مصر والطاقة، اقتصاد تحت الضغط وسباق نحو المستقبل الأخضر

الأحد، 20 أبريل 2025 07:18 م

الطاقة المصرية

تحليل/ كريم قنديل

في عالم تتسارع فيه معدلات النمو، تصبح الطاقة ليست مجرد مورد حيوي بل عاملًا حاسمًا في معادلة البقاء، وفي الدول النامية، حيث تتقاطع التحديات الاقتصادية بالضغوط البيئية، تُلقي مسألة الطاقة بظلالها الثقيلة على كل خطط التنمية.

مصر، إحدى أكبر الدول العربية سكانًا، تجد نفسها اليوم في قلب معركة معقدة، كيف تحافظ على وتيرة النمو الاقتصادي، وتسد احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، دون أن تنزلق إلى فخ الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري أو تهدر فرص الانتقال إلى طاقة نظيفة ومستدامة؟

ارتفاع استهلاك الطاقة، مؤشرات مقلقة

تشهد مصر في السنوات الأخيرة قفزة هائلة في استهلاك الطاقة، نتيجة حتمية للنمو الاقتصادي والزيادة السكانية والتوسع العمراني، إن الطلب على الكهرباء في مصر هو الأسرع نموًا مقارنة بباقي مصادر الطاقة، ويُعزى ذلك إلى عاملين رئيسيين، القطاع المنزلي والقطاع الصناعي، اللذان يشكلان القاطرة الأساسية للاستهلاك.

عالميًا، من المتوقع أن يرتفع استهلاك الطاقة بنسبة 19% بحلول عام 2040، وفقًا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية، هذه النسبة ترتفع بوتيرة أسرع في الدول النامية مثل مصر، التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على مصادر طاقة تقليدية.

الغاز الطبيعي يهيمن.. لكن إلى متى؟

في مصر، يمثّل الغاز الطبيعي حوالي 70% من إجمالي إنتاج الكهرباء، بينما يتم توليد 30% المتبقية من النفط والطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح والمياه. هذا الاعتماد الشديد على الغاز يعكس نقص التنوع في مزيج الطاقة المصري، وهو ما يجعل البلاد عرضة لتقلبات السوق العالمية وأسعار الطاقة.

ومع اقتراب نضوب احتياطيات النفط المحلية، ووجود بنية تحتية متهالكة ونظام نقل غير كافٍ للطاقة، تزداد الحاجة الملحّة لتغيير المسار، فالتوسع في استهلاك الطاقة لا يمكن دعمه على المدى الطويل بنفس الوسائل القديمة.

التغير المناخي والفاتورة البيئية

إن الاعتماد على الوقود الأحفوري لا يهدد فقط الاقتصاد، بل يفاقم أزمة التغير المناخي، كما أن الاحتباس الحراري وتدهور التنوع البيولوجي يرتبطان بشكل مباشر بحرق الوقود الأحفوري، هذا التدهور في البيئة يحمل آثارًا اقتصادية خطيرة، منها انخفاض الإنتاج الزراعي، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وزيادة التكاليف المرتبطة بالكوارث الطبيعية.

رؤية مصر 2030، من الطموح إلى التنفيذ

في محاولة جادة لتغيير هذا المسار، أطلقت الحكومة المصرية استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030 في عام 2015، والتي ترتكز على ثلاثة محاور، النمو الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، والحفاظ على البيئة، أحد أبرز أهداف هذه الرؤية هو الوصول إلى نسبة 50% من الكهرباء المولدة من مصادر طاقة متجددة بحلول عام 2030.

لكن تنفيذ هذا الهدف الطموح يتطلب استثمارات ضخمة، تمويل مشاريع الطاقة المتجددة يشكل تحديًا كبيرًا في ظل محدودية الموارد وارتفاع تكلفة المشروعات الخضراء، وعلى الرغم من التقدم في مشروعات كبرى مثل مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان، إلا أن مصر لا تزال بحاجة إلى توسيع نطاق الاستثمارات، وتحديث البنية التحتية، وتبني سياسات محفزة للقطاع الخاص.

إشكالية التمويل والمعرفة

أحد الإشكالات المحورية في تحليل الاقتصاد المصري في سياق الطاقة هو الاعتماد المفرط على دراسات تعتمد على بيانات عامة وغير مخصصة للسياق المصري، حيث يؤدي ذلك إلى استنتاجات قد تكون مضللة ولا تعكس الخصوصية الوطنية، مما يربك صانع القرار ويؤدي إلى قرارات غير فعّالة.

ما تحتاجه مصر هو تحليل أكثر عمقًا للمحددات الفعلية للنمو الاقتصادي المرتبط بالطاقة، آخذًا في الاعتبار خصوصية السوق المحلي، السلوك الاستهلاكي، والتوزيع الجغرافي للموارد.

الحل الأخضر، فرصة اقتصادية واجتماعية

التحول إلى الطاقة المتجددة لا يعني فقط حماية البيئة، بل فرصة اقتصادية حقيقية، فإن الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة مثل الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي يمكن أن يعزز فرص العمل، ويحفّز النمو الاقتصادي، ويحافظ على النظم البيئية. كذلك، يسهم تنويع مصادر الطاقة في تعزيز أمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي خفض العجز التجاري.

هل تنجح مصر في كسر الحلقة؟

الواقع يقول إن مصر تخوض معركة شرسة على جبهتين، جبهة تأمين طاقة تكفي لاقتصاد ينمو بسرعة، وجبهة الانتقال إلى نموذج طاقوي مستدام لا ينهك البيئة أو الميزانية العامة، النجاح في هذه المعركة لا يتطلب فقط مشاريع عملاقة، بل رؤية شاملة، وإرادة سياسية قوية، وتعاون فعّال بين القطاعين العام والخاص.

إذا استطاعت مصر أن تُحوّل تحديات الطاقة إلى فرص، فإنها لن تضمن فقط مستقبلًا اقتصاديًا أكثر استقرارًا، بل ستصبح نموذجًا يحتذى به في المنطقة بأسرها.

Short Url

أخبار متعلقة