«الصين» من محرك الطلب إلى لغز سوق النفط العالمي
الثلاثاء، 01 أبريل 2025 09:00 م

الصين والنفط
تحليل/ عبد الرحمن عيسى
يمثل سوق النفط أحد الركائز الأساسية للاقتصاد العالمي، ويشهد تغييرات مستمرة نتيجة للتطورات الاقتصادية والجيوسياسية والتقنية.
وفي هذا السياق، تلعب الصين دورًا محوريًا باعتبارها أكبر مستورد للنفط في العالم، حيث يشكل طلب الصين على النفط، نقطة محورية في ديناميكيات السوق، كما يساهم بشكل كبير في تحديد الأسعار، وتوجهات العرض والطلب على المستوى العالمي.
ومع ذلك، يمر الاقتصاد الصيني حاليًا بمرحلة تحول تشبه إلى حد كبير تلك التي شهدتها اليابان في أواخر القرن العشرين، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل هذا الطلب، وآثاره على سوق النفط العالمي.

الصين.. من القوة الاقتصادية إلى أكبر مستورد للنفط
وأدى صعود الاقتصاد الصيني منذ بداية القرن العشرين، إلى زيادة كبيرة في استهلاكها من النفط، حيث شهدت الصين نموًا هائلًا في طلبها على الطاقة بشكل عام والنفط بشكل خاص.
وفي عام 2024م، بلغ استهلاك الصين من النفط نحو 11 مليون برميل يوميًا، مع انخفاض طفيف بنسبة 240 ألف برميل مقارنة بالعام السابق، ورغم هذا الانخفاض، يظل استهلاك النفط في الصين، يشكل نحو 28% من احتياجاتها من النفط، في حين أن إنتاجها المحلي لا يغطي سوى جزءٍ صغيرٍ من استهلاكها.
ويُعزى هذا التفاوت إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين، خاصة في قطاع الإنشاءات والعقارات، الذي يعاني منذ سنوات من التباطؤ.
ورغم هذا الانخفاض المؤقت في الاستهلاك، تتوقع شركة "سانيبوك" الصينية، أن يستمر نمو استهلاك النفط في الصين، حتى عام 2027م، وهو ما ينعكس على دورها الاستراتيجي كمستورد رئيسي للنفط، خاصة من السعودية.
التشابه مع تجربة اليابان.. بداية التباطؤ في النمو
يشير البعض إلى أن الاقتصاد الصيني يمر بمرحلة مشابهة لما شهدته اليابان في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وفي ذلك الوقت، وصل الاقتصاد الياباني إلى ذروة النمو الصناعي، ومع انهيار السوق العقاري في عام 1989م، بدأ تراجع الاستهلاك النفطي في اليابان تدريجيًا.
ورغم تراجع النمو الاقتصادي، استمر استهلاك النفط في اليابان حتى عام 1996م، حيث وصل إلى 5.7 ملايين برميل يوميًا.
بعدها بدأ الاستهلاك في الانخفاض إلى 3.4 ملايين برميل في عام 2023م، في ظل تحسينات مستمرة في كفاءة الطاقة وتقنيات التحول إلى مصادر طاقة متجددة.
ومع أن هذه المقارنات قد تبدو مغرية، إلا أن التغيرات التقنية والجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم حاليًا، قد تجعل من هذه المقارنة أقل دقة، بينما بدأ التحول الاقتصادي في البلد الأسيوي في ظل تقنيات أقل تطورًا، فيما أن الصين اليوم تشهد تغيرات تقنية أسرع وأكثر تأثيرًا، بما في ذلك التطور الكبير في قطاع السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.

التحديات المستقبلية لاستهلاك النفط في الصين
إن التوقعات حول انخفاض استهلاك النفط في الصين، قد تكون غير دقيقة في الوقت الحالي، ففي حين تشير بعض التقارير إلى أن استهلاك الصين من وقود السيارات قد ينخفض بنحو 25 : 40% خلال العقد المقبل، إلا أن هذه التوقعات، تقتصر على قطاع واحد فقط من استهلاك الطاقة.
وفي الواقع، يتوقع أن يظل الطلب على النفط في الصين مرتفعًا لفترة طويلة نظرًا لتوجهات جديدة في الطلب، مثل الطلب المتزايد على البتروكيماويات، إضافة إلى توسع قطاع الصناعات الثقيلة.
كما أن توجه الصين نحو السيارات الكهربائية، قد يكون له تأثير كبير على تقليل الطلب على وقود السيارات، ولكن هذا التغيير سيكون تدريجيًا، ولن يتسبب في تراجع مفاجئ في استهلاك النفط.
وتشير التوقعات إلى أن هذا التراجع في استهلاك النفط، سيكون بطيئًا، على غرار التجارب التي مر بها كل من اليابان وأمريكا.
العوامل الجيوسياسية والتقنية وأثرها على سوق النفط
ويتأثر سوق النفط بشكل كبير بالعوامل الجيوسياسية، حيث إن أي تحول في السياسة أو في موازين القوى بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، يمكن أن يؤدي إلى تقلبات في الأسعار.
وفي ظل التوترات الجيوسياسية المستمرة، من المتوقع أن تظل الصين تواصل تعزيز استيرادها من النفط، خاصة من المملكة العربية السعودية، في محاولة لتلبية احتياجاتها الصناعية والاقتصادية.
من جهة أخرى، تتسارع التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة في التأثير على أنماط استهلاك الطاقة، وبالرغم من ذلك، يظل النفط مصدرًا حيويًا للطاقة في العالم.
وفي الصين على وجه الخصوص، تواصل الصناعات الكبرى استخدام النفط كمصدر رئيسي للطاقة، لتلبية الطلب على السلع والمنتجات الكيميائية، التي تعتمد على البتروكيماويات.

مستقبل الطلب على النفط: تحديات واستراتيجيات
إن توقعات الطلب على النفط في الصين، تظل غامضة بعض الشيء، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والتقنية السريعة.
ومع ذلك، يبقى النفط أحد الموارد الأساسية التي تحتاج إليها الصين، لتحقيق نموها الصناعي والاقتصادي، وستظل المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الكبرى المنتجة للنفط تلعب دورًا رئيسيًا في تزويد الصين بالموارد اللازمة.
إلى جانب ذلك، تظل الأسعار النفطية مرهونة بعدة عوامل مثل العرض والطلب، إضافة إلى التأثيرات الجيوسياسية والتحولات التقنية التي قد تشهدها الصين وبقية الاقتصادات الكبرى.
ختامًا: تبقى الصين القوة الاقتصادية الأكبر في مجال استهلاك النفط، ورغم التحديات التي تواجهها في الوقت الحالي، فإن دورها كمستورد رئيسي للنفط، سيظل مهمًا في السنوات القادمة.
وبالنظر إلى التحولات التي يشهدها الاقتصاد العالمي والتقدم التكنولوجي، من الصعب التنبؤ بشكل دقيق بمستقبل استهلاك النفط في الصين.
ومع ذلك، يظل النفط أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر في استقرار السوق العالمي، وتستمر الصين في لعب دور أساسي في هذه المعادلة.
Short Url
الصمغ العربي في الطب البديل، فوائد صحية واستخدامات طبيعية
02 أبريل 2025 08:37 م
«تقلبات وأزمات» كيف تواجه أسواق الطاقة العالمية تحديات 2025؟
02 أبريل 2025 07:32 م
«قياس النمو الاقتصادي» هل حان الوقت لإعادة النظر في الناتج المحلي الإجمالي؟
02 أبريل 2025 07:03 م


أكثر الكلمات انتشاراً