الدكتور عاطف كامل يكتب.. مفهوم الإثراء البيئي وأهمية تطبيقة في حدائق الحيوان

السبت، 07 ديسمبر 2024 01:03 م

ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد

عاطف محمد كامل

الإثراء البيئي هو استراتيجية موجهة نحو الهدف ومحددة مسبقًا لتعزيز رفاهية الحيوان من خلال تعزيز الحالات البدنية والعاطفية الإيجابية من خلال تحفيز السلوكيات الطبيعية المجزية، ومن خلال تغطية الاحتياجات العامة (الاختيار والتحكم والتنوع والتعقيد) والاحتياجات المحددة الإثراء البيئي، كممارسة تربية، مهم وضروري مثل التغذية أو الرعاية البيطرية لضمان رفاهية الحيوان المثلى عند تصميم وتقييم الإثراء البيئي، لا ينبغي الانتباه إلى ما يقوم به الإنسان، أو ما هو عليه، أو كيف يبدو؛ ولكن إلى ما يولده، أو يحفزه، أو يعززه، أو يسمح به في الحيوان.

الإثراء البيئي، المعروف أيضًا باسم الإثراء السلوكي أو يُشار إليه ببساطة باسم الإثراء، هو مبدأ تربية يسعى إلى تعزيز رفاهية الحيوانات في الأسر من خلال تحسين الرفاهية العقلية للحيوان و/أو اللياقة البدنية، على الرغم من أن مفهوم الإثراء البيئي يرتبط عادة بالأشياء التي يمكن للحيوانات "اللعب" بها، فإن الإثراء البيئي يتجاوز إلى حد كبير الإضافة العشوائية للعناصر إلى المنشأة إنه استراتيجية موجهة نحو الهدف ومحددة مسبقًا لتعزيز رفاهة الحيوان من خلال تعزيز الحالات العاطفية و/أو الجسدية الإيجابية يتم تحقيق هذه الحالات من خلال تحفيز السلوكيات الطبيعية المجزية، ومن خلال تغطية الاحتياجات الأخرى التي لا يمكن تلبيتها بالكامل في ظل الظروف المعيشية الهيكلية المحددة للحيوانات (روتين الإدارة، وتصميم المنشأة، والسياق الاجتماعي، وما إلى ذلك).

يمكن أن تتضمن استراتيجيات الإثراء البيئي، من بين أمور أخرى، الأهداف التالية:

-إنشاء بيئات ديناميكية ومحفزة توفر درجة معينة من الحداثة والتغييرات في حياة الأفراد المستهدفين.

-تحفيز السلوكيات الطبيعية المجزية النموذجية للأنواع من خلال توفير سياقات وفرص وكفاءات محددة لأدائها.

-وفير التحديات المعرفية والفرص الاجتماعية.

-السماح بالاختيارات السلوكية وتحفيز سيطرة الحيوان الفردي على بيئته ومتوسط العمر المتوقع.

-تحقيق اللياقة البدنية المثلى وميزانيات النشاط الطبيعي.

وعلى النقيض من ممارسات تربية أخرى مهمة أيضًا لضمان الرفاهية المثلى، مثل الرعاية البيطرية أو التغذية، فإن ممارسات الإثراء البيئي لا تعدل بشكل مباشر فسيولوجيا الحيوانات بدلاً من ذلك، تخلق سياقًا بيئيًا وفرصًا يمكن للحيوانات استخدامها أو الاستفادة منها لتغطية احتياجات محددة، وتزدهر جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا وبالتالي، على الرغم من أن الإثراء البيئي كممارسة تربية تم تطويره مؤخرًا أكثر من غيره وحظي باهتمام أقل، إلا أنه مهم وضروري مثل التغذية أو الرعاية البيطرية لضمان الرفاهية المثلى للحيوانات تحت رعاية الإنسان إن التأثيرات المفيدة للإثراء البيئي على رفاهة الحيوان عديدة وقد تم الإبلاغ عنها على نطاق واسع وقد ارتبط استخدام الإثراء بانخفاض تركيزات الهرمونات المرتبطة بالتوتر، وتقليل السلوكيات المتكررة أو القضاء عليها، وتقليل الوزن الزائد، كما أن الحيوانات الأسيرة الخاضعة لبرامج الإثراء البيئي الناجحة تتمتع بصحة أفضل ولياقة بدنية أعلى، وتظهر تنوعًا سلوكيًا أكبر وأنماط سلوكية "مرغوبة"، وتظهر ميزانيات نشاط مماثلة لنظيراتها من نفس النوع التي تعيش بحرية ومن المثير للاهتمام أن الدراسات التي تستخدم التحيز المعرفي أثبتت في العديد من الأنواع أن الحيوانات الخاضعة للإثراء أكثر تفاؤلاً (وهو مؤشر مرتبط بحالات الرفاهية الإيجابية) من تلك التي لا تخضع للإثراء.

وقد تم إثبات التأثيرات العلاجية للإثراء البيئي ضد العديد من الأمراض في العديد من الأنواع، ويتم دراسة تأثيراته العصبية الحيوية ومن المثير للاهتمام أن بعض الدراسات الحديثة كشفت أيضًا أن الإثراء البيئي، من خلال كل من الخط الأمومي والأبوي، يمكن أن يكون له تأثيرات بين الأجيال على النسل وتأثيرات عبر الأجيال على الأجيال اللاحقة، من خلال الآليات الجينية، وعلاوة على ذلك، فإن التأثيرات الإيجابية للإثراء على التكاثر من خلال التغييرات في فسيولوجيا الحيوان والسلوك الإنجابي والاستقرار الاجتماعي معروفة جيدًا أيضًا، وبالتالي، تسلط كل هذه المعرفة الضوء على أهمية الإثراء البيئي والرفاهية المثلى في نجاح الحفاظ على التنوع البيولوجي في المستقبل وحماية التنوع البيولوجي على الرغم من أن الأمر يعتمد على السياق المحيط بالأفراد، فمن المهم أن نضع في الاعتبار أن الإثراء البيئي قد يكون ضروريًا ويجب تطبيقه في جميع الأنواع، بما في ذلك تلك التي لديها قدرات معرفية أقل أو ذخيرة سلوكية أبسط. وعلاوة على ذلك، قد تختلف احتياجات الإثراء أو أولوياته ليس فقط بين الأنواع ولكن أيضًا بين الأفراد وفقًا للعديد من العوامل مثل مزاجهم أو أعمارهم أو جنسهم أو حالتهم الفسيولوجية أو التسلسل الهرمي أو تجاربهم السابقة. يمكن لمرافق الحيوانات وإدارتها وغيرها من السياقات أن تحدد أيضًا الإثراء البيئي المطلوب، حيث يمكن لبعض تصميمات الحظائر والديناميكيات الاجتماعية وإدارة الحيوانات والتدريب أو البحث أن تلبي كليًا أو جزئيًا بعض احتياجات الحيوانات وتحفز أيضًا تجارب عاطفية إيجابية،في المؤسسات الحيوانية (بما في ذلك حدائق الحيوان والأحياء المائية والمؤسسات الأخرى التي ترعى الحيوانات البرية)، يجب على الأشخاص المسؤولين عن الإثراء البيئي تحديد احتياجات الأفراد المستهدفين وخصائص ظروف معيشتهم وتصميم خطط الإثراء البيئي وفقًا لذلك، وتغطية الجوانب المفقودة الضرورية لمستويات الرفاهية المثلى.

بشكل عام، يجب أن يتكيف الإثراء البيئي مع الحقائق البيولوجية والاجتماعية والسياقية للأفراد المستهدفين ولأن هذه الحقائق تتغير باستمرار، ولأن الوقت والتعرض المتكرر يمكن أن يؤثر على فعالية الإثراء (على سبيل المثال، يمكن أن تفقد إجراءات الإثراء تأثيرها "الجديد" أو تتوقف عن كونها تحديًا معرفيًا مع اعتياد الحيوانات عليها)، يجب أن تخضع استراتيجيات الإثراء البيئي للمراجعة والتعديل وإعادة التصميم باستمرار، في عملية لا نهاية لها تضمن فعاليتها بمرور الوقت يعد تطبيق برامج الإثراء البيئي الناجحة ضروريًا ولكنه صعب ولهذا السبب، فإن استخدام المنهجية العلمية والمصادر الموثوقة والمعرفة المحدثة له أهمية كبيرة وبالمثل، فإن تزويد موظفي حديقة الحيوان بدورات تدريبية وتعليم حديث حول ممارسات الإثراء البيئي أمر بالغ الأهمية أيضًا.

كيفية تطبيق الإثراء البيئي

على الرغم من وجود استراتيجيات وإرشادات مختلفة لتطبيق الإثراء البيئي بنجاح، إلا أنها جميعًا تتفق على:

-الحاجة إلى معرفة عميقة بالبيولوجيا ومتوسط العمر المتوقع والموائل الطبيعية للأنواع المستهدفة، بالإضافة إلى خصائص الأفراد أو المجموعات المستهدفة وإدارتها وسياقها.

-أهمية التصميم الراسخ لخطة الإثراء البيئي، بما في ذلك أهداف الرفاهية، واستراتيجيات الإثراء والإجراءات والأدوات المستخدمة لتحقيقها.

-الحاجة الماسة لتقييم ما إذا كانت استراتيجية أو خطة الإثراء فعالة وبالتالي تحسين رفاهية الأفراد المستهدفين.

-الدورة التي لا نهاية لها من عمليات الكشف والتصميم والتطبيق والتقييم.

وقد صنفت بعض الدراسات الإثراء البيئي إلى خمس فئات غير متبادلة الحصر (متعلقة بالغذاء، والاجتماعية، والحسية، والموائل المادية، والإدراكية)، وينبغي النظر إلى الإثراء البيئي على أنه من الأفضل أن يتم وفقًا لتأثيراته على الحيوان، والتي يمكن أن تكون متعددة ولكنها تختلف أيضًا بين الأنواع والأفراد كما ذكرنا سابقًا، ولهذا السبب، بدلاً من التفكير في شكل أداة الإثراء أو الفعل (كيف يتم إعداده جسديًا أو ماديًا)، يجب تصميم استراتيجيات الإثراء وتقييمها وفقًا للحالات العقلية و/أو الجسدية التي ستحفزها هذه الأفعال في الحيوان.

يمكن أن يختلف الإثراء البيئي من أفعال أو أشياء بسيطة إلى استراتيجيات أو أدوات معقدة للغاية. على سبيل المثال، يعد تغيير روتين وقت التغذية أو مكان الطعام لجعله أقل قابلية للتنبؤ استراتيجية بسيطة ثبت أنها إثراء بيئي ناجح في العديد من الأنواع من ناحية أخرى، تم الإبلاغ أيضًا عن تحسن رفاهية الحيوان في الحيوانات المشاركة في مشاريع بحثية معقدة حيث يُنظر إلى هذه الأنشطة على أنها إثراء معرفي محفز وممتع من قبل بعض الأفراد وبالمثل، يمكن لتصميمات المرافق البسيطة جدًا إلى المعقدة جدًا أن تثري حياة الحيوانات وتحسن الرفاهية إن إضافة قمم ذات شرائح إلى مغذيات الزرافات يعد تعديلاً منخفض التكلفة نسبياً وقد ثبت أنه يشجع على سلوك البحث عن الطعام الطبيعي ويقلل من الصور النمطية الشفوية. ومن ناحية أخرى، فإن بناء وإدارة شبكة معقدة وواسعة النطاق من مسارات الحيوانات في حديقة الحيوان وفرت الكثير من الفرص للإثراء وحسنت بشكل كبير من رفاهية الأنواع التي تستخدمها.

ورغم أن هذا ليس بالضرورة تناقضاً، فإن الهدف النهائي للإثراء البيئي هو تعزيز رفاهية الأفراد المستهدفين وليس محاكاة البيئات الطبيعية أو تحسين تجربة الزوار. ويمكن لبعض استراتيجيات الإثراء الناجحة للغاية استخدام عناصر غير موجودة في الموائل الطبيعية للأنواع المستهدفة، أو تنطوي على أشياء أو أفعال غير جمالية وغير طبيعية على سبيل المثال، ثبت أن إضافة الروائح غير الطبيعية ناجحة مثل الروائح الطبيعية عند استخدامها كإثراء حسي لبعض الأنواع، وتحفيز السلوكيات الاستكشافية، وتحفيز تماسك المجموعة وتوفير حداثة غير متوقعة في القفص. وكمثال آخر مثير للاهتمام، فإن الشمبانزي الأسيرة (Pan troglodytes) التي تستخدم ألعاب الكمبيوتر التي تتحدى القدرات المعرفية للحصول على مكافآت الطعام قدمت ميزانية نشاط مماثلة لتلك التي قدمتها الأنواع الأخرى التي تعيش بحرية، ورغم أن استخدام الكمبيوتر بعيد كل البعد عن كونه طبيعياً بالنسبة للشمبانزي، فقد افترض البعض أن لعبة الكمبيوتر قدمت تحدياً معرفياً مماثلاً للحصول على الطعام مقارنة بما تواجهه الشمبانزي التي تعيش بحرية في البرية عندما تأكل الفاكهة من النباتات ذات الأشواك كما قدمت ألعاب الكمبيوتر فرصة لحل المشاكل والتحكم في بعض جوانب البيئة ورغم أن النتائج متناقضة في دراسة تأثير الإثراء البيئي الذي يبدو غير طبيعي في تجربة الزوار، فإن مسؤولية المؤسسة تقع على عاتقها في مواءمة جميع استراتيجيات الإثراء البيئي الضرورية مع توقعات الزوار وأهدافهم التعليمية، ولحسن الحظ، أفادت بعض الدراسات بزيادة رضا الزوار عند مراقبة الحيوانات الخاضعة للإثراء البيئي مع زيادة التنوع العام في النشاط والسلوك، وقد يكون تثقيف عامة الناس حول الإثراء البيئي وإنشاء برنامج اتصال جيد خياراً مثيراً للاهتمام لمواءمة جميع أهداف المؤسسة.

وفى الختام ينبغي للمؤسسات الحيوانية الحديثة ممثلة في حدائق الحيوان أن تدمج الإثراء البيئي في إدارتها اليومية للحيوانات وتعطيه الأهمية والاعتبار المناسبين، لتحقسق رفاهية وصحة الحيوانات وبالتالي، عندما تكون رعاية الحيوان أولوية، فيجب استثمار الوقت والموارد البشرية والاقتصادية في برامج الإثراء البيئي.

بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس ورئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – مؤسس المحميات الطبيعية في مصر-عضو اللجنة العلمية والإدارية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- المستشار العلمى لحديقة الحيوان بالجيزة-الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم

Short Url

أخبار متعلقة