الأربعاء، 23 أبريل 2025

10:14 ص

سبع رياح للإصلاح.. السيسي نحو إعادة رسم خريطة الاستثمار في مصر

الأحد، 20 أبريل 2025 09:00 م

الاستثمار في مصر

الاستثمار في مصر

كتب/ كريم قنديل

في مشهد يحمل الكثير من الرسائل الاقتصادية والسياسية، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي سبعة توجيهات حاسمة، بدا كأنها خارطة طريق جديدة لتطهير مناخ الأعمال من العراقيل، ووضع الاقتصاد المصري على عتبة مرحلة أكثر مرونة وتنافسية.

الرسائل جاءت واضحة، ومباشرة: استبدال الرسوم التي تتقاضاها الجهات المختلفة بضريبة إضافية موحدة، تقليل زمن الإفراج الجمركي، تبسيط الإجراءات وتخفيف الأعباء المالية، استمرار عمل الخدمات الجمركية بالعطلات الرسمية، إتاحة إمكانية سداد الرسوم بعد انتهاء ساعات العمل بالبنوك، دعم الصناعة الوطنية، وتحفيز التصدير، وتعظيم العائد من أصول الدولة، والأهم: منح القطاع الخاص زمام المبادرة في قيادة قاطرة النمو.

لكن، ماذا تعني هذه التوجيهات فعليًا؟ وهل تمثل تحوّلًا حقيقيًا في فلسفة إدارة الاقتصاد المصري؟ دعونا نفكك المشهد اقتصاديًا.

من التخلي عن الدولة التاجر إلى الدولة المنظمة

أحد أبرز ملامح هذه التوجيهات هو العودة إلى المدرسة الاقتصادية التي تؤمن بأن القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للنمو، وهذا يتجلى بوضوح في التوجيه الأخير، ضرورة أن يكون للقطاع الخاص الدور المحوري في دفع عجلة الاقتصاد وزيادة الصادرات.

في السنوات الأخيرة، طُرحت تساؤلات كثيرة حول مدى قدرة القطاع الخاص على المنافسة في ظل تمدد الدولة في عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية، لكن ما يبدو الآن هو محاولة إعادة رسم الحدود، الدولة تضع السياسات وتنظم، والقطاع الخاص يُنتج ويُصدّر ويوظّف.

الإفراج الجمركي، من 8 أيام إلى 6.. الوقت هو المال

توجيه السيسي بتقليل زمن الإفراج الجمركي من 8 إلى 6 أيام ليس مجرد تحسين لوجيستي، بل هو تحسين مباشر في مناخ الاستثمار، فكل يوم إضافي في الجمارك يعني تكاليف إضافية على المستثمر، وتأخيرًا في سلاسل الإمداد، وفقدانًا للقدرة التنافسية.

وفي ظل عالم تُقاس فيه الكفاءة بالثواني، فإن تقليل الزمن يعني أن مصر تحاول أن تضع نفسها على خريطة الأسواق المرنة، التي تجذب المستثمر بمرونة إجراءاتها لا فقط بحجم سوقها.

الإفراج الجمركي

جمرك يعمل أيام الجمعة؟ استثمار لا يعرف عطلة

التوجيه بعمل الخدمات الجمركية خلال العطلات، مع إمكانية الدفع بعد ساعات العمل البنكي، رسالة واضحة، مصر تعمل بلا توقف لخدمة الاستثمار، هذه ليست مجرد إجراء، بل تحول ثقافي في طريقة فهم الدولة لدورها في خدمة المستثمر، خصوصًا في وقت يتنافس فيه الجميع على كسب ثقة رؤوس الأموال المتنقلة عالميًا.

صناعة وتصدير، مصر تُراهن على نفسها

البرنامج الجديد لرد أعباء الصادرات يعكس توجّهًا متصاعدًا نحو تعزيز الصناعة الوطنية، ليس فقط من خلال الدعم، بل بتحقيق أهداف واضحة حتى 2030، التصدير لم يعد ترفًا، بل ضرورة لبلد يعاني من فجوة مزمنة في الميزان التجاري، ويبحث عن مصادر حقيقية للنقد الأجنبي بعيدًا عن القروض والمعونات.

واللافت أن الحكومة باتت تدرك أهمية تحفيز الصناعات التصديرية، لأن كل دولار تصدير يعني دولارًا يدخل الخزانة دون أعباء ديون.

مصلحة الضرائب المصرية

 

توحيد الرسوم يساوي شفافية ضريبية أكبر

استبدال الرسوم المتناثرة بضريبة موحدة من صافي الربح هو تقدم كبير نحو الوضوح المالي، الرسوم المتعددة كانت تعني عبئًا غير محسوب وغير متوقع للمستثمر، أما الضريبة الموحدة فهي تجعل الأمور واضحة، وتسمح بالتخطيط، والأهم، تقلل من فرص الفساد والتحايل.

في خطوة تعكس سعي الدولة لإعادة هيكلة النظام الضريبي وتعزيز الشفافية، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي باستبدال الرسوم الحكومية المتعددة التي تفرضها الهيئات المختلفة بضريبة موحدة تُحتسب كنسبة من صافي أرباح الشركات. 

هذا التوجه يعكس تحولًا مهمًا في فلسفة التعامل مع بيئة الأعمال، ويستهدف تبسيط الإجراءات أمام المستثمرين، وتخفيف البيروقراطية التي طالما أثقلت كاهل القطاع الخاص، خاصة مع الاتجاه إلى توحيد جهات التحصيل وإنشاء منصة رقمية شاملة للكيانات الاقتصادية.

التحول الضريبي يأتي في وقت تسعى فيه الحكومة لزيادة حصيلتها من الضرائب بنسبة تتجاوز 34% خلال العام المالي 2025-2026، وسط ارتفاع متسارع في إيرادات ضريبة القيمة المضافة. 

ومع تجاوز إجمالي الضرائب المتوقعة خلال العام المالي الجاري حاجز التريليوني جنيه، تتضح ملامح سياسة مالية جديدة تمزج بين تعظيم الإيرادات واستقطاب الاستثمارات، عبر تهيئة مناخ أكثر استقرارًا ووضوحًا، لا سيما في ظل اتجاه الدولة لفرض ضرائب ورسوم حتى على بعض الجهات الاقتصادية السيادية للمرة الأولى.

صندوق مصر السيادي

الأصول الحكومية، من عبء إلى رافعة للنمو

تحرك الدولة نحو تعظيم العائد من أصولها عبر صندوق مصر السيادي وبرنامج الطروحات الحكومية هو خطوة استراتيجية لتوفير تمويلات دون اللجوء للاقتراض، وبناء شراكات حقيقية مع القطاع الخاص.

وهذا هو جوهر الرؤية الجديدة، الدولة لا تتخلى عن أصولها، لكنها تستخدمها بحكمة، لتوليد عوائد، وتحقيق مشاركة أوسع، وتحريك الاقتصاد بأدوات السوق.

منصة الكيانات الاقتصادية، رقمنة وتبسيط

ربما أقل ما يلفت الانتباه لكنه على درجة كبيرة من الأهمية هو ما ذُكر عن منصة الكيانات الاقتصادية وتوحيد جهة التحصيل، هذه أدوات رقمية ستُغير بيئة الأعمال جذريًا، وتقطع الطريق على البيروقراطية، والفساد، والازدواج الضريبي.

هل نحن أمام تحوّل أم تعديل؟

في المجمل، التوجيهات الرئاسية تعكس فهمًا عميقًا للتحديات التي تواجه بيئة الاستثمار في مصر، وتبدو وكأنها رسالة موجهة للمستثمر المحلي، أولًا: نحن جادون في الإصلاح، وللمستثمر الأجنبي ثانيًا: مصر تتحول إلى بيئة أكثر كفاءة واستقرارًا.

لكن التنفيذ هو الفيصل.

فكم من خطة وُضعت على الورق، وظلت هناك؟ وهل ستستطيع الحكومة تحمّل ضغوط التغيير، ومقاومة البيروقراطية؟

الأسابيع والشهور القادمة ستكشف إن كانت هذه التوجيهات رياح تغيير حقيقية، أم مجرد نسيم صيف عابر في طريق طويل من الإصلاح.

Short Url

showcase
showcase
search