السبت، 19 أبريل 2025

08:01 ص

مصر واتفاقيات التجارة الحرة.. مفاتيح ذهبية لبوابات الأسواق العالمية

الخميس، 17 أبريل 2025 09:22 ص

الاتفاقيات الدولية

الاتفاقيات الدولية

كتب/ كريم قنديل

في عالم تتسارع فيه خطى العولمة، أصبحت التجارة الحرة هي اللغة المشتركة بين الدول، ومصر بحكم موقعها الجغرافي، وثقلها الاستراتيجي لم تكن بعيدة عن هذا السباق الدولي، بل خاضته بقوة عبر مجموعة من الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف والثنائية، صنعت من خلالها شبكة علاقات اقتصادية عابرة للقارات.

قناة السويس

توفر اتفاقيات التجارة الحرة الوصول إلى 1.5 مليار مستهلك منهم 100 مليون مستهلك في مصر، بالإضافة إلى أنها تربط المستثمرين بالأسواق القائمة والناشئة بنسبة 8% من التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس.

أحلام عربية في سوق موحدة

تبدأ الحكاية من حلم عربي مشترك، اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التي أُطلقت بهدف إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية بين الدول العربية، بدأت في 2001 بتخفيض 20% من الرسوم الجمركية، حتى وصلت إلى الإعفاء التام بحلول 2005. 

لكن الحلم العربي لم يكتمل، بعض الدول مثل موريتانيا، الصومال، جنوب السودان لم تطبق التخفيضات، بينما حصلت فلسطين على امتيازات خاصة من جانب واحد.

ومع ذلك، شكّلت هذه الاتفاقية خطوة مهمة نحو تعميق التعاون العربي، خصوصًا مع التزام الدول بقواعد منشأ دقيقة ونسب تصنيع محلية تصل إلى 40%.

اتفاقية أغادير

اتفاقية أغادير: نحو المتوسط بثقة

في 2004، وقّعت مصر مع الأردن والمغرب وتونس على اتفاقية أغادير، لم تكن مجرد اتفاقية جديدة، بل بداية لطريق يربط الأسواق العربية بالأوروبية، عبر قواعد تراكم المنشأ، مما يمنح المنتجات العربية فرصة دخول الأسواق الأوروبية بميزات تنافسية.

الاتفاقية عالجت ملفات شائكة مثل الدعم والإغراق والملكية الفكرية، ورسّخت آليات لتسوية النزاعات التجارية، لكن الأهم، أنها وجّهت أنظار المستثمرين نحو التكامل الإقليمي العربي المتوسطي، في وقت لا تتجاوز فيه التجارة البينية بين الدول العربية 10%.

كوميسا

كوميسا: بوابة إفريقيا الجنوبية والشرقية

بخطى ثابتة، طرقت مصر أبواب القارة السمراء من خلال عضويتها في السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا)، وابتداءً من عام 2000، تمتعت المنتجات المصرية بإعفاءات جمركية كاملة داخل 21 دولة إفريقية، بشرط استيفاء قواعد منشأ بنسبة مكون محلي لا تقل عن 35%.

في 2009، أعلنت الكوميسا عن اتحاد جمركي، لتخطو نحو حلم السوق الإفريقية المشتركة، وهنا لا يتوقف الأمر عند تحرير التجارة، بل يمتد إلى توحيد السياسات الجمركية بشكل تدريجي.

شراكات أوروبية.. وصفقات رابحة

في المقابل، كانت أوروبا حاضرة بقوة في أجندة مصر الاقتصادية، اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي دخلت حيز التنفيذ في 2004، وهدفت إلى إزالة الحواجز أمام المنتجات الصناعية وتسهيل التجارة الزراعية، الاتفاق توسع لاحقاً في 2010 ليشمل المنتجات الزراعية المُصنّعة والسمكية، تحت مظلة قواعد المنشأ الأورومتوسطية، ساعد ذلك في تحقيق التكامل الاقتصادي من خلال تحرير التجارة.

وفي 2007، وقعت مصر اتفاقية مماثلة مع رابطة التجارة الحرة الأوروبية (إفتا)، والتي تضم دولاً مثل سويسرا والنرويج، هذه الاتفاقية لا توفر فقط إعفاءات جمركية، بل تصاحبها مساعدات فنية واستثمارات مباشرة في قطاعات الزراعة والصيد والنسيج والدواء.

الكويز

الكويز: عبور إلى واشنطن.. عبر تل أبيب

أما أكثر الاتفاقيات إثارة للجدل، فكانت المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)، التي وقعتها مصر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بموجبها، تحصل المنتجات المصنعة في مناطق معينة داخل مصر على إعفاءات جمركية كاملة عند دخولها إلى السوق الأمريكية، بشرط وجود مكون إسرائيلي في المنتج.

يُسمَح للشركات المنشأة داخل هذه المناطق الدخول إلى الأسواق الأمريكية بدون رسوم جمركية شريطة استيفائها لقواعد المنشأ المتفق عليها والمحددة مسبقًا، وتتنوع مزايا الكويز في مصر، وتعتبر ميزة سهولة الوصول إلى الأسواق الأمريكية بدون حصص محددة هي الأكثر أهمية، فضلاً عن إلغاء الحواجز الجمركية وغير الجمركية.

ومن المزايا الأخرى لهذه الاتفاقية، انخفاض التكلفة، وتوفير فرص عمل كثيرة، وبفضل المزايا الإضافية التي توفرها الاتفاقيات التجارية المبرمة مع الأسواق الأخرى، تعتبر مصر من أنسب الدول التي تقدم مزايا اقتصادية لا تحصى للصناعات الموجودة داخل هذه المناطق.

وما زال الأثر الاقتصادي الإيجابي للكويز حتى الآن هو السعي المستمر لكل من المستثمرين الأجانب والشركات المصرية على حد سواء من أجل التواجد داخل هذه المناطق، وتأهيل استثماراتهم لزيادة قدرتها على المنافسة وحجم أرباحها

ورغم الانتقادات، فإن الواقع يشير إلى استفادة ملحوظة في جذب الاستثمارات، وتوفير فرص عمل، وفتح أبواب السوق الأمريكي دون قيود أو حصص.

مصر وتركيا

أنقرة والميركوسور: جنوبًا نحو أمريكا اللاتينية

توسعت مصر باتجاه الجنوب أيضًا، ففي 2010، وقّعت اتفاقية تجارة حرة مع دول الميركوسور (البرازيل، الأرجنتين، أوروجواي، باراجواي)، لتكون أول دولة عربية تخترق هذا التكتل الضخم في أمريكا الجنوبية، الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ في 2017، وبدأت منذ ذلك الحين في إزالة الرسوم تدريجيًا على معظم السلع، باستثناء عدد محدود من المنتجات الحساسة.

هدف الاتفاقية العمل على تقليص التعريفات الجمركية بأكثر من 90% بين مصر ودول الميركسور، وكذلك تحرير البضائع الزراعية من الجمارك مع وجود حلول لقضايا قواعد المنشأ والضمانات التفضيلية والتعاون في مجالات الاستثمار والخدمات وغيرها.

إلى جانب فتح أسواق جديدة وواعدة أمام الصادرات المصرية، كما تتيح في الوقت نفسه وضعًا تنافسيًا أفضل لهذه الصادرات، خاصة في أسواق الأرجنتين والبرازيل اللتان تُعدان من أهم القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم.

الصادرات المصرية

تأمين وضمان حصول مصر على احتياجاتها من المواد الغذائية على المدى البعيد بأسعار أفضل، وزيادة ثقة المستثمرين بأمريكا اللاتينية في مصر وبالتالي زيادة الاستثمارات في المشروعات المشتركة.

والعمل على تعميق التعاون الاقتصادي بين دول الجنوب من جانب، ومن جانب آخر، تفتح بين قارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث ترتبط مصر باتفاق التجارة الحرة مع معظم الدول الإفريقية أعضاء تجمع الكوميسا وكذلك مع الدول العربية.

أما مع تركيا، فقد حررت الاتفاقية 2007 كافة السلع الصناعية بين الجانبين، وأعطت للمنتجات الزراعية امتيازات تفضيلية، في إطار سعي مشترك لتعزيز التجارة الثنائية، وجذب الاستثمارات، والوصول المشترك إلى أسواق أوروبا.

ومنح الصادرات المصرية لبعض المنتجات إعفاء كامل من الرسم الجمركي على المكون الصناعي وتخفيض 15% من الرسم الجمركي على المكون الزراعي، منح الواردات المصرية المعاملة التفضيلية لبعض المنتجات في إطار حصة جمركية.

الخريطة الاقتصادية

خريطة اقتصادية متعددة الأبعاد

تبدو السياسة التجارية المصرية كأنها نسيج متعدد الألوان، خيوط عربية، إفريقية، أوروبية، أميركية جنوبية، وشرق أوسطية، كلها تتشابك في استراتيجية واحدة هدفها تعظيم الفرص الاقتصادية، وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية.

هذه الاتفاقيات لا تعني فقط تخفيض رسوم جمركية، بل تعني سلاسل قيمة جديدة، استثمارات أجنبية مباشرة، ونقل تكنولوجيا وخبرات، لكن يبقى التحدي الحقيقي هو تحقيق أقصى استفادة منها، من خلال دعم الصناعة المحلية، وتطوير قواعد المنشأ، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية.

فالخريطة مرسومة، والطرق مفتوحة… فهل تستثمر مصر كل هذه الأبواب؟ أم تبقى بعض الاتفاقيات حبيسة الأدراج والأحلام؟

Short Url

search