الذهب الأبيض في قبضة الصراعات، تحوّل السمسم إلى وقود للحرب بمنطقة القرن الإفريقي
الخميس، 20 مارس 2025 01:53 م

الصراع الأفريقي
تحليل/كريم قنديل
في قلب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تعصف بمنطقة القرن الإفريقي، تحول السمسم من محصول زراعي استراتيجي إلى سلعة صراعية تلعب دورًا محوريًا في تمويل الحروب الأهلية وتغذية الصراعات المسلحة، خاصة في السودان وإثيوبيا، وبينما تُقدّر قيمة سوق بذور السمسم عالميًا بحوالي 7.7 مليار دولار أمريكي في 2024، وتشهد توقعات نمو سنوية تتجاوز 2.3% حتى عام 2034، فإن هذا المحصول بات اليوم ركيزة أساسية في اقتصاد الحرب، وليس فقط في التجارة العالمية للسلع الغذائية.

السودان.. السمسم كمصدر لتمويل الحرب
يُعد السودان واحدًا من أكبر منتجي السمسم في العالم، حيث يأتي بعد الذهب مباشرة كأحد أهم السلع التصديرية للبلاد، إلى جانب الثروة الحيوانية، غير أن موقع هذا المحصول في الاقتصاد السوداني تجاوز الأرقام والإحصاءات، ليصبح أحد أدوات الصراع بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، سعت قوات الجيش إلى السيطرة على المناطق المنتجة للسمسم، لا سيما في ولاية القضارف، التي تمثل 30% من إجمالي إنتاج السودان من هذا المحصول، لتأمين موارد مالية تدعم جهودها الحربية. في المقابل، كثفت قوات الدعم السريع عملياتها الهجومية للاستيلاء على المناطق الزراعية الحيوية، مثل ولاية سنار، بهدف تحقيق اكتفاء ذاتي مالي واستراتيجي في ظل صعوبة تلقيها مساعدات خارجية بسبب سيطرة الجيش على موانئ البحر الأحمر.

اللافت أن الحرب لم تعرقل صادرات السودان من السمسم، بل ارتفعت بنسبة 2% في 2023 مقارنة بالفترة التي سبقت الصراع، ما يعكس مدى أهمية المحصول في تمويل آلة الحرب، سواء عبر تصديره إلى الأسواق العالمية أو استخدامه كوسيلة للمقايضة مع الحلفاء، وتشير التقارير إلى أن تركيا، التي تعد من أبرز مستوردي السمسم السوداني، كانت وجهة رئيسية لهذه التجارة، حيث أبرمت القوات المسلحة السودانية صفقات أسلحة وطائرات بدون طيار تركية الصنع، ما يُسلط الضوء على دور السلع الزراعية في دعم استدامة الصراعات.
الاقتصاد السياسي للصراع في غرب تيجراي
تمثل منطقة غرب تيجراي محور النزاع، حيث استولت قوات أمهرة على الأراضي الزراعية التي كانت تحت سيطرة التيجراي لعقود. واستغلت أمهرة الفرصة لفرض حكومة مؤقتة، مما سمح لها بالاستفادة من العوائد الاقتصادية للمحصول، الذي تحول إلى أداة للنفوذ السياسي والاقتصادي، أدى هذا التحول إلى عمليات تهجير واسعة لسكان تيجراي، الذين تم استبدالهم بالسكان الأمهريين، مع تقديم الحكومة حوافز لاستقرارهم في المنطقة.

الطلب العالمي على السمسم زاد من تعقيد الصراع، حيث وجدت الحكومة الإثيوبية في تصديره وسيلة لتعزيز الاقتصاد وسط الحرب، معتمدة على أسواق رئيسية مثل إسرائيل والإمارات، اللتين لعبتا دورًا مزدوجًا في دعم أديس أبابا اقتصاديًا وعسكريًا. في المقابل، أصبحت الأرباح الناتجة عن السمسم عاملاً رئيسيًا في استمرار الحرب، ما يعني أن الصراع لم يكن فقط على الأرض، بل أيضًا على الموارد وعوائدها المالية.
إثيوبيا.. صراع تيجراي وأمهرة على الذهب الأبيض
على الجانب الآخر من الحدود، تواجه إثيوبيا معركة أخرى حول السمسم، إذ تحتل البلاد المرتبة الثانية عالميًا بعد الهند في صادرات السمسم، ويمثل هذا المحصول عنصرًا محوريًا في اقتصادها الزراعي، حيث يأتي في المرتبة الثانية بعد القهوة من حيث الإيرادات الأجنبية، قبل اندلاع الحرب الأهلية الإثيوبية في نوفمبر 2020، كانت ولاية تيجراي تساهم بنحو 31% من صادرات البلاد من السمسم، بينما كانت ولاية أمهرة تستحوذ على 44%، وهو ما جعل هذا المحصول عاملًا مؤثرًا في الحسابات العسكرية لكلا الطرفين.

بعد اندلاع الصراع، تحولت الأراضي الزراعية الخصبة في غرب تيجراي إلى ساحة قتال، مع مساعي قوات أمهرة إلى بسط نفوذها على هذه المناطق نظرًا لأهميتها الاقتصادية، أدى ذلك إلى تراجع إنتاج إثيوبيا من السمسم بشكل ملحوظ، حيث تعطلت سلاسل الإمداد وانهارت البنية التحتية الزراعية في بعض المناطق، مما أدى إلى زيادة أسعار السمسم عالميًا بسبب انخفاض المعروض الإثيوبي.
التنافس الإقليمي.. السودان يدخل على الخط
لم يقتصر النزاع على حدود إثيوبيا الداخلية، بل امتد إلى الصراع الحدودي مع السودان في منطقة الفشقة، التي تُعد إحدى أغنى المناطق الزراعية، وتضم أكثر من 243 ألف هكتار من الأراضي الخصبة المزروعة بالسمسم. رغم أن المنطقة تقع داخل الحدود السودانية، إلا أن المزارعين الإثيوبيين ظلوا يستغلونها لعقود، مستفيدين من شراكات مع ملاك الأراضي السودانيين.
مع اندلاع الحرب في تيجراي، وجدت الخرطوم فرصة سانحة لتعزيز نفوذها الإقليمي، فقامت القوات المسلحة السودانية بالسيطرة على أكثر من 90% من الفشقة، مما أدى إلى طرد المزارعين الإثيوبيين وإعادة توجيه الفوائد الاقتصادية إلى السودان. في الوقت ذاته، قامت الخرطوم بتطوير البنية التحتية وبناء الجسور لتعزيز سيطرتها على المنطقة، في خطوة زادت من التوتر بين البلدين، خاصة مع اتهام إثيوبيا للسودان بدعم قوات تيجراي بالأسلحة والمأوى.

الاقتصاد السياسي للسمسم.. سلعة زراعية أم أداة حرب؟
تكشف هذه الديناميكيات أن السمسم لم يعد مجرد محصول زراعي يُستخدم في الصناعات الغذائية العالمية، بل أصبح جزءًا من الاقتصاد السياسي للحرب في منطقة القرن الأفريقي، وبينما يُفترض أن توفر المحاصيل الزراعية وسائل للنمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش، باتت أرباحها تُستخدم في تمويل المليشيات المسلحة، وشراء الأسلحة، وإطالة أمد الصراعات الداخلية.
في ظل استمرار هذه النزاعات، من المتوقع أن تؤثر التحولات السياسية والأمنية في السودان وإثيوبيا على إمدادات السوق العالمية للسمسم، مما قد يؤدي إلى تقلبات في الأسعار، لا سيما مع تزايد الطلب العالمي. في الوقت ذاته، تبرز الحاجة إلى سياسات زراعية أكثر استدامة وإجراءات رقابية لمنع استخدام عائدات المحاصيل في تمويل النزاعات، وإعادة السمسم إلى دوره الطبيعي كمورد اقتصادي داعم للتنمية، بدلًا من أن يكون وقودًا لحروب لا تنتهي.
Short Url
«تمديد الإعفاء» أمريكا تحمي إمدادات الغاز التركية من العقوبات الروسية
20 مارس 2025 06:41 م
سياسة «التصنيع الرشيق» استراتيجية مبتكرة لتحسين الجودة وتقليص التكاليف
20 مارس 2025 05:16 م
استراتيجيات استثمارية فعالة لتحقيق عوائد مستدامة 2025
20 مارس 2025 04:06 م


أكثر الكلمات انتشاراً