الجمعة، 21 مارس 2025

12:22 ص

الليرة تواصل النزيف، هل تواجه تركيا أزمة اقتصادية طاحنة بسبب الاضطرابات السياسية؟

الخميس، 20 مارس 2025 11:25 ص

الليرة التركية

الليرة التركية

كتب/كريم قنديل

شهدت الليرة التركية انهيارًا جديدًا، إذ تراجعت بأكثر من 12% مسجلة 42 ليرة للدولار، وذلك عقب اعتقال السلطات التركية لأكرم إمام أوغلو، المنافس السياسي الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان، وما تشهده البلاد من مظاهرات اعتراضا على قرار الاعتقال، هذا التراجع الحاد يأتي في سياق أزمة سياسية متفاقمة تلقي بظلالها على المشهد الاقتصادي، حيث تعكس الأسواق حالة من القلق وعدم اليقين بشأن مستقبل الاستقرار السياسي في البلاد.

أكرم إمام أوغلو وأردوغان

سياسات القمع وتداعياتها الاقتصادية

منذ إعلان خبر الاعتقال، تأثرت البورصة التركية سريعًا، ما دفع بورصة إسطنبول إلى وقف التداول مؤقتًا بعد انخفاض المؤشر الرئيسي بنسبة 6.87% في التعاملات المبكرة، هذه الخطوة تعكس مدى هشاشة السوق التركي أمام الأزمات السياسية، لا سيما أن المستثمرين المحليين، الذين يشكلون 62.5% من السوق، يميلون إلى ردود فعل حادة على التطورات الداخلية.

بالإضافة إلى ذلك، شهدت السندات الحكومية التركية لأجل 10 سنوات ارتفاعًا في العوائد، مما يعكس ازدياد المخاطر على الاقتصاد التركي، ومن المعروف أن ارتفاع العوائد يعني تراجع ثقة المستثمرين، ما يؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض للحكومة ويضغط على المالية العامة للبلاد.

الليرة التركية في دوامة الهبوط

سجلت الليرة التركية مستوى قياسي من التراجع، حيث انخفضت إلى 29.7 ليرة مقابل الدولار، مواصلة سلسلة خسائرها المتسارعة منذ أواخر عام 2023، يأتي هذا التراجع ضمن مسار هبوطي حاد أنهى العام الماضي بخسارة بلغت 37% من قيمة العملة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل السياسة النقدية التركية ومدى فعاليتها في كبح التضخم واستعادة الثقة بالاقتصاد.

الليرة التركية مقابل الدولار

تحولات جذرية في السياسة النقدية 2023

شهدت تركيا تحولًا كبيرًا في استراتيجيتها الاقتصادية منذ فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية جديدة في مايو 2023، إذ تخلت الحكومة عن نهجها غير التقليدي القائم على أسعار الفائدة المنخفضة، والذي كان أحد العوامل الرئيسية وراء تدهور قيمة الليرة في السنوات الأخيرة.

مع تعيين حفيظة غاية أركان على رأس البنك المركزي، بدأ نهج جديد يعتمد على التشديد النقدي، حيث تم رفع أسعار الفائدة بمقدار 3150 نقطة أساس في محاولة لكبح التضخم، الذي بلغ 61.5% في سبتمبر الماضي، ومع ذلك لم تؤت هذه السياسات ثمارها، حيث استمرت الليرة في التراجع، مشيرًا إلى أن الأسواق لا زالت قلقة بشأن فعالية هذه الإجراءات في استعادة الاستقرار المالي.

التضخم والفوائد.. معركة مفتوحة في 2024

رفع أسعار الفائدة كان خطوة ضرورية للسيطرة على التضخم، لكنه يأتي بتكلفة مرتفعة، حيث يضغط على الشركات والمستهلكين من خلال زيادة تكاليف الاقتراض، ومع استمرار ارتفاع معدلات التضخم خلال 2024، بقي السؤال الأهم: هل ستتمكن تركيا من تحقيق التوازن بين محاربة التضخم ودعم النمو الاقتصادي؟

الليرة التركية تنهي 2024 بأقل خسائر سنوية منذ أربع سنوات

اختتمت الليرة التركية عام 2024 بتراجع سنوي بلغ 16.5% مقابل الدولار الأميركي، مسجلة أقل انخفاض سنوي لها منذ 2020، جاء هذا الأداء نتيجة جهود البنك المركزي في تعزيز القيمة الحقيقية للعملة، عبر سياسات نقدية صارمة استهدفت الحد من تأثير تراجع الليرة على التضخم، وتوقعات بخفض الرسوم الجمركية الأمريكية، وعلى الرغم من استمرار الضغوط الاقتصادية، فقد شهدت الليرة استقرارًا نسبيًا مقارنة بالاضطرابات الحادة التي تعرضت لها خلال السنوات السابقة، مدعومة بجاذبية الأصول المقومة بالليرة للمستثمرين.

الليرة التركية

اتبعت السلطات التركية استراتيجية تقييد خسائر العملة مقابل التضخم، ما ساهم في رفع سعر الصرف الحقيقي إلى أعلى مستوى له منذ فبراير 2021، وأكد البنك المركزي أن استمرار تباطؤ التضخم سيحافظ على جاذبية الأصول التركية، ما يعزز فرص تحقيق مزيد من الاستقرار في العام المقبل.

تضخم تركيا يتراجع وسط إشارات إلى سياسة نقدية أكثر مرونة في 2025

شهد التضخم السنوي في تركيا تراجعًا خلال ديسمبر 2024، لكنه جاء بوتيرة أقل من توقعات البنك المركزي، حيث انخفض إلى 45.2% مقارنة بـ 47.1% في الشهر السابق، وفقًا لاستطلاعات المحللين، هذا التباطؤ عكس تأثير السياسة النقدية المتشددة التي انتهجها البنك المركزي على مدار العام، بعدما رفع أسعار الفائدة إلى 50% في محاولة للحد من التضخم وكبح جماح الطلب.

ورغم هذه الإجراءات الصارمة، فاجأ البنك المركزي الأسواق في نهاية العام بخفض مفاجئ للفائدة بمقدار 250 نقطة أساس، في خطوة فُسرت على أنها بداية تحول نحو نهج أكثر مرونة خلال 2025، لا سيما مع تحسن مؤشرات التضخم في قطاع الخدمات واستقرار الأسعار الشهرية.

هذا التوجه أثار ردود فعل متباينة، إذ رأى البعض فيه دفعة لتنشيط النمو الاقتصادي، بينما حذر آخرون من أنه قد يقوض جهود السيطرة على التضخم مستقبلاً، وزادت هذه المخاوف بعد تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان التي ألمح فيها إلى استمرار خفض الفائدة خلال 2025، ما أعاد إلى الأذهان السياسات النقدية المثيرة للجدل التي تسببت في تراجع الثقة بالأسواق سابقًا، ومع ترقب المحللين للبيانات الاقتصادية المقبلة، بقيت الأنظار مشدودة نحو السياسة النقدية التركية، التي باتت تمثل عامل الحسم في تحديد مسار الأسواق والتضخم خلال العام الجديد.

أكرم إمام أوغلو منافس أردوغان

اعتقال منافس أردوغان 

ألقى اعتقال أكرم إمام أوغلو بظلاله الثقيلة على الاقتصاد التركي، حيث هوت الليرة التركية إلى مستوى قياسي جديد مسجلة 42 ليرة للدولار، في تراجع حاد بنسبة 12%، مما يعكس حالة القلق العميق لدى المستثمرين إزاء مستقبل الاستقرار السياسي في البلاد، ويبدو أن الأسواق لم تتفاعل مع الحدث كمجرد تطور سياسي داخلي، بل كإشارة إلى تصعيد غير مسبوق قد يهدد سيادة القانون ويقوض ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في الاقتصاد التركي. 

ومع تزايد التوترات السياسية، شهدت بورصة إسطنبول اضطرابات كبيرة، واضطر المؤشر الرئيسي للتداولات إلى التوقف مؤقتًا بعد خسائر تجاوزت 6.8% في الجلسة الافتتاحية، هذا التراجع في الأسواق يأتي في وقت حساس للغاية، حيث تكافح الحكومة التركية بالفعل للسيطرة على التضخم المرتفع واستعادة الاستقرار النقدي بعد سلسلة من الإصلاحات النقدية الصارمة. 

ومع ذلك، فإن تصاعد عدم اليقين السياسي قد يجعل جهود البنك المركزي في كبح التضخم واستقرار الليرة أكثر تعقيدًا، خاصة مع تزايد احتمالات نزوح رؤوس الأموال الأجنبية وتراجع الاستثمارات المباشرة، وإذا استمر هذا المسار التصاعدي في التوترات، فقد تجد تركيا نفسها في مواجهة أزمة اقتصادية جديدة، حيث لا يمكن فصل السياسة عن الأسواق، لا سيما في اقتصاد ناشئ يعتمد بشكل كبير على ثقة المستثمرين.

العملة التركية

السياسة تضغط على الاقتصاد.. مخاوف المستثمرين تتفاقم

لطالما كان الاقتصاد التركي شديد التأثر بالتقلبات السياسية، ولكن الأحداث الأخيرة تسلط الضوء على هشاشة الوضع الحالي، اعتقال إمام أوغلو، بالإضافة إلى أكثر من 100 شخصية معارضة، أشعل موجة من عدم اليقين، مما دفع المستثمرين إلى التخلي عن الليرة التركية وتحويل أصولهم إلى ملاذات أكثر أمانًا.

وفي محاولة لاحتواء الضرر، صرّح وزير المالية محمد شيمشك بأن "الحكومة ستتخذ كل ما هو ضروري للحفاظ على الأداء الصحي للأسواق"، إلا أن الإجراءات السياسية الأخيرة تثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على استعادة ثقة المستثمرين المحليين والدوليين.

هل يتكرر سيناريو الأزمات السابقة؟

تعيد التطورات الأخيرة إلى الأذهان أزمات سابقة مثل الإنقلاب الفاشل عام 2016 وأزمة الليرة عام 2018، حيث أظهرت التجارب أن الليرة يمكن أن تفقد حتى 30% من قيمتها في أوقات الاضطرابات السياسية الكبرى. ومع توجه تركيا نحو انتخابات رئاسية مستقبلية، يبدو أن البلاد مقبلة على فترة طويلة من عدم الاستقرار، وهو ما قد ينعكس على أداء الاقتصاد بشكل أكثر حدة.

سياسات نقدية على المحك.. هل تلجأ تركيا إلى إجراءات استثنائية؟

في ظل التدهور المستمر لقيمة الليرة، تبرز تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة التركية ستتخذ تدابير استثنائية مثل إلغاء الأصفار من العملة أو التدخل المباشر في الأسواق المالية، ومن المحتمل أيضًا أن يضطر البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل كبير، وهو ما قد يؤدي إلى تهدئة الأسواق على المدى القصير لكنه سيضغط بشدة على النمو الاقتصادي ويزيد من تكلفة الاقتراض.

البورصة التركية

الاحتجاجات والرقابة: المزيد من القيود يزيد من الضغوط الاقتصادية

بالتوازي مع الانخفاض الحاد في الليرة، فرضت السلطات التركية حظرًا لمدة أربعة أيام على الاحتجاجات في إسطنبول، كما أفادت تقارير بأن الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي قد تعرض لتباطؤ شديد، هذه الخطوات قد تزيد من حدة التوترات الداخلية، وهو ما قد يدفع المستثمرين إلى مزيد من الحذر، خصوصًا في ظل استمرار التقارير الدولية التي تحذر من تراجع استقلال القضاء وزيادة النزعة الاستبدادية في تركيا.

لماذا تستمر الليرة في الهبوط؟

رغم التحول في السياسة النقدية، لا تزال هناك عدة عوامل تضغط على الليرة التركية:

  1. الإرث الاقتصادي السابق: أدى الإصرار على خفض أسعار الفائدة لسنوات طويلة إلى تفاقم التضخم وهروب المستثمرين الأجانب، مما جعل من الصعب إعادة بناء الثقة سريعًا حتى مع تشديد السياسة النقدية.
  2. الضغوط التضخمية: ارتفاع الأسعار لا يزال مشكلة رئيسية، حيث تواصل تكلفة المعيشة في تركيا الارتفاع، ما يجعل رفع أسعار الفائدة غير كافٍ وحده لاستعادة الاستقرار النقدي.
  3. تراجع الاحتياطات الأجنبية: رغم تحسن وضع الاحتياطات بعض الشيء، لا يزال البنك المركزي يعاني من ضغوط في دعم الليرة، خاصة مع الحاجة إلى استمرار التدخلات في السوق.
  4. مخاوف المستثمرين: يبقى المستثمرون الأجانب مترددين في العودة بقوة إلى السوق التركية، وسط مخاوف من تغيرات مفاجئة في السياسة الاقتصادية أو تدخلات حكومية قد تعرقل جهود الإصلاح.
الليرة والاقتصاد التركي

مستقبل الليرة والاقتصاد التركي

في ظل هذه التطورات، يواجه الاقتصاد التركي تحديات خطيرة، خاصة في ظل ضعف ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، ويطرح هذا المشهد تساؤلات مهمة حول قدرة الحكومة التركية على احتواء الأزمة ومنع تفاقم الانكماش الاقتصادي.

ما يزيد الوضع تعقيدًا هو احتمال تكرار سيناريوهات سابقة، مثل لجوء تركيا إلى سياسات نقدية استثنائية، كإلغاء الأصفار من العملة أو التدخل المباشر في السوق لدعم الليرة، كما أن البنك المركزي التركي قد يضطر إلى رفع أسعار الفائدة بشكل حاد، وهو خيار قد يكون مكلفًا على المدى الطويل.

في ظل استمرار التوترات السياسية، يبدو أن الليرة التركية مقبلة على فترة من التقلبات الحادة، حيث يبقى السوق رهينة للقرارات السياسية أكثر من العوامل الاقتصادية البحتة. فهل تستطيع الحكومة استعادة الثقة واحتواء الأزمة، أم أن الليرة ستواصل هبوطها نحو مستويات أكثر خطورة؟

Short Url

showcase
showcase
search