمي ارتفاعًا إلى 50.2 نقطة مقارنة بـ 49.1 نقطة في يناير، وفقًا لبيانات الهيئة الوطنية للإحصاء الصينية (National Bureau of Statistics, NBS). 

وقد جاء هذا الرقم أعلى من التوقعات التي كانت تشير إلى 49.9 نقطة، مما يعكس انتعاشًا طفيفًا في النشاط التصنيعي بعد انكماش استمر خلال الشهرين الماضيين، كما أظهر مؤشر النشاط غير التصنيعي في القطاعات الأخرى مثل البناء والخدمات ارتفاعًا طفيفًا إلى 50.4 نقطة من 50.2 نقطة في الشهر السابق.

يعتبر هذا الارتفاع مؤشرًا على عودة النشاط الاقتصادي إلى بعض مستويات التوسع بعد تباطؤ النشاط في الأشهر السابقة، ويُعزى هذا النمو إلى سلسلة من الحوافز الحكومية الموجهة لتعزيز القطاعات الاقتصادية الأساسية، مثل القطاع الصناعي.

التوترات التجارية الأمريكية وتأثيرها على الاقتصاد الصيني

مع تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أصبحت الرسوم الجمركية التي تفرضها واشنطن على السلع الصينية أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر في أداء قطاع التصنيع في الصين. في يناير 2025، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن نية فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على المنتجات الصينية اعتبارًا من 4 مارس 2025. هذا التهديد يفاقم الضغوط على الاقتصاد الصيني، الذي كان قد بدأ في التعافي من آثار الجائحة.

التجارة الصينية في مواجهة التجارة الأمريكية

إحصائيات التجارة الصينية

رغم التحديات التجارية، شهدت الصادرات الصينية تحسنًا ملحوظًا في العام 2024، حيث ارتفع الفائض التجاري للصين إلى تريليون دولار، وهو أعلى مستوى له منذ عقود. لكن هذا الفائض الكبير أثار قلق شركاء الصين التجاريين، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين اتهموا الصين بزيادة الفوائض التجارية من خلال تقديم دعم حكومي غير شفاف لشركاتها الصناعية. ونتيجة لذلك، تتجه بعض الدول نحو فرض حواجز تجارية جديدة قد تؤثر على صادرات الصين في المستقبل، خاصة في قطاع السيارات الكهربائية، الذي يشهد نموًا سريعًا في الصين.

التحديات المحلية

على المستوى الداخلي، يُظهر الاقتصاد الصيني مجموعة من المؤشرات الاقتصادية السلبية التي تهدد استدامة نموه. في نوفمبر 2024، سجلت أرباح الشركات الصناعية الكبرى في الصين انخفاضًا بنسبة 7.3% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، وفقًا لبيانات المكتب الوطني للإحصاء الصيني. هذا الانخفاض يعد الأكبر منذ عقدين، مما يعكس الضغوط التي يتعرض لها القطاع الصناعي في ظل تراجع الطلب المحلي، بالإضافة إلى ضعف استهلاك الأسواق الداخلية.

وفي نفس السياق، تشير تقارير من كايشين وستاندرد أند بورز جلوبال إلى أن مؤشر مديري المشتريات لقطاع التصنيع في الصين قد انخفض إلى 50.1 نقطة في يناير 2025، وهي أدنى قراءة في أربعة أشهر. وفي هذا الصدد، أكد وانغ تشي، كبير الاقتصاديين في مجموعة كايشين إنسايت غروب، أن التحديات الرئيسية التي تواجه قطاع التصنيع في الصين تتمثل في الضعف الكبير في الطلب الخارجي و مستويات الأسعار الضعيفة التي تؤثر على هوامش الربح في الصناعة.

السياسات الحكومية الصينية في مواجهة التحديات

وفي محاولة للتخفيف من آثار هذه التحديات، اتخذت الحكومة الصينية مجموعة من التدابير التحفيزية لتعزيز النمو الاقتصادي. على سبيل المثال، أطلقت البنك المركزي الصيني حزمة من السياسات النقدية التي تشمل تخفيض أسعار الفائدة، وزيادة السيولة البنكية، وذلك لتحفيز الإقراض المحلي وتشجيع الاستثمار في القطاعات الإنتاجية.

الحرب التجارية بين أمريكا والصين

كما تعد الصين من الدول الرائدة في مجال التصنيع المتقدم والتكنولوجيا، حيث تستثمر بشكل كبير في تطوير الذكاء الاصطناعي و الروبوتات في صناعة السيارات والآلات الثقيلة، بالإضافة إلى الصناعات التكنولوجية الحديثة. هذا التوجه يعكس رغبة الصين في تجاوز التحديات الاقتصادية من خلال تحديث بنيتها الصناعية وتعزيز قدراتها التنافسية على المستوى الدولي.

التوقعات المستقبلية

مع استمرار التحديات التجارية وتراجع الطلب المحلي، من المتوقع أن تواصل الصين تبني سياسات تحفيزية إضافية، ومن المحتمل أن تتضمن هذه السياسات دعمًا أكبر للقطاع الخاص، حيث قام الرئيس شي جين بينغ مؤخرًا بعقد اجتماعات مع كبار قادة التكنولوجيا، مثل جاك ما، لتشجيع المزيد من الاستثمارات الخاصة في القطاع التكنولوجي. بالإضافة إلى ذلك، يتوقع الخبراء أن تلجأ الحكومة الصينية إلى خفض قيمة اليوان في المستقبل لمواجهة ضغوط الرسوم الجمركية الأميركية.

إن قطاع التصنيع في الصين يواجه تحديات متعددة، بما في ذلك تدهور بيئة التصدير بسبب التوترات التجارية، وكذلك ضعف الطلب المحلي في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة. ومع ذلك، فإن السياسات الحكومية الصينية، بما في ذلك الحوافز الاقتصادية ودعم القطاع التكنولوجي، تساهم في الحفاظ على بعض الزخم في هذا القطاع الحيوي، لا تزال الصين بحاجة إلى تكثيف جهودها لضمان استدامة نمو قطاع التصنيع، ومواجهة التقلبات التجارية العالمية، مع الحفاظ على القدرة التنافسية على المستوى الدولي.

Short Url

search