«نمو 4.2% في 2024» هل يستطيع الاقتصاد المصري تجاوز تحديات التضخم والفائدة العالية؟
الأحد، 09 فبراير 2025 04:33 م

وزارة المالية
كريم قنديل
تواصل الدولة المصرية جهودها في التحرك بخطوات متكاملة لضمان استقرار الاقتصاد الوطني وتعزيز قوته، مع التركيز على تحسين الحوكمة المالية واستغلال الموارد العامة بكفاءة، وتستهدف هذه الجهود تطوير الهياكل الإدارية والرقابية للجهات الحكومية والمستقلة، بما يسهم في تحقيق الانضباط المالي وخلق وفورات تُوجه نحو الأولويات الوطنية، وعلى رأسها التوسع في الإنفاق الاجتماعي لدعم قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.

تحديات تعصف بالاقتصاد المصري
إن جهود الدولة لتحسين الوضع الاقتصادي تتزامن مع ظروف استثنائية حادة امتدت لأكثر من 4 سنوات، حيث أنهكت بنية الاقتصاد العالمي بقسوة بمختلف مكوناته بصفة عامة، والاقتصادات الناشئة بصفة خاصة، ومع تصاعد وتيرة الحرب في أوروبا، والحرب في غزة، وتأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي، شهدت الأنشطة الاقتصادية تباطؤًا واضحًا، وانخفضت معدلات الاستثمار والنمو، بينما قفزت تكاليف المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة لاختلال ميزان العرض والطلب في سلاسل الإمداد، هذا المشهد الاقتصادي المضطرب دفع الدول لاعتماد سياسات تقييدية لمواجهة التضخم، مثل رفع أسعار الفائدة، مما أدى إلى هجرة الأموال من الأسواق الناشئة وزيادة تكلفة التمويل، وهو ما ألقى بظلاله الثقيلة على الاقتصادات النامية، بما فيها مصر، حيث تأثرت العملات المحلية وتراجعت مستويات المعيشة.
وسط هذه العواصف الاقتصادية، تجد مصر نفسها أمام تحديات معقدة تتطلب موازنة دقيقة بين امتصاص الصدمات العالمية وتقليل تأثيرها على المواطنين والقطاعات الأكثر تضررًا، ومع محدودية الموارد وارتفاع تكاليف التمويل، تضاعفت الأعباء على الاقتصاد المحلي، خصوصًا في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع المصروفات اللازمة للتعامل مع التداعيات السلبية.
لم تكد مصر تبدأ خطوات التعافي نحو استقرار المؤشرات الاقتصادية، حتى واجهت صدمات جديدة، بدءًا من الحرب في غزة مرورًا بالتوترات في منطقة البحر الأحمر والسودان. هذه الأزمات الإقليمية والدولية أسفرت عن تحديين رئيسيين: الأول هو تأثر الإيرادات العامة نتيجة تباطؤ القطاعات الحيوية مثل السياحة، والإنتاج، والتصدير، وعوائد قناة السويس. والثاني هو زيادة المصروفات لمواجهة هذه التحديات عبر حزم استثنائية للحماية الاجتماعية ودعم الأسر الأكثر احتياجًا والقطاعات الإنتاجية المتضررة.
توجهات اقتصادية
استجابة لهذه المرحلة الحرجة، وبتوجيهات رئاسية واضحة ودعم من مجلس النواب، بادرت الحكومة باتخاذ حزمة من التدابير والإصلاحات الهيكلية لتحفيز الاقتصاد واستعادة المسار السليم، وتهدف هذه الإجراءات إلى تعزيز قدرة الاقتصاد المصري على الصمود وتقليل الخسائر، مع اتخاذ خطوات استباقية للتحوط ضد المخاطر المحتملة، والعودة إلى مسار التعافي والنمو الاقتصادي المستدام.
وفي ظل هذا المشهد العالمي المضطرب، تتبنى الحكومة رؤية استراتيجية تمتد حتى عام 2030، تركز على التحول الرقمي والاقتصاد الأخضر كركائز أساسية للنهوض الاقتصادي. هذه الرؤية تشمل سياسات اقتصادية كلية وقطاعية تسعى لتحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد المصري، ليصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات وبناء مستقبل أكثر استدامة واستقرارًا. تلك التوجهات الاستراتيجية الاقتصادية تمثلت في:
- تحقيق نمو اقتصادي مرتفع ومستدام يقوده القطاع الخاص، بما يعزز التمكين الاقتصادي، ويساهم في خفض معدلات الفقر، ويوفر تكافؤ الفرص أمام المواطنين لتحسين مستوى المعيشة.
- تسريع جهود زيادة تنافسية الاقتصاد المصري من خلال حزمة متكاملة من السياسات والإصلاحات الهيكلية لتحقيق نمو مرتفع ومستدام، مع خلق مليون فرصة عمل سنويًا وخفض معدلات البطالة.
- رفع كفاءة الخدمات الأساسية لتمكين المواطنين من الاستفادة المباشرة من ثمار النمو الاقتصادي.
- تهيئة مناخ استثماري جاذب عبر دعم المستثمرين، إزالة العقبات، وتشجيع الأنشطة الإنتاجية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والصناعات التحويلية، لزيادة الإنتاج المحلي والتوسع في الصادرات.
- استمرار دعم القطاعات الاقتصادية والإنتاجية من خلال توفير التمويل اللازم وزيادة الاستثمار في التعدين والتنقيب وإعادة تدوير الموارد المعدنية.
- اتباع سياسة تسعير عادلة للسلع والخدمات والاستعداد لمواجهة أي اضطرابات مفاجئة في إمدادات السلع الأساسية.
- تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي بشكل فعال ومستهدف لتوفير الحماية للفئات الأكثر احتياجًا.
- تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، بما يضمن استقرار أسعار السلع والخدمات، وتخفيف تكاليف التمويل للأنشطة الصناعية والزراعية والخدمية.
- زيادة تنافسية وتنوع الاقتصاد المصري من خلال تحسين الإنتاجية، تعميق المكون المحلي، وزيادة اندماج الاقتصاد المصري في سلاسل القيمة العالمية.
آفاق الاقتصاد المصري
في ظل تداعيات الأزمات العالمية ومعدلات التضخم والفائدة العالية، من المتوقع أن يرتفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد المصري ليصل نحو 4.2% للعام المالي 2024/2025، مقابل تقديرات لنمو يصل الى 2.9% فى العام المالى 2023/2024، بعد تحقيق معدل نمو إيجابي قدره 3.8% في العام المالى 2022/2023، مع الأخذ في الاعتبار الأثر السلبي للأزمة الراهنة على الأداء الاقتصادي المصري خلال العام القادم فضلًا عن التباطؤ المحتمل لأداء بعض القطاعات في ظل الضغوط التضخمية التي يواجهها الاقتصاد المصرى.

تعمل الحكومة حاليًا على دعم جهود البنك المركزي المصري لخفض معدلات التضخم السنوية، بهدف الوصول إلى معدل مستهدف يبلغ 7% (± 2%)، وفقًا للأهداف المعلنة من البنك المركزي، وتعكس هذه الجهود التزام الدولة بمواجهة الاضطرابات الاقتصادية العالمية والاستمرار في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الشاملة وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام يستفيد منه جميع المواطنين، كما تسعى الحكومة إلى خلق المزيد من فرص العمل، خاصة للشباب والنساء، مما يساهم في خفض معدلات البطالة بشكل مستمر.
ورغم الصدمات المتتالية التي تعرض لها الاقتصاد المصري والتباطؤ الذي شهده في بعض القطاعات، إلا أن معدلات البطالة واصلت التراجع، وهو ما يؤكد أن النمو المحقق ساهم في خلق فرص عمل حقيقية وبأعداد جيدة للراغبين في العمل، يُعد ذلك الهدف الأهم لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث يمثل توفير فرص عمل لائقة الوسيلة الأكثر كفاءة لتحسين دخول المواطنين، وأحد أفضل أدوات الحماية الاجتماعية من حيث الاستدامة والتأثير الإيجابي.
وعلى صعيد السياسة النقدية، قام البنك المركزي المصري مؤخرًا برفع أسعار الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس، ليصل متوسط الكوريدور إلى 27.75%، في إطار الجهود المبذولة للسيطرة على مستويات التضخم المرتفعة، ومع استمرار التوترات الاقتصادية والجيوسياسية وتباطؤ حركة التجارة العالمية، تشير التوقعات إلى تراجع معدل التضخم السنوي ليصل إلى 17.9% خلال العام المالي 2024/2025، مقارنة بالتقديرات التي بلغت 35.7% للعام المالي 2023/2024.
جهود الحكومة لدفع ومساندة النشاط الاقتصادي والحماية الإجتماعية
مع التغيرات العالمية الطارئة نتيجة الأزمات المتتالية والتوترات التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا والحرب في غزة والتي ترتب عليها ضغوطات تضخمية هائلة وتبعيات اقتصادية كبيرة على الاقتصاد العالمي وبالأخص الاقتصادات الناشئة استهدفت الحكومة مساندة كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق تعافي ونمو اقتصادي قوي ومستدام، حيث أعلنت وخصصت الحكومة حزم اجتماعية للتعامل مع الأوضاع الحالية متمثلة في مجموعة من حزم الإنفاق والدعم الاجتماعي لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين، فقد تم إقرار الحزمة الأولى لمساندة القطاع الصحى في بداية أزمة فيروس كورونا في مارس 2020 ثم تلاها مجموعة من الحزم الاجتماعية حتى حزمة مارس 2024 وفقًا لما يلى:

- 100 مليار جنيه: الحزمة الأولى التي تم إقرارها لدعم القطاع الصحي والقطاعات المتأثرة من جائحة فيروس كورونا.
- 78 مليار جنيه: الحزمة الثانية التي أُقرت في أبريل 2022 لمواجهة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية والتغيرات الاقتصادية.
- 67.5 مليار جنيه: الحزمة الثالثة التي تم إقرارها في سبتمبر ونوفمبر 2022 لدعم فئات المجتمع المختلفة لمواجهة آثار الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة.
- 150 مليار جنيه: الحزمة الرابعة التي أُقرت في أبريل 2023 لدعم فئات المجتمع المختلفة في ظل الأزمة الاقتصادية واستيعاب زيادات الأسعار وارتفاع نفقات المعيشة.
- 180 مليار جنيه: الحزمة الخامسة التي تم اعتمادها في أكتوبر 2023 لدعم المجتمع في مواجهة التحديات الاقتصادية وزيادة تكاليف المعيشة.
- 60 مليار جنيه: الحزمة السادسة التي بدأ تنفيذها في مارس 2024 لمساندة فئات المجتمع المختلفة في التكيف مع الآثار الاقتصادية الناتجة عن زيادة الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة.
إصلاحات هيكلية تحت المجهر
تؤكد الإصلاحات الهيكلية الجارية والمستقبلية التزام الحكومة بتحقيق نمو اقتصادي مرتفع ومرن ومستدام، حيث من المتوقع أن يشهد معدل النمو ارتفاعًا تدريجيًا وإيجابيًا، مع تعزيز مرونة الاقتصاد ليكون أكثر توافقًا مع التحول الأخضر وقضايا النوع الاجتماعي، شاملًا جميع فئات المجتمع ومدفوعًا بأنشطة القطاع الخاص المتنوعة، ورغم التحديات التي واجهتها مصر مؤخرًا، بما في ذلك أزمة النقد الأجنبي وتأثيرها على القدرات المالية، نجحت الدولة في تبني وتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية تشمل السياسة النقدية والمالية، بالإضافة إلى إصلاحات هيكلية تهدف إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتعزيز الموازنة العامة للدولة، ووضع الدين العام على مسار تنازلي مستدام.
وتتسق هذه الإصلاحات مع المستهدفات المالية المتفق عليها في إطار اتفاقية صندوق النقد الدولي، كما تهدف إلى تعزيز استثمارات القطاع الخاص وزيادة تنافسيته من خلال تقليص تدريجي لدور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتهيئة مناخ تنافسي عادل بين الشركات المملوكة للدولة ونظيراتها من الشركات الخاصة، سواء المحلية أو الأجنبية.
في السياق نفسه، تعمل الحكومة على خفض قيمة الاستثمارات الممولة من الخزانة العامة للحفاظ على الملاءة المالية، وتقليل معدلات التضخم، وتخفيف الضغط على العملة الأجنبية. وفي هذا الإطار، أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 241 لسنة 2024، الذي ينص على تباطؤ وتيرة تنفيذ المشروعات القومية التي لم تصل نسبة إنجازها إلى 70% أو التي تحتوي على مكون دولاري، بهدف تقليل تمويل استثمارات أجهزة الموازنة العامة خلال النصف الثاني من العام المالي 2023/2024.
ورغم هذه الإجراءات، من المتوقع أن ترتفع قيمة الاستثمارات المدرجة في مشروع موازنة العام المالي 2024/2025 بنسبة 48.5% مقارنة بالتقديرات المتوقعة للعام المالي الحالي 2023/2024، لتصل إلى نحو 495.8 مليار جنيه مقابل 334 مليار جنيه تقريبًا في العام المالي الحالي، ومع ذلك، فإن هذه الزيادة تأتي مدفوعة باستثمارات ممولة ذاتيًا، مما يعني عدم تأثيرها على عجز الخزانة أو حجم الاقتراض الحكومي.

جهود الحكومة نحو التحول للاقتصاد الأخضر
تسعى الدولة المصرية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر وتحويل هذا الهدف الاستراتيجي إلى مشروعات تنموية، حيث تعمل الحكومة على زيادة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء الممولة حكوميًا من 40% في العام الحالي إلى 50% من إجمالي الاستثمارات العامة في عام 2024/2025، كما تم توسيع فئات المشروعات الخضراء ضمن “محفظة مصر المستدامة”، وفي ظل التحديات التمويلية التي تواجه مصر، أطلقت الدولة أول سندات خضراء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2020 بقيمة 750 مليون دولار، لتمويل مشروعات صديقة للبيئة.
ومن أبرز المبادرات التنموية التي تدعم هذا التحول مبادرة "حياة كريمة" التي تهدف إلى خلق مجتمعات ريفية مستدامة، ومبادرة "القرية الخضراء" التي تسعى لتطبيق معايير الاستدامة البيئية في القرى ضمن المشروع القومي لتطوير الريف المصري، كما أصدرت مصر إطار "التمويل السيادي المستدام" لتحديد أولوياتها البيئية والاجتماعية، مما عزز مكانتها الرائدة في مجال التمويل المبتكر للمناخ والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا والشرق الأوسط، ودعم جهود "التعافي الأخضر" لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
وفي سياق تنويع مصادر تمويل عجز الموازنة، أصدرت وزارة المالية لأول مرة سندات باندا المستدامة في الأسواق الصينية بقيمة 500 مليون دولار لمدة ثلاث سنوات، تهدف عائدات هذه السندات إلى تمويل مشروعات تحقق النمو الشامل والأهداف الخضراء، مثل النقل النظيف والطاقة المتجددة والإدارة المستدامة للمياه ومشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
لتحفيز الاستثمار الخاص في التحول الأخضر، قامت الدولة بإصلاحات تشريعية ومؤسسية لتحسين مناخ الاستثمار، أبرزها إصدار القانون رقم 2 لسنة 2024 بشأن حوافز مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، الذي يقدم حوافز ضريبية وغير ضريبية لتشجيع المستثمرين وتسريع تنفيذ المشروعات، تضمنت الحوافز الضريبية إعفاء المعدات والآلات من ضريبة القيمة المضافة، وخفض قيمة الضريبة على الدخل المرتبطة بالمشروعات بنسبة تتراوح بين 33% و55%، أما الحوافز غير الضريبية، فتشمل منح "الموافقة الواحدة"، وإعفاء الشركات من التسجيل في سجل المستوردين والمصدرين، وتقليل تكاليف الانتفاع بالموانئ والأراضي الصناعية.
بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء "المجلس الوطني للهيدروجين الأخضر ومشتقاته" برئاسة رئيس مجلس الوزراء لدعم الاستثمار في هذا المجال الحيوي وضمان تنافسية مصر دوليًا وإقليميًا، ويعمل المجلس على إزالة معوقات الاستثمار، ومراجعة التشريعات ذات الصلة، وضمان توافقها مع أهداف التنمية المستدامة وخطط الدولة الاقتصادية.
كما تضمنت اللائحة التنفيذية لقانون المالية العامة الموحد رقم 6 لسنة 2022 إلزام الوزارات والجهات الحكومية بتقديم مصفوفة لبرامج الاقتصاد الأخضر، معتمدة من الجهات المختصة، لتكون متسقة مع الأهداف الاستراتيجية للدولة واستراتيجيتها للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030".
الموقف الخارجي لجمهورية مصر العربية
تصنيف مصر من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني
شهدت تصنيفات مصر السيادية تغيرات ملحوظة مؤخرًا من قبل مؤسسات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى، حيث أظهرت تلك المؤسسات إشارات متفاوتة حول الوضع الاقتصادي لمصر ومدى استجابتها للتحديات الاقتصادية والجيوسياسية.

مؤسسة فيتش (Fitch)
في نوفمبر 2023، خفضت المؤسسة تصنيف مصر إلى -B بعد أن كان عند B مع الإبقاء على نظرة مستقبلية مستقرة. يعكس هذا التخفيض تزايد المخاطر المتعلقة بالتمويل الخارجي، واستقرار الاقتصاد الكلي، والارتفاع المستمر في الدين الحكومي، ومع ذلك، تشير النظرة المستقرة إلى أن الإصلاحات الجارية، بما في ذلك تخارج الدولة من بعض الأصول، تباطؤ الإنفاق الحكومي على المشروعات الكبرى، وتعديل سعر الصرف، تمهد الطريق لإبرام برنامج موسع محتمل مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى تلقي دعم إضافي من دول مجلس التعاون الخليجي.
مؤسسة موديز (Moody's)
في مارس 2024، عدّلت المؤسسة النظرة المستقبلية لمصر من سلبية إلى إيجابية مع تثبيت التصنيف عند Caa1 وأشارت موديز إلى أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة، مثل تعويم العملة المحلية وزيادة أسعار الفائدة بين 200 و600 نقطة أساس من قبل البنك المركزي، ساهمت في تعزيز مرونة الاقتصاد المصري في مواجهة الصدمات الاقتصادية على المدى الطويل، ومع ذلك، لا يزال تصنيف Caa1 يعكس وجود تحديات كبيرة ومخاطر ائتمانية مرتفعة.
مؤسسة ستاندرد آند بورز (S&P)
في مارس 2024، قامت المؤسسة بتعديل النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية مع تثبيت التصنيف الائتماني طويل وقصير الأجل عند B-/B يعكس هذا التعديل بدء استعادة الثقة في المسار الاقتصادي المصري، مدفوعًا بتحرير سعر الصرف والالتزام بضبط أوضاع المالية العامة وتعزيز القدرة على تحمل الديون، وأشارت المؤسسة إلى أن تحسن التصنيف مستقبلًا يعتمد على سرعة تحسين صافي الدين الخارجي وزيادة توفر العملة الأجنبية لتخفيف قيود النقد الأجنبي.
تعكس تقييمات مؤسسات التصنيف السيادي الدولية مؤشرات أولية على استعادة الثقة في الاقتصاد المصري. يأتي ذلك نتيجة الالتزام بتنفيذ سياسات البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي، وقدرة الحكومة على مواجهة التداعيات السلبية للأوضاع الجيوسياسية والتحديات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك تأثير الحرب في أوروبا والتوترات في المنطقة العربية.
المؤشرات الخارجية
شهد العجز في الميزان السلعي تحسنًا ملحوظًا خلال يناير من العام 2024 مقارنة بالفترة المماثلة خلال العام 2023 بنحو 67.4% وبقيمة 3.1 مليار دولار، وذلك نتيجة انخفاض الواردات بنحو 40% بقيمة 3 مليار دولار مقارنة بزيادة في الصادرات بنحو 3.4% بقيمة0.1 مليار دولار.

تحفيز الصادرات وتحقيق هدف الوصول إلى 100 مليار دولار سنويًا بحلول 2030
تعمل مصر على تعزيز قطاع التصدير ضمن استراتيجيتها للوصول إلى 100 مليار دولار سنويًا من الصادرات بحلول عام 2030، يأتي ذلك من خلال الاستمرار في تنفيذ برامج دعم ومساندة الصادرات، حيث تم تخصيص نحو 23 مليار جنيه بموازنة العام المالي 2024/2025 لدعم المصدرين، مما يعكس التزام الدولة بتوفير الموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
وفي هذا السياق، وضمن جهود الدولة لتحفيز الصادرات، وافق مجلس الوزراء في أكتوبر 2019 على إطلاق ست مبادرات لرد مستحقات المصدرين لدى صندوق تنمية الصادرات، ومع بداية عام 2024، تم فتح الباب لتلقي طلبات الانضمام للمرحلة السابعة من مبادرة "السداد النقدي الفوري"، استجابةً لمطالب القطاع التصديري الذي أشاد بنجاح المراحل السابقة، وخلال المرحلة السادسة، تم صرف حوالي 12 مليار جنيه لصالح 1558 شركة، في إطار دعم الدولة لدفع عجلة الإنتاج وتعزيز الصادرات.
ومن المبادرات الجديدة، أقر مجلس الوزراء في أبريل 2023 برنامجًا جديدًا لدعم الصادرات يمتد لمدة ثلاث سنوات، يهدف هذا البرنامج إلى تحفيز القطاع التصديري على التوسع في أنشطته الاستثمارية، الحفاظ على العمالة، وتوسيع قاعدة الصادرات، كما يهدف إلى تعزيز تنافسية المنتجات المصرية في الأسواق الإقليمية والعالمية، بما يسهم في رفع معدلات النمو الاقتصادي ودعم الاقتصاد القومي.
السياسة المالية وأبرز النتائج المحققة
تُعد السياسة المالية إحدى الركائز الأساسية في برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي تنفذه الحكومة، لما لها من دور محوري في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، فهي تساهم في ضبط الأوضاع المالية، واستدامة مؤشرات عجز الموازنة العامة والدين الحكومي وخدمته على المدى المتوسط، بالإضافة إلى تحفيز النشاط الاقتصادي، وتعزيز معدلات التشغيل، وتحسين منظومة الحماية الاجتماعية، وزيادة كفاءة وجودة الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين.
تتمثل الأهداف الرئيسية للسياسة المالية في خفض معدلات دين أجهزة الموازنة العامة وتقليل عبء خدمته، وفي هذا السياق، تستهدف وزارة المالية خفض نسبة الدين إلى مستويات أكثر استدامة تصل إلى حوالي 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام المالي 2026/2027، مقارنة بنسبة دين بلغت 102.8% من الناتج المحلي في نهاية العام المالي 2015/2016، ومن المتوقع أن تنخفض نسبة الدين إلى 89% بحلول يونيو 2024.
لتحقيق هذه الأهداف، تستهدف السياسة المالية تحقيق فائض أولي سنوي بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2024/2025، وقد حققت وزارة المالية تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، حيث ارتفع الفائض الأولي من 0.1% في العام المالي 2017/2018 إلى 1.8% في العام المالي 2018/2019. وبعد جائحة كورونا، سجل الفائض الأولي 1.6% في العام المالي 2022/2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 5.8% في العام المالي 2023/2024، مع الأخذ في الاعتبار الإيرادات الاستثنائية الناتجة عن صفقة "رأس الحكمة"، التي حققت 12 مليار دولار.
تهدف السياسة المالية إلى ضمان استدامة الفائض الأولي للمساعدة في تخفيض الدين أو مواجهة التحديات المالية الحالية، ويتم ذلك من خلال توسيع وتنمية قاعدة الإيرادات الضريبية وغير الضريبية، واستمرار إصلاح هيكل الإنفاق العام لضمان فعاليته. كما تسعى إلى توفير مساحة مالية كافية لزيادة الإنفاق الموجه نحو التشغيل، والإنتاج، والتنمية البشرية، مع تقليل الإنفاق غير المؤثر مثل خدمة الدين.
على الرغم من التحديات الكبيرة المتمثلة في ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة التي وصلت إلى مستويات قياسية خلال النصف الثاني من العام المالي 2023/2024، تهدف السياسة المالية إلى تحقيق معدلات نمو مستدامة في المصروفات العامة (باستثناء الفوائد)، بحيث تقل عن معدلات نمو الإيرادات العامة على المدى المتوسط، مما يعزز استقرار المالية العامة ويساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية.
الإيرادات العامة
تسعى الحكومة في مشروع موازنة العام المالي 2024/2025 إلى تعزيز ارتباط الإيرادات العامة بالنشاط الاقتصادي، مع مراعاة مبادئ العدالة الاجتماعية وضمان توزيع عادل للأعباء الضريبية. يتم ذلك دون التأثير على الطبقات الأكثر فقرًا، مع تحسين كفاءة الإدارة الضريبية وتوسيع نطاقها، بما يعكس حجم الاقتصاد المصري.

زيادة الحصيلة الضريبية
تتوقع الحكومة زيادة الحصيلة الضريبية بنسبة 30.4% مقارنة بالعام السابق. يعود ذلك إلى الجهود المبذولة في تنمية الإيرادات، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتنفيذ إصلاحات مثل:
- زيادة الحدود السعرية للشرائح الضريبية على منتجات التبغ والسجائر.
- إلغاء الإعفاءات الضريبية لبعض الأنشطة الاستثمارية.
- ميكنة ضريبة الرواتب للعاملين بالدولة والقطاع الخاص.
- تسوية المنازعات الضريبية للشركات الصغيرة.
الضرائب على الدخل وضريبة القيمة المضافة
تعد الضرائب على الدخل والقيمة المضافة مصادر رئيسية للإيرادات الضريبية، من المتوقع أن تحقق الجهات غير السيادية (باستثناء البترول والبنك المركزي وقناة السويس) نموًا بنسبة 24% في الحصيلة، لتصل إلى 1.5 تريليون جنيه، وذلك في ضوء استمرار تحسن مؤشرات النشاط الاقتصادي والجهود المبذولة من قبل مصلحة الضرائب في زيادة عمليات الحصر وتوسيع القاعدة الضريبية وتطوير الأداء.
الضرائب على السلع والخدمات
تستهدف الحكومة نمو حصيلة الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 24%، لتصل إلى 828 مليار جنيه. يتم تحقيق ذلك من خلال تحسين كفاءة التحصيل الضريبي، وتوسيع القاعدة الضريبية، وزيادة الضرائب على التجارة الإلكترونية.
الضرائب العقارية
تتوقع الحكومة أن تصل حصيلة الضرائب العقارية إلى 8 مليارات جنيه، بمعدل نمو 12.4%، وتتحقق هذه الزيادة عبر تحديث الخرائط الجغرافية للمناطق السكنية وبناء قاعدة بيانات للثروة العقارية، مع التوسع في التحصيل الإلكتروني.

الضرائب الجمركية
من المتوقع أن تصل حصيلة الضرائب الجمركية إلى 99.2 مليار جنيه، بزيادة 47% عن العام السابق. تشمل الإصلاحات:
- إصدار قانون الجمارك الجديد لتوحيد المفاهيم الجمركية وتبسيط الإجراءات.
- تعديل فئات التعريفة الجمركية لدعم الاستثمار والصناعة المحلية.
- تنفيذ مشروع "النافذة الواحدة" لتسهيل الإجراءات الجمركية وتقليص زمن الإفراج.
الإيرادات غير الضريبية
تعمل الحكومة على تنمية الإيرادات غير الضريبية دون فرض أعباء جديدة، من خلال:
- تعظيم العائد على أصول الدولة.
- تعزيز العدالة الضريبية.
- تنفيذ إصلاحات مالية لتحسين الأوضاع الاقتصادية.
- تطبيق سياسات شراكة بين القطاعين العام والخاص.
تستهدف الحكومة تحقيق حصيلة إضافية من الطروحات تعادل 1% من الناتج المحلي، مما يساعد في خفض الاقتراض وتقليل مديونية أجهزة الدولة.
مؤشرات مستقبلية
تشير مؤشرات الموازنة العامة للدولة إلى أن إجمالي الإيرادات سيبلغ نحو 2,625,168 مليون جنيه، وإجمالي المصروفات نحو 3,870,168 مليون جنيه، مع فائض أولي يبلغ 591,445 مليون جنيه بنسبة 3.5% من إجمالي الناتج المحلي، وعجز كلي يبلغ 1,243,022 مليون جنيه بنسبة 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تصل نسبة إجمالي الدين العام للناتج المحلي إلى نحو 88.2%.
تسعى وزارة المالية لتنفيذ استراتيجية محددة تهدف إلى خفض معدل الدين للناتج المحلي لأقل من 80% بحلول يونيو 2027 لأول مرة في تاريخ مصر، وبناءً على التعديلات الأخيرة لقانون المالية العامة الموحد، سيتم وضع حد أقصى لسقف دين الحكومة العامة، يشمل أجهزة الموازنة والهيئات الاقتصادية، على أن يتم تخفيضه سنويًا ولا يمكن تجاوزه إلا في حالات الضرورة وبموافقة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب، كما سيتم وضع حد أقصى للضمانات التي تصدرها وزارة المالية، مع توجيه الفائض الأولي ونصف إيرادات برنامج الطروحات لخفض مديونية الحكومة وأعباء خدمتها بشكل مباشر، جنبًا إلى جنب مع إطالة عمر الدين.

تعزيز التنمية البشرية
في إطار تعزيز التنمية البشرية، يشهد العام المالي الجديد 2024/2025 زيادة ملحوظة في مخصصات الصحة والتعليم، استكمالًا لمسيرة بناء الإنسان المصري، حيث تلتزم الحكومة بمواصلة تطوير منظومة تعليمية تُعزز الإبداع والابتكار، إلى جانب تسريع وتيرة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في باقي المحافظات، باعتباره حجر الزاوية في إصلاح القطاع الصحي وتحقيق الحماية الاجتماعية، هذه الخطوات تستهدف تخفيض معدلات الفقر وضمان توفير رعاية صحية شاملة لكل الأسر المصرية، بالتوازي مع دفع عجلة المبادرات الرئاسية للصحة العامة.
البيان المالي لعام 2024/2025 يضع رؤية واضحة لمناخ اقتصادي محفز للنمو والتنمية والإنتاج، يعزز تنافسية الاقتصاد المصري ويدعم استدامة الثقة الدولية، كما يعكس التزام الحكومة بتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل، مدعومًا بمؤسسات الدولة والشراكات العالمية، مع الاستفادة من التدفقات الاستثمارية المتزايدة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مشروع "تطوير مدينة رأس الحكمة"، الذي يؤكد قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بفضل الجهود المستمرة لتهيئة بيئة استثمارية مواتية وتوفير بنية تحتية متطورة تدعم الأنشطة الاقتصادية المستقبلية.
إن الهدف الأساسي يكمن في تحقيق التوازن المطلوب بين تخفيف الآثار التضخمية التي عانى منها المواطن المصري على مدار العامين الماضيين والعمل على تحسين مستوى المعيشة وتلبية الاحتياجات التنموية للمواطنين وتخفيف الأعباء عن كاهلهم، وذلك من خلال زيادة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية، وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم، وخلق فرص العمل، مع الحفاظ على الانضباط المالي من خلال ترشيد الإنفاق العام وتحقيق أكبر فائض أولي في تاريخ مصر بنسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، واستهداف معدلات أكثر استدامة على المدى المتوسط لخفض عجز الموازنة إلى أقل من 6% والدين إلى أقل من 80% بحلول يونيو 2027، وتعزيز الإيرادات العامة بالعمل على دفع جهود تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة من أجل توطين الصناعة وتعميق الإنتاج المحلي وزيادة التصدير بما يساهم في تحسين هيكل النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص لدعم قدرات الاقتصاد القومي وخلق مليون فرصة عمل للشباب سنويًا.
وفي إطار دعم القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة والقطاعات الخدمية مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والسياحة، تتشارك الخزانة العامة للدولة مع المستثمرين أعباء التمويل لخفض تكاليف الإنتاج وضمان استدامة النمو الاقتصادي من خلال استمرار مبادرة دعم فائدة التسهيلات التمويلية بمبلغ 120 مليار جنيه، مع الالتزام الكامل بالحفاظ على استقرار السياسات الضريبية دون فرض أو زيادة ضرائب أو رسوم جمركية جديدة، والتركيز على توسيع القاعدة الضريبية والاستغلال الأمثل للأنظمة الإلكترونية لتحسين كفاءة الإدارة الضريبية ودمج الاقتصاد غير الرسمي.
ختامًا، في خضم تحديات اقتصادية وسياسية عالمية غير مسبوقة، تواصل مصر السير بخطى ثابتة على طريق الإصلاح والنمو، مستندة إلى رؤية استراتيجية شاملة توازن بين مواجهة الأزمات العالمية وتحقيق الاستدامة المحلية، ورغم المصاعب، تبقى جهود الدولة الرامية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وخلق فرص العمل، ودعم التحول الأخضر، شاهدة على إصرارها على بناء اقتصاد قوي ومرن، وبينما تلوح آفاق جديدة في الأفق، يظل المواطن المصري هو الركيزة الأساسية والأولوية الكبرى في مسيرة التنمية، ليظل الأمل في مستقبل أفضل واقعًا يتحقق يومًا بعد يوم.
Short Url
«عدسة جوجل» تحصل على مزايا جديدة في هواتف «آيفون»
20 فبراير 2025 08:24 م
شراكة استراتيجية لدعم البنية التحتية الرقمية بين النيابة العامة والهيئة القومية للاتصالات
20 فبراير 2025 08:23 م
إيقاف مساعد «Gemini» في تطبيق جوجل الأصلي من آيفون
20 فبراير 2025 08:07 م


أكثر الكلمات انتشاراً