“الديكوباج” رحلة فن القص واللصق من الصين إلى مصر والعالم

يعد فن الديكوباج (Découpage)، أحد الفنون الزخرفية القديمة التي تعتمد على تزيين الأسطح المختلفة بقص ولصق الورق أو القماش، ثم دمجها وتغليفها بطبقات من الطلاء أو الورنيش؛ لإعطائها مظهرًا فنيًا فريدًا، وعلى الرغم من أنه أصبح شائعًا في أوروبا خلال العصور الوسطى وعصر النهضة، إلا أن جذوره تعود إلى الصين القديمة.

البدايات في الصين

بدأ فن الديكوباج في الصين في القرن الثاني عشر، حيث استخدمه الحرفيون في تزيين الفوانيس الورقية، النوافذ، والصناديق، وكانت التقنية تعتمد وقتها على قص الورق المزخرف بدقة ولصقه على الأسطح المختلفة، ثم تغطيته بطبقات من الطلاء للحماية وإبراز التفاصيل، وقد ارتبط هذا الفن بفنون الورق الصينية، التي ازدهرت بعد اختراع الورق في القرن الثاني قبل الميلاد.

الانتقال إلى أوروبا عبر طريق الحرير

مع توسع طرق التجارة، انتقل فن الديكوباج إلى الشرق الأوسط وأوروبا، وخاصة عبر طريق الحرير، حيث وصل إلى إيطاليا في القرن السابع عشر، وقتها بدأ الحرفيون الإيطاليون في تطويره وتحويله إلى شكل أكثر تعقيدًا، مستخدمين الأوراق المزخرفة والمذهبة لتزيين الأثاث والصناديق الخشبية، وكان يُعرف آنذاك بـ "فن الفقراء"، وكان يُستخدم كبديلٍ اقتصاديٍ للنقوش والزخارف الفاخرة، التي كانت تزين القصور والمنازل الأرستقراطية.

الازدهار في فرنسا وإنجلترا

وفي القرن الثامن عشر، ازدهر الديكوباج في فرنسا، خاصة في بلاط الملك لويس الخامس عشر، حيث بدأ يُستخدم لتزيين الجدران والأثاث بأشكال فنية رائعة، ففي إنجلترا، انتشر بين الطبقات الأرستقراطية وأصبح جزءًا من الحرف اليدوية التي تمارسها السيدات في المنازل، حيث كنّ يقمن بقص الصور من المجلات والكتب، ولصقها على الأثاث والإكسسوارات المنزلية.

ظهور الديكوباج في مصر

وفي مصر، تأثر فن الديكوباج بالفنون الزخرفية التقليدية، مثل الأرابيسك والتطعيم بالصدف، لكنه لم ينتشر على نطاق واسع كفنٍ مستقلٍ إلا في العقود الأخيرة، ومع انفتاح السوق المصرية على الفنون العالمية في القرن العشرين، بدأ الفنانون والهواة المصريون في تبني تقنيات ذلك الفن، واستخدامها في تزيين الأثاث والإكسسوارات المنزلية، وقد شهدت هذه الحرفة، تطورًا كبيرًا مع انتشار الورق المزخرف المستورد ومواد الطلاء الحديثة، ما جعلها خيارًا شائعًا لتجديد الديكورات بأسعار معقولة.

اليوم، أصبح الديكوباج جزءًا من المشهد الفني المصري، حيث يُستخدم في المشروعات الحرفية الصغيرة وفي الدورات التدريبية، التي تُقام في مراكز الفنون، كما أن العديد من الفنانين المصريين، يدمجون تقنياته مع عناصر من الفن الإسلامي والفرعوني، ما يخلق تصاميم فريدة تجمع بين التراث والحداثة.

الانتشار العالمي والتطور الحديث

ومع بداية القرن العشرين، استمر الديكوباج في التطور بفضل التقنيات الحديثة للورنيش والطلاء، ما ساعد في حفظ الأعمال الفنية وإضفاء مظهرٍ أكثرَ احترافية عليها، واليوم يُستخدم عالميًا في تزيين الأثاث، والأدوات المنزلية، وحتى اللوحات الفنية، مع ظهور أنماط حديثة مثل:- (الديكوباج ثلاثي الأبعاد  - الديكوباج الرقمي).

بهذا، يظل الديكوباج فنًا عالميًا تطور عبر العصور والثقافات، ليصبح اليوم وسيلة إبداعية شائعة في مصر والعالم، تعكس مزيجًا فريدًا من التراث والتجديد.