الأحد، 23 فبراير 2025

06:04 م

الجفاف يضرب المغرب.. خسائر ضخمة تنتظر القطاع الزراعي

الأحد، 23 فبراير 2025 01:03 م

الأراضي الزراعية في المغرب

الأراضي الزراعية في المغرب

هدير جلال

منذ بداية موسم الزراعة في المغرب شهر أكتوبر الماضي، يحرص المُزارع عبد القادر على متابعة نشرات الطقس كل مساء، وفي الصباح يتطلع نحو السماء لعله يرى سحباً ماطرة، أمله أن يأتي الغيث في الوقت المناسب وبالكمية المرجوة، لكن في نفس الوقت يجد نفسه مستغرقاً في التفكير بعدما انفض من حوله أبناؤه الثلاث وتركوه وحيداً، ما أجبره على زراعة جزء صغير فقط من أرضه، نقلاً عن موقع بلومبيرج الشرق.

الأراضي الزراعية في المغرب

القطاع الزراعي يواجه ندرة في اليد العاملة وفقدان المعرفة الزراعية التقليدية

واقع هذا المزارع السبعيني يشبه كثيرين في أغلب المناطق الزراعية في المغرب، حيث يفضل الشباب الهجرة إلى المدن بحثاً عن فرص عمل في قطاعات أخرى مثل الصناعة والخدمات، بينما تزحف الشيخوخة على الفلاحين أصبح القطاع يواجه ندرة في اليد العاملة وفقدان المعرفة الزراعية التقليدية وتراجع الإنتاجية.

هذا الوضع أثار القلق لدى السلطات في السنوات الأخيرة، خاصة أن الزراعة تشكل حجر الأساس في الاقتصاد المغربي، حيث تسهم بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي وتعتبر مصدر دخل رئيسي لما يقارب 40% من المغاربة الذين يعيشون في المناطق الريفية.

 زحف الشيخوخة على القطاع الزراعي في المغرب

الأرقام الرسمية تكشف عن زحف الشيخوخة على القطاع، إذ أن رُبع الفلاحين من إجمالي 1.6 مليون شخص في هذا القطاع تتجاوز أعمارهم 65 عاماً، وللتصدي لهذا الواقع، تسعى الحكومة من خلال استراتيجية "الجيل الأخضر" للقطاع للفترة 2020-2030 إلى ضمان انتقال المعرفة والخبرة من الجيل الأكبر إلى الجيل الأصغر، من خلال تشجيع الشباب على الاستثمار في الزراعة وتعزيز نمو القطاع.

 تحديات قطاع الفلاحة اليوم ليست مقتصرةً فقط على التغيرات المناخية والجفاف 

يرى موسى المالكي، أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن تحديات قطاع الزراعة ليست مقتصرةً فقط على التغيرات المناخية والجفاف المتتالي، ولكنها تشمل أيضاً تقلص عدد الفلاحين الصغار، الذين يُعتبرون رأس مال بشري مؤهل، ويشير المالكي إلى أن تقدم العمر بين الفلاحين يهدد بفقدان المعرفة العميقة بالدورة الزراعية التي تم توارثها عبر الأجيال.

تشجع استراتيجية "الجيل الأخضر" الفلاحين الأكبر سناً على بيع أو تأجير أراضيهم للمستثمرين الشباب، وتركز على توسيع الحماية الاجتماعية لتشمل 400 ألف أسرة في القطاع، بالإضافة إلى تدريب 350 ألف فلاح ومستثمر جديد. ومع ذلك، تواجه هذه الأهداف تحديات كبيرة.

الأراضي الزراعية في المغرب

تراجع أعداد قطعان الأبقار والأغنام بنسبة 38% العام الماضي بسبب التغيرات المناخية

ووفقًا بلومبيرج الشرق يتجلى التأثير الكبير للتغيرات المناخية على القطاع الفلاحي في المغرب في تراجع أعداد قطعان الأبقار والأغنام بنسبة 38% العام الماضي مقارنة بالإحصاءات السابقة من تسع سنوات، وفق تصريح وزير الفلاحة محمد البواري في مؤتمر صحافي مؤخراً، وقد تكبد القطاع الزراعي العام الماضي فقدان 137 ألف وظيفة، وهو ما قاد معدل البطالة إلى 13.3%، وهو أعلى مستوى منذ ربع قرن.

تتفاقم هذه المشكلات في ظل معاناة المغرب من ندرة غير مسبوقة في الأمطار على مدى السنوات الست الماضية، وهي الفترة الأشد جفافاً في تاريخه الحديث، هذا الجفاف أثر بصورة كبيرة على صغار الفلاحين الذين يعتمدون على الزراعة المطرية، ويهدد إذا استمر بفقدان ما لا يقل عن 0.8 نقطة من النمو الاقتصادي هذا العام، وفقاً للمندوبية السامية للتخطيط، الجهاز الحكومي المسؤول عن الإحصاءات، وفي المقابل، تأمل الحكومة المغربية في أن تحقق موسماً زراعياً متوسط الإنتاج لتحقيق نمو طموح يصل إلى 4.6%.

عزوف الشباب عن الفلاحة


في قلب منطقة زراعية تبعد حوالي 50 كيلومتراً شرقي العاصمة الرباط، يعيش المزارع عبد القادر قصة كفاح تمتد لعقود، منذ أن كان شاباً، حَرَث أرضه وزرعها، معتمداً على معارف تناقلتها عائلته جيلاً بعد جيل، لتوفير قوت يومهم، لكنه اليوم يواجه تحديات جديدة تهدد استمرارية مهنته، وفي حديث لـ"الشرق"، يعبر عن معاناته قائلاً: "أجد صعوبة في زراعة أرضي بالكامل بسبب الجفاف وتقدمي في العمر، وأيضاً في ظل غياب أي مساعدة، لا أستطيع لوم أبنائي على اختيارهم لمهن أخرى، فالجفاف المستمر جعل من الزراعة مخاطرة".

أرض زراعية

رغم تسجيل تساقط أمطار طيلة الأشهر الماضية فإن عدم انتظامها جعلها دون تأثير إيجابي كبير، فإنتاجية الحبوب، والتي يعول عليها المغرب كثيراً، تتوقف على تساقطات الأسابيع الأولى التي تلي بداية الموسم الفلاحي في أكتوبر، قال وزير الفلاحة خلال اجتماع مجلس الحكومة الأسبوع الماضي إن الموسم الحالي كان الأضعف مقارنةً بمتوسط ثلاث عقود الماضية من حيث الأمطار، حيث كانت موزعة بشكل لا يتماشى مع احتياجات دورة الإنتاج.

حصدت البلاد في الموسم الفلاحي الماضي 3 ملايين طن من الحبوب وهو الأضعف منذ قرابة عقدين، بينما كان المعدل في المواسم المطيرة يصل إلى أكثر من 7 ملايين طن، وهو ما يدفع البلاد لاستيراد أكبر من الخارج.

تضاف اليوم إلى العقبات المناخية، مشاكل تقدم أعمار الفلاحين وهجرة الشباب إلى المدن، إذ أشار  المالكي إلى أن “هذه العوامل المتداخلة تُعيق تجدد الأجيال في القطاع”، ويضيف أن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في هذا الوضع، مثل "ارتفاع نسبة التعليم في الأرياف والرغبة في تحسين المستوى الاجتماعي بمزاولة أنشطة اقتصادية بديلة عن الزراعة التقليدية التي تعتمد بشكل كبير على المطر".

تحديث القطاع الزراعي في المغرب

يسعى المغرب إلى تحديث القطاع الزراعي من خلال تحويله من نشاط تقليدي يعتمد على الأمطار إلى نشاط متطور يعتمد على حلول مبتكرة. تشمل هذه الحلول اعتماد أساليب زراعية مستدامة، واستخدام الأسمدة بكفاءة، والاستثمار في تحسين البنية التحتية للري بدلاً من الاعتماد شبه الكامل على التساقطات المطرية.

وفي هذا السياق، تستفيد المملكة من دعم مالي من البنك الدولي، الذي أقرَّ في ديسمبر الماضي قرضاً بقيمة 250 مليون دولار، يهدف هذا التمويل إلى تعزيز قدرة القطاع الزراعي على مواجهة التغيرات المناخية، وتحسين جودة وسلامة الأغذية المنتجة.

سيتم توجيه هذا المبلغ نحو تشجيع الممارسات الزراعية الصديقة للمناخ، وتحسين إدارة المياه والتربة. كما سيتضمن الجهود لدعم الزراعة بدون حراثة والزراعة العضوية، وتوسيع نطاق التأمين الزراعي ليشمل مزيداً من الأراضي. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تقديم الدعم للمزارعين لتحسين قدراتهم التسويقية وضمان وصول منتجاتهم إلى الأسواق بشكل أكثر فعالية.

أرض زراعية

دعم إنشاء شركات فلاحية ودعم استعمال تقنيات الزراعة الجديدة

دفع تفاقم الجفاف وزحف الشيخوخة السلطات في السنوات الماضية لدعم إنشاء شركات فلاحية ودعم استعمال تقنيات الزراعة الجديدة، بحسب كمال أبركاني، أستاذ متخصص في العلوم والهندسة الزراعية بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة. قال أبركاني إن "هذه الجهود تسعى لإنشاء جيل جديد من الفلاحين يعتمدون الزراعة المروية والاستفادة من الحلول التي تحد من آثار التغيرات المناخية على الإنتاج، يتضمن ذلك اختيار المحاصيل المناسبة واستخدام تقنيات الري بالتنقيط والاعتماد على المياه غير التقليدية".

تمتد الأراضي الصالحة للزراعة في المغرب على مساحة تقارب 9 ملايين هكتار، مقسمة إلى 1.6 مليون قطعة أرض، وفقاً لأرقام وزارة الفلاحة، لكن تظل أغلب القطع الأرضية الفلاحية صغيرة وفي الأغلب لا يستعمل أصحابها البذور الجيدة والأسمدة والمبيدات الحشرية. إذ لم تنجح مساعي السلطات لدعم تكتل الفلاحين في تعاونيات كبيرة في تجاوز هذا التحدي الذي يقلل من استثمارات المزارعين ويضعف الإنتاج.

يعدُّ العزوف عن الانخراط في الزراعة والاستثمار فيها من قِبل الشباب تحدياً مستمراً، رغم الجهود التي تبذلها الدولة لتدريب رواد الأعمال في هذا القطاع وتوفير قروض ميسّرة لهم، وفقاً لما ذكره كمال أبركاني. ويعتقد أن هذا الوضع يتطلب "اهتماماً كبيراً ومتواصلاً بالقطاع وبصغار المزارعين من أجل دعم قدرتهم على الصمود وزيادة اعتمادهم على ما تقدمه التقنيات الحديثة من حلول لمواجهة تحديات الجفاف الممتد".

على مدى العقود الأخيرة، دعم المغرب تطوير مناطق زراعية مروية باستثمارات في أغلبها من القطاع الخاص، مما ساعد على ظهور شركات محلية كبيرة في قطاع صناعة الأغذيةن ورغم تتابع سنوات الجفاف، فقد نجح القطاع في الحفاظ على مستوى الصادرات، حيث بلغت العام الماضي 4.2 مليار دولار.

تهديد للأمن الغذائي في المغرب


يرى موسى المالكي أن "الاختفاء التدريجي للمزارعين الصغار من القرى قد يشكل تهديداً للأمن الغذائي للبلاد". ويؤكد أن "قطاع الفلاحة في المغرب يتجاوز كونه مجرد قطاع اقتصادي، إذ يمثل الفلاحون الصغار رمزاً للارتباط الوثيق بالأرض، ويمتلكون خبرات ومهارات زراعية متوارثة عبر الأجيال لا تقدر بثمن".

في تقرير أصدره العام الماضي، أوصى المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بـ"إعطاء الأهمية للفلاحين الصغار لأنهم يشكلون حلقة الوصل الأساسية في ضمان الأمن الغذائي"، وقال إن هذا الأمر له أهمية كبرى في ظل سياق لا زالت تخضع فيه أسعار الغذاء عالمياً لضغوط تضخمية مستمرة.

المعهد الذي أسس بمرسوم ملكي قبل قرابة عقدين، يصدر تقارير ودراسات وتحليلات ومهمته هي المساهمة في صنع القرار الاستراتيجي في المملكة. نبه بأن "الفلاحة المغربية تعيش وضعاً حرجاً غير مسبوق، في ظل تفاقم التغيرات المناخية وما يترتب عنه من ندرة المياه وهو ما يدفع للتخلي عن النشاط الزراعي وفقدان مناصب الشغل وقد يؤدي ذلك لتدفقات هجرة ريفية لا يمكن التحكم فيها".

Short Url

showcase
showcase
search