العالم العربي بين مطرقة أوروبا وسندان الصين، هل يفوز التنين في سباق النفوذ الاقتصادي؟
الجمعة، 18 أبريل 2025 05:33 م

التجارة الصينية
كتب / كريم قنديل
في خضم التحولات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة، يقف العالم العربي على مفترق طرق بين القوى الكبرى المتنافسة، أوروبا ذات الجذور التاريخية، والصين الصاعدة كقوة ناعمة شرسة، تُعيد رسم ملامح التبادل التجاري والاستثمار العالمي، خصوصًا في الجنوب العالمي.

فبينما تسعى أوروبا إلى إعادة تموضعها بعد الانفصال عن روسيا طاقويًا، تتحرك بكين بخطى واثقة وذكية لملء الفراغ، ليس فقط في أفريقيا بل في قلب العالم العربي أيضًا.
اللغة، اللوجستيات، والاحترام، وصفة صينية لاختراق الأسواق العربية
بعكس الأسلوب الأوروبي التقليدي الذي غالبًا ما يُغلف بالمشروطيات السياسية، تدخل الصين السوق العربي حاملةً راية المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، هذا الخطاب يتناغم مع المزاج العام في عواصم عربية كثيرة سئمت من سياسات الهيمنة والوصاية.
الصين لم تكتفِ بفتح خطوط التجارة والاستثمار، بل استخدمت أدوات ناعمة ذكية، مثل التعليم والمنح الدراسية، لتعزيز نفوذها، اليوم، هناك آلاف الطلاب العرب يدرسون في الجامعات الصينية، وهو ما يعزز ما يُمكن تسميته بـ الغزو الثقافي الإيجابي، الذي يُمهّد الطريق لفهم أعمق لثقافة الصين واقتصادها، وبالتالي قبول أوسع لمنتجاتها ونموذجها التنموي.
الأسواق العربية: فرص واعدة أم فريسة سائغة؟
تُعاني معظم الدول العربية من ضعف في الصناعات التحويلية وافتقار للبنية التحتية التكنولوجية، ما يجعلها أسواقاً مثالية للبضائع الصينية منخفضة التكلفة، من المغرب إلى الإمارات، ومن الجزائر إلى السعودية، تتوسع الشركات الصينية بهدوء، مستفيدة من منظومة لوجستية متنامية تربط الموانئ، السكك الحديدية، والمناطق الحرة.
على سبيل المثال، تحتل الصين مرتبة الشريك التجاري الأول للعديد من الدول العربية، ففي السعودية، تصدّرت الصين قائمة شركاء التصدير والاستيراد في السنوات الأخيرة، بينما تستقبل الإمارات استثمارات صينية في مشاريع لوجستية ضخمة، مثل موانئ دبي والمناطق الاقتصادية الخاصة.
أما مصر، فتمثل نموذجًا مصغرًا للانفتاح العربي على الصين، خاصة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث تتواجد عشرات المصانع الصينية، ومجمعات صناعية تتوسع بخطط طموحة.

أوروبا في مأزق: الحضور يتآكل والصادرات تتراجع
في الوقت الذي تحاول فيه أوروبا تعزيز علاقتها مع العالم العربي، عبر ملفات الطاقة، خاصة مع الجزائر وقطر والمغرب، تعاني الصادرات الأوروبية من تراجع حاد، بسبب المنافسة الصينية والبرازيلية والآسيوية، فالصادرات الألمانية إلى دول الخليج مثل السعودية والإمارات لم تعد تنمو كما كانت، ما يُنذر بانكماش الدور الأوروبي تدريجيًا.
الاتحاد الأوروبي يُدرك أهمية العالم العربي من زاوية الجوار والمصالح المشتركة، لكنه يفتقر إلى الأدوات السياسية والاقتصادية الجاذبة التي تستخدمها الصين، وفي ظل غياب رؤية أوروبية متكاملة للتكامل مع الدول العربية، تبقى العلاقة محكومة بالطاقات والغاز، دون قفز نوعي نحو الشراكات الاستراتيجية العميقة.
إفريقيا: مختبر التغلغل الصيني ونموذج يمكن تكراره عربيًا
الصين لم تكتفِ بالسوق العربي، بل استخدمت أفريقيا كمسرح عمليات لاختبار استراتيجياتها الاقتصادية والسياسية، بنى الصينيون آلاف الكيلومترات من الطرق، مئات المستشفيات، والمدارس، وأطلقوا مشاريع بنية تحتية ضخمة دون فرض مشروطيات سياسية.
هذا النموذج أثبت فعاليته، وحقق نتائج اقتصادية ملموسة، إذ ارتفع التبادل التجاري مع أفريقيا من مليار دولار في السبعينيات إلى أكثر من 210 مليارات دولار في العقد الماضي.
اليوم، ما تقوم به الصين في أفريقيا من الممكن أن يتكرر في العالم العربي، إذا ما استمرت الفرص متاحة بنفس الوتيرة، وإذا ما بقيت الدول العربية غير قادرة على بناء منظومة إنتاجية متكاملة، فغياب رؤية إقليمية موحدة مثل مشروع تكاملي اقتصادي يشمل مصر، العراق، الإمارات، السعودية، الجزائر والمغرب، ويجعل من كل دولة ساحة مفتوحة أمام التنافس العالمي.

العالم العربي ورقة اقتصادية رابحة
الفرصة لا تزال قائمة، الدول العربية تمتلك عناصر قوة ضخمة، موقع جغرافي محوري، سوق استهلاكية شابة وكبيرة، موارد طبيعية، وعلاقات دولية واسعة، لكن المطلوب اليوم ليس فقط أن تكون هذه الدول أسواقًا أو موانئ عبور، بل أن تتحول إلى مراكز إنتاج وتصنيع ونقل تكنولوجيا.
فهل يستفيق العالم العربي من سباته الصناعي؟ وهل يستطيع أن يحول الصراع بين الصين وأوروبا إلى فرصة اقتصادية استراتيجية؟ أم أنه سيكتفي بدور المتلقي والمستهلك في عصر يتطلب المبادرة والانفتاح الذكي؟
Short Url
بين حرب ترامب التجارية وتكاليف الشحن الجديدة، هل تفقد SHEIN مكانتها في السوق الأمريكي؟
19 أبريل 2025 01:34 م
تحذير من انهيار اقتصادي عالمي، وخبير ينصح باللجوء للأصول الحقيقية كملاذ آمن
19 أبريل 2025 11:59 ص
الدولار ليس بخير، أزمة صامتة تهز الاقتصاد العالمي
17 أبريل 2025 05:44 م


أكثر الكلمات انتشاراً