الإثنين، 28 أبريل 2025

12:48 م

قناة السويس، شريان لا يعرف التحديات ورقمًا صعبًا في معادلة التجارة العالمية

الإثنين، 28 أبريل 2025 09:00 ص

قناة السويس

قناة السويس

تحليل/ كريم قنديل

على مدار نصف قرن، كانت قناة السويس شريانًا نابضًا لحركة التجارة العالمية، تمر عبرها سفن البضائع والركاب ناقلة العالم بأسره من قارة إلى قارة، الأرقام التي حصدتها قناة السويس ترسم لنا بوضوح ملحمة صعود مستمر، رغم كل ما مر به العالم من أزمات اقتصادية وجيوسياسية.

قناة السويس

منذ عام 1977، حين كانت القناة تمرر نحو 19 ألف سفينة بحمولة صافية لم تتجاوز 220 مليون طن، وحتى سنوات ما قبل 2024 التي تخطت فيها الحمولات الصافية حاجز النصف مليار طن، نجد أمامنا قصة نجاح تتحدث عن نفسها. 

المتوسط اليومي لعدد السفن

ارتفع المتوسط اليومي لعدد السفن من 26 سفينة عام 1975 إلى ما يقارب 70 سفينة يوميًا في 2023، مما عكس مكانة القناة كممر لا غنى عنه في التجارة العالمية.

لكن المشهد اليوم أكثر تعقيدًا، الأرقام الحديثة تُظهر أن قناة السويس لم تعد تسير فقط في طريق الصعود التلقائي، بل أصبحت تواجه تحديات حقيقية، الانخفاض الحاد في أعداد السفن وحمولاتها في 2024، يعكس تحولات ضخمة في الخريطة الاقتصادية العالمية، من تطور طرق ملاحة بديلة إلى تأثير النزاعات الإقليمية، وصولًا إلى التغيرات في أنماط الاستهلاك والنقل.

تقف قناة السويس اليوم أمام لحظة فارقة، الاستمرار في السباق العالمي يتطلب استراتيجيات جديدة تتجاوز مجرد استقبال السفن، إلى بناء منظومة لوجستية متكاملة تدعم التجارة وتنافس الممرات البديلة، مستقبل القناة مرهون بقدرتها على الابتكار والمرونة، أكثر من أي وقت مضى.

قناة السويس

عقد من الازدهار ثم أزمة مفاجئة

عاشت قناة السويس خلال العقد الماضي فترة من النمو اللافت، حيث ارتفعت أرقام الحمولة الصافية من 962 مليون طن عام 2014 إلى ذروتها التاريخية عند أكثر من 1.56 مليار طن عام 2023. 

حركة السفن بدورها كانت في تصاعد مطرد، من 17 ألف سفينة إلى أكثر من 26 ألف سفينة سنويًا، مما عزز موقع القناة كأحد أهم شرايين التجارة العالمية، بينما متوسط الحمولات اليومية قفز من 47 ألف طن إلى أكثر من 72 ألف طن في 2023، في مشهد كان يبشر بمستقبل أكثر ازدهارًا لهذا الممر الحيوي.

التراجع الحاد في حركة الملاحة

شهدت قناة السويس خلال عام 2024 تراجعًا ملحوظًا في عدد السفن العابرة مقارنة بعام 2023، حيث انخفض العدد من 26,434 سفينة إلى 13,213 سفينة، بنقص قدره 13,221 سفينة بنسبة 50%. 

هذا التراجع لم يقتصر على عدد السفن فقط، بل امتد إلى أنواع السفن المختلفة، مثل سفن الغاز الطبيعي التي انخفضت بنسبة 85.7%، وناقلات البترول بنسبة 41.6%، يرجع ذلك إلى التوترات الجيوسياسية والتي أثرت على الأوضاع الاقتصادية العالمية وطرق التجارة الدولية.

 

2024 عام التحديات الكبرى

ما أن دارت عجلة 2024 حتى اصطدمت قناة السويس بعاصفة غير مسبوقة، الأرقام تُظهر تراجعًا حادًا، الحمولة الصافية انخفضت إلى 524 مليون طن فقط، وعدد السفن تراجع للنصف تقريبًا إلى 13,213 سفينة، كما هبط المتوسط اليومي للحمولات إلى 36 ألف طن. 

هذا الانحدار الدراماتيكي يعكس تأثيرات متعددة، من اضطرابات الشحن العالمي، إلى التوترات الجيوسياسية، إلى صعود ممرات بديلة مثل الطريق الشمالي عبر القطب.

انهيار في حركة البضائع

بالإضافة إلى تراجع أعداد السفن، سجلت حركة البضائع العابرة للقناة انخفاضًا حادًا بلغ 864.9 مليون طن، بنسبة 65.4%، وقد توزعت الخسائر على البضائع المتجهة شمالًا التي نقصت بمقدار 450.3 مليون طن 78.7%، والبضائع المتجهة جنوبًا التي انخفضت بمقدار 414.6 مليون طن 55.3%. 

هذا التراجع الضخم يؤشر إلى ضعف النشاط التجاري عبر القناة، مع وجود أسباب تتعلق بتباطؤ التجارة العالمية وظهور صراعات أضرت بالممرات الملاحية، وخاصةً البحر الأحمر.

قناة السويس

انخفاض الحمولة الصافية وتراجع القطاعات المختلفة

أما من حيث الحمولة الصافية، فقد سجلت القناة انخفاضًا بنسبة 66.6%، حيث تراجعت من 1,568 مليون طن عام 2023 إلى 524 مليون طن عام 2024. 

جميع أنواع السفن تقريبًا سجلت تراجعًا بنسب متفاوتة، كان أبرزها سفن الحاويات بنسبة 88.6%، وسفن حاملات السيارات بنسبة 90.1%، وسفن الركاب بنسبة 90.9%، ما يدل على أزمة حقيقية تمس مختلف القطاعات المرتبطة بالملاحة البحرية في القناة.

إن قناة السويس، ليست مجرد ممر صناعي يصل بين بحرين، إنها قصة نضال اقتصادي، قصة استثمار محفوف بالمخاطر، قصة تصميم أمة على أن تكون رقمًا صعبًا في معادلة التجارة العالمية.

Short Url

showcase
showcase
search