مستقبل مشرق.. لماذا أصبحت مصر وجهة استثمارية رائدة في الطاقة الشمسية؟

الخميس، 20 مارس 2025 12:36 م

الطاقة الشمسية

تحليل/كريم قنديل

تسير مصر بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر استدامة، حيث أصبح قطاع الطاقة الشمسية أحد الركائز الأساسية في استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة 2035 التي وضعتها الحكومة، رغم التأثير السلبي لجائحة كوفيد-19 على المشاريع الجارية، إلا أن السوق تعافى سريعًا وعاد لمستويات ما قبل الجائحة، مدفوعًا بسياسات حكومية داعمة وتراجع أسعار الألواح الشمسية عالميًا.

مشروعات ضخمة تدفع السوق إلى الأمام

كشف تقرير mordorintelligence، الطاقة الشمسية في مصر، توافر مساحات شاسعة من الصحراء وإشعاع شمسي يتجاوز 2000 كيلوواط/ساعة لكل كيلوواط مركب سنويًا، تتمتع مصر بإمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية، وقد انعكس ذلك في إطلاق مشاريع ضخمة، أبرزها مجمع بنبان للطاقة الشمسية بقدرة 1.4 جيجاواط، والذي يُعد أحد أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم.

هيمنة التكنولوجيا المتصلة بالشبكة (On-Grid)

شهدت مصر توسعًا كبيرًا في المشروعات المرتبطة بالشبكة الكهربائية، بفضل جهود هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة (NREA) التي تعمل بالتعاون مع مشروع Egypt-PV لدعم وتصميم وتنفيذ الأنظمة الشمسية الصغيرة. وقد حصل 150 مشروعًا تجريبيًا في قطاعات الصناعة، التعليم، السياحة، والسكن على دعم فني ومالي، مما أدى إلى توفير 14.8 جيجاواط/ساعة سنويًا من الطاقة الكهربائية.

رؤية 2035.. نحو اقتصاد طاقي مستدام

تضع استراتيجية الطاقة 2035 أهدافًا طموحة، حيث تسعى مصر إلى توليد 42% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2035، منها 21.3% من الطاقة الشمسية، وقد ارتفعت القدرة الإنتاجية من 15 ميجاواط فقط عام 2012 إلى 1,655 ميجاواط في 2021، وهو ما يعكس النمو السريع في السوق.

سياسات حكومية داعمة

تواصل مصر تعزيز مكانتها كأحد اللاعبين الرئيسيين في سوق الطاقة الشمسية العالمية، مستفيدة من دعم حكومي غير مسبوق وحزمة من الحوافز والتشريعات التي تهدف إلى تسريع التحول نحو الطاقة النظيفة، من خلال الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة، تستهدف مصر رفع حصة الطاقة المتجددة إلى 20% بحلول 2022، على أن تصل إلى 42% بحلول 2035، مما يضع البلاد على طريق الاستدامة الطاقية ويحفز الاستثمارات المحلية والأجنبية في هذا القطاع الواعد.

تشريعات محفزة تدفع عجلة الاستثمار

لم تكتفِ الحكومة المصرية بإطلاق أهداف طموحة، بل قامت أيضًا بتحديث سياساتها بشكل مستمر لمواكبة تطورات السوق. في مارس 2022، أقرت جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك (Egyptera) حزمة جديدة من الحوافز لمطوري مشاريع الطاقة الشمسية، أبرزها:

إلغاء الحد الأقصى لكمية الطاقة الشمسية التي يمكن أن تنتجها الشركات الخاصة ضمن نظام صافي القياس (Net Metering)، بعدما كان محدودًا بـ 1.5% فقط من القدرة القصوى لشبكات التوزيع.
رفع الحد الأقصى لقدرة المشاريع المؤهلة لنظام صافي القياس من 300 ميجاواط إلى 1 جيجاواط، مما يمنح المطورين مساحة أكبر للنمو والتوسع.
زيادة الحد الأدنى لسعة المشروعات التي تدفع رسوم التكامل مع الشبكة من 500 كيلوواط إلى 1 ميجاواط، مما يعزز من جدوى المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
فرض رسوم تكامل على المشاريع التي تزيد قدرتها على 1 ميجاواط لدعم تكاليف ربطها بالشبكة القومية، حيث تتراوح الرسوم بين 0.257-0.329 جنيه مصري لكل كيلوواط/ساعة.

شركات الطاقة الشمسية العالمية وسط استثمارات ضخمة

يشهد قطاع الطاقة الشمسية في مصر تنافسًا محتدمًا بين الشركات العالمية والمحلية، في ظل بيئة استثمارية جاذبة وحوافز حكومية تشجع على التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة. ويتميز السوق المصري بتركيز معتدل، حيث تسيطر عليه عدد من الشركات الكبرى، من بينها Canadian Solar Inc. وJinkoSolar Holding Co. Ltd. وACWA Power Co.، إضافة إلى Masdar الإماراتية وCairo Solar المصرية.

اتفاقيات كبرى تعزز الاستثمارات في السوق المصري

"أمارينكو" الأيرلندية تدخل السوق المصري بشراكة استراتيجية

في فبراير 2022، أعلنت شركة Amarenco الأيرلندية عن توقيع اتفاقية شراكة مع SolarizEgypt المصرية، بهدف تطوير محفظة مشاريع طاقة شمسية بقدرة 300 ميجاواط لخدمة القطاعين التجاري والصناعي في مصر.

تشمل الاتفاقية استحواذ Amarenco على 74% من أصول SolarizEgypt الحالية، والتي تضم 50 ميجاواط من مشروعات الطاقة الشمسية، مع ضخ استثمارات تصل إلى 255 مليون دولار على مدى الأربع سنوات المقبلة. هذا الاستثمار يعكس ثقة المستثمرين الأجانب في جدوى السوق المصري للطاقة الشمسية، وقدرته على تحقيق عوائد مستدامة.

مشروع ضخم في البحر الأحمر بقيادة "أوراسكوم" و"SolarizEgypt"

في نفس الشهر، وقعت شركة Makadi Heights، المملوكة لمجموعة أوراسكوم للتنمية، عقدًا مع SolarizEgypt لتطوير محطة طاقة شمسية بقدرة 1.5 ميجاواط لخدمة مدينة متكاملة في منطقة البحر الأحمر.

المشروع، الذي سيتم تطويره وفقًا لنظام "البناء والتشغيل ثم النقل" (BOT)، يأتي في إطار اتفاقية شراء طاقة لمدة 25 عامًا، وتبلغ قيمة الاستثمار الإجمالي فيه نحو 11.5 مليون دولار، ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل التجاري خلال الربع الأول من 2023.

مستقبل مشرق لسوق الطاقة الشمسية في مصر

تشير هذه الاستثمارات الضخمة إلى تزايد اهتمام الشركات العالمية بالسوق المصري، الذي أصبح واحدًا من أسرع الأسواق نموًا في المنطقة. ومع استمرار الحوافز الحكومية، وتحسن الإطار التنظيمي، وتزايد الطلب على الطاقة النظيفة، يبدو أن مصر في طريقها لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة الشمسية خلال السنوات المقبلة.

نموذج مصر-PV.. قصة نجاح في دعم المشروعات الصغيرة

لم يكن الدعم الحكومي مقتصرًا على المشروعات الضخمة فحسب، بل امتد ليشمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر المشروع الوطني لأنظمة الطاقة الشمسية المتصلة بالشبكة (Egypt-PV)، الذي تديره هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة (NREA) بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومرفق البيئة العالمي (GEF).

ساهم المشروع في تقديم الدعم الفني والمالي لنحو 150 مشروعًا تجريبيًا في قطاعات مختلفة مثل الصناعة، التعليم، السياحة، والتجارة، مما أسفر عن توفير 14.8 جيجاواط/ساعة سنويًا من الطاقة، واستثمارات تجاوزت 140 مليون جنيه مصري، منها 19 مليون جنيه منح غير مستردة لدعم هذه المبادرات.

تحديث السياسات مفتاح النمو المستقبلي

ما يميز السوق المصري للطاقة الشمسية هو القدرة على التكيف مع المتغيرات العالمية، حيث تقوم الجهات التنظيمية بإجراء مراجعات دورية للسياسات بناءً على ظروف السوق، هذا النهج المرن يعزز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في قدرة مصر على أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة المتجددة خلال السنوات القادمة.

مع استمرار الدعم الحكومي، وازدياد الطلب على الطاقة النظيفة، وتوسع المشاريع الكبرى والصغيرة على حد سواء، فإن مستقبل الطاقة الشمسية في مصر يبدو مشرقًا أكثر من أي وقت مضى، مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في التحول الطاقي بمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

رغم هذا التقدم، يواجه السوق تحديات أبرزها ضعف القدرة التصنيعية المحلية للألواح الشمسية والاعتماد على الاستيراد، مما يجعله عرضة لاضطرابات سلاسل التوريد العالمية. ومع ذلك، فإن التوسع في المشروعات الصغيرة، الدعم الحكومي، والاستثمارات الأجنبية يخلق فرصًا جديدة لتحفيز النمو المحلي وتعزيز الاستقلالية في هذا القطاع الحيوي.

مصر على أعتاب تحول طاقي جديد

مع استمرار التوسع في المشروعات الشمسية والتزام الحكومة بزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، تبدو مصر في طريقها لتصبح رائدًا إقليميًا في مجال الطاقة النظيفة، التحدي الأكبر سيكون في تعزيز التصنيع المحلي ودعم الابتكار التكنولوجي لضمان استدامة النمو وتقليل التبعية الخارجية، مما يجعل التحول الطاقي المصري قصة نجاح حقيقية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

Short Url

أخبار متعلقة