«تحت أعين التنين» هل تعتزم أمريكا تحدي نفوذ الصين في بنما؟
الأحد، 16 مارس 2025 01:15 م

CK Hutchison Holdings
تحليل/ عبد الرحمن عيسى
في خطوة مثيرة للجدل، صعّدت الصين من انتقاداتها لصفقة استحواذ أميركية محتملة على موانئ بنما، وهي صفقة تم الإعلان عنها من قبل شركة "سي كيه هوتشيسون هولدينغز" (CK Hutchison Holdings) مع تحالف يقوده عملاق الاستثمار الأميركي "بلاك روك".
هذه الصفقة التي تشمل بيع حصة في موانئ تقع بالقرب من قناة بنما الحيوية، أُثارت ردود فعل قوية في الصين، حيث اعتبرت السلطات الصينية أن الصفقة تمثل تهديدًا للأمن الوطني ولمصالح البلاد الاستراتيجية.
في هذا التحليل، سنناقش الخلفية السياسية والاقتصادية للصفقة، تأثيراتها المحتملة على العلاقات الصينية الأميركية، والمخاوف التي أثارتها هذه الصفقة داخل الصين.

أسباب تصعيد الصين لانتقاداتها
تأتي انتقادات الصين الشديدة لصفقة استحواذ "بلاك روك" على موانئ بنما ضمن سياق واسع من المخاوف السياسية والاقتصادية.
أولًا، يُعتبر استحواذ القوى الأميركية على موانئ رئيسية في منطقة استراتيجية مثل بنما بمثابة تهديد للمصالح الصينية في منطقة أميركا اللاتينية، حيث كانت الصين قد استثمرت بشكل كبير في البنية التحتية والموانئ عبر مشاريع "الحزام والطريق".
ثانيًا، تُثار تساؤلات في الصين حول ما إذا كانت الصفقة تخدم مصالح أميركية خفية قد تكون ذات طابع سياسي أكثر من طابع تجاري.
كما تركز الانتقادات الصينية على المخاوف بشأن تحويل ملكية الموانئ إلى كيانات أميركية قد تؤثر على حركة التجارة الصينية عبر قناة بنما، التي تعد أحد الممرات البحرية الحيوية للتجارة بين المحيطين الأطلسي والهادئ.
ربط المقال الصيني بين هذه الصفقة وبين مخاطر تمكين القوى الأميركية من السيطرة على هذا الممر الإستراتيجي، وهو ما يعكس مخاوف الصين من أن تكون هذه الصفقة جزءًا من لعبة سياسية أوسع في المنطقة.

الردود الصينية ومقال صحيفة “تا كونغ باو”
في خطوة لافتة، نشرت الصين مقالًا نقديًا في صحيفة "تا كونغ باو"، التي تُعد أحد المنابر الإعلامية التي تدعم سياسات الحكومة الصينية، يتضمن تساؤلات حول نوايا الشركات المعنية في الصفقة.
أشار المقال إلى أن هذه الصفقة تمثل نوعًا من "الخيانة" من قبل "سي كيه هوتشيسون"، حيث اعتُبرت خطوة الشركة المملوكة من قبل الملياردير لي كا شينغ بمثابة تمهيد للهيمنة الأميركية على بنما، وهو ما يثير غضب الشارع الصيني.
وقد استخدم المقال أسلوبًا حادًا في التعبير عن مشاعر الاستياء، حيث اعتبر أن هذه الصفقة قد تؤدي إلى ضرر للمصالح الصينية على المدى الطويل، مع التشكيك في دافعها الاقتصادي النظيف.
كذلك، انتقد المقال المواقف التجارية التي تدعي أنها محض تجارية بينما قد تكون في الواقع مرتبطة بحسابات سياسية معقدة.
الآثار الاقتصادية والسياسية للصفقة
على الرغم من أن الصفقة تقتصر على بيع الأصول خارج الصين، فإن تفاعل السلطات الصينية معها يعكس عمق العلاقة بين الاقتصاد والسياسة في الصين، وكيف أن أي خطوة تجارية قد تنطوي على تبعات سياسية بعيدة المدى.
بالنسبة لـ"سي كيه هوتشيسون"، فإن الصفقة التي تتضمن بيع موانئ في 23 دولة حول العالم تعتبر خطوة استراتيجية لزيادة سيولة الشركة، حيث يُتوقع أن تحقق الصفقة أكثر من 19 مليار دولار من العائدات النقدية.
لكن الموقف الذي اتخذته الصين يتجاوز مجرد اعتراض على صفقة تجارية، ليعكس شعورًا بالقلق حيال ما قد ينتج عن هذه الصفقة من تحولات في موازين القوة الاقتصادية في منطقة أميركا اللاتينية.
يُعتبر هذا التحول في ملكية الموانئ جزءًا من التنافس الأوسع بين الصين والولايات المتحدة في مناطق حيوية حول العالم، ولا سيما في المناطق التي ترتبط بها المصالح الاقتصادية الصينية بشكل وثيق.

الضغوط التي تواجه “سي كيه هوتشيسون”
كانت صفقة البيع جزءًا من خطة "سي كيه هوتشيسون" لتقليص حصتها في موانئ العالم، والتي تُعد جزءًا من استراتيجيتها لتقليل التعرض للمخاطر الخارجية.
ومع ذلك، تسببت الضغوط الصينية في حدوث انخفاض كبير في قيمة أسهم الشركة بنسبة 6.4%، وهو أكبر انخفاض لها منذ عام 2020.
ويُظهر هذا التراجع في أسهم الشركة حجم التأثير السياسي الذي قد ينجم عن تدخل الحكومة الصينية في صفقات الشركات الكبرى، ما يضيف ضغوطًا إضافية على المديرين التنفيذيين لهذه الشركات في ظل التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين.
الآفاق المستقبلية للعلاقات الصينية الأميركية
تأتي هذه الصفقة في وقت حساس بالنسبة للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة، حيث يزداد التوتر بين الطرفين على خلفية قضايا متعددة، منها التجارة والتكنولوجيا والأمن القومي.
يعتبر القطاع البحري والقدرة على التحكم في الممرات البحرية أحد النقاط الإستراتيجية التي تسعى كل من الصين والولايات المتحدة لتحقيق السيطرة عليها.
تُظهر هذه الصفقة كيف أن المنافسة بين الدول الكبرى يمكن أن تمتد لتشمل الصفقات التجارية على مستوى الشركات، حيث يمكن لقرار تجاري بسيط أن يكون له تبعات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وبالتالي، فإن تصعيد الصين لانتقاداتها لهذه الصفقة يعكس ما هو أبعد من اعتراض على صفقة تجارية بل هو جزء من صراع طويل الأمد بين الدول الكبرى على النفوذ في المناطق الإستراتيجية.
التحديات المستقبلية لشركة “سي كيه هوتشيسون”
في حال استمرت الضغوط الصينية ضد الصفقة، فإن شركة "سي كيه هوتشيسون" قد تواجه تحديات قانونية وتنظيمية قد تؤثر على إتمام الصفقة أو تؤدي إلى تعطيل خططها المستقبلية.
كما إن هذه الضغوط قد تؤدي إلى تراجع الثقة في أسواق المال الصينية، مما يزيد من تعقيد استراتيجيات الشركات الدولية التي ترغب في العمل في بيئة تجارية مشحونة بالضغوط السياسية.
ختامًا: تُعد صفقة "سي كيه هوتشيسون" مع "بلاك روك" واحدة من أكبر عمليات الاستحواذ لهذا العام، ولكنها أيضًا تمثل نقطة تحول في العلاقات الصينية الأميركية.
تبرز الصفقة كيف أن أي تحركات تجارية في مناطق حيوية مثل بنما يمكن أن تكون ذات أبعاد سياسية معقدة، ومع تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة، فإن مثل هذه الصفقات لن تقتصر فقط على كونها استراتيجيات تجارية، بل ستصبح جزءًا من الجدل المستمر بين القوى العالمية.
Short Url
الصناعات الإبداعية في عصر الذكاء الاصطناعي، بين الفرص والتحديات
16 مارس 2025 04:38 م
من الركود إلى الازدهار، هل تنجح خطة الصين في تحويل دفة الاقتصاد؟
16 مارس 2025 03:43 م
«2% تضخم» السعودية تنجح في كبح جماح الأسعار في فبراير رغم التحديات
16 مارس 2025 02:51 م


أكثر الكلمات انتشاراً