الخميس، 13 مارس 2025

01:13 م

«قمة ريكيافيك» لحظة حاسمة في الحرب الباردة، هل كانت فرصة ضائعة للسلام؟

الخميس، 13 مارس 2025 10:00 ص

ميخائيل غورباتشوف

ميخائيل غورباتشوف

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

 تولى ميخائيل غورباتشوف في عام 1985، قيادة الاتحاد السوفيتي خلفًا لقسطنطين تشيرنينكو، وهو التغيير الذي شكّل نقطة تحول حاسمة في السياسة السوفيتية. 

فقد أدخل غورباتشوف إصلاحات جذرية في السياسة والاقتصاد السوفيتي، معتمدًا على سياسة "البيريسترويكا" و"الغلاسنوست"، التي هدفت إلى إصلاح النظام السوفيتي والانفتاح على الغرب.

وقد سعى في سياق هذه التغيرات إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت في خضم فترة الحرب الباردة. 

وفي قلب هذه المحاولات للتحسين العلاقات، جاءت قمة ريكيافيك في عام 1986، التي تمثل واحدة من اللحظات الحاسمة التي كادت أن تقود إلى اتفاق تاريخي لإزالة الأسلحة النووية، ولكنها انتهت في النهاية بالفشل.

الاتحاد السوفيتي

بداية مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية السوفيتية

عند وصول غورباتشوف إلى السلطة في الاتحاد السوفيتي، كانت الحرب الباردة قد وصلت إلى ذروتها، وكان التنافس العسكري بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة قد وصل إلى مستوى خطير، مع انطلاق سباق التسلح النووي الذي هدد الأمن العالمي. 

ورغم تزايد حدة التوتر، أظهر غورباتشوف رغبة في التخفيف من حدة هذا التوتر، حيث وضع في أولويات سياسته الخارجية الحد من الأسلحة النووية والبالستية. 

وفي المقابل، كانت الولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس رونالد ريغن ترفض هذه المبادرة، حيث أصر ريغن على تعزيز الدفاعات الاستراتيجية عبر برنامجه المعروف بـ"حرب النجوم" والذي كان يهدف إلى تطوير أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ.

لكن، وعلى الرغم من هذا الخلاف الأساسي، شهدت العلاقات السوفيتية الأمريكية تحسنًا كبيرًا خلال فترة حكم غورباتشوف. 

وكانت قمة ريكيافيك في عام 1986 هي الأبرز في سلسلة اللقاءات بين الطرفين، حيث كان الهدف الرئيس من هذه القمة هو التوصل إلى اتفاق حول الحد من الأسلحة النووية.

قمة ريكيافيك والتوترات والفرص الضائعة

انعقدت قمة ريكيافيك في 11 و12 أكتوبر 1986 في العاصمة الأيسلندية، وكان الهدف من اللقاء جمع غورباتشوف وريغن من أجل التفاوض بشأن قضايا الأمن النووي العالمي. 

أحد القضايا الأكثر إثارة للجدل كان الأسلحة النووية المتوسطة المدى، وهي الصواريخ التي تمتلك القدرة على ضرب أهداف على مسافات تتراوح بين 500 إلى 5,500 كيلومتر. 

وفي الوقت الذي كان الاتحاد السوفيتي يسعى جاهدًا للحد من الأسلحة النووية في أوروبا، كان الرئيس الأمريكي ريغن يسعى لتحقيق المزيد من الحماية العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها عبر منظومة دفاعية متقدمة.

وعلى الرغم من الخلافات العميقة بين الطرفين، أظهر كل من ريغن وغورباتشوف استعدادًا للتوصل إلى اتفاق يمكن أن يؤدي إلى إزالة الأسلحة النووية. 

أبدى غورباتشوف استعدادًا لإزالة 50% من الأسلحة الاستراتيجية السوفيتية، بما في ذلك الأسلحة الباليستية بعيدة المدى والصواريخ العابرة للقارات، كما عرض السوفييت إزالة الأسلحة النووية المتوسطة المدى المنتشرة في أوروبا.

من جانب آخر، اقترح ريغن إزالة جميع الأسلحة الباليستية خلال فترة لا تتجاوز عشر سنوات، بينما كان يصر على الاحتفاظ بحق نشر دفاعات استراتيجية في المستقبل ضد التهديدات المتبقية. 

ولكن الخلاف الذي حال دون التوصل إلى اتفاق كان متعلقًا بمسألة "الأبحاث والمختبرات" التي كان غورباتشوف يرغب في تحديدها لمدة عشر سنوات، في حين أصر ريغن على ألا تكون هناك أي قيود على الأبحاث المستقبلية في هذا المجال.

رونالد ريغن وميخائيل غورباتشوف

خلاف حول الأبحاث والمختبرات

تعد قضية الأبحاث والمختبرات أحد أهم النقاط الخلافية التي تعكس مدى التوتر بين الجانبين، ففي الوقت الذي كان الاتحاد السوفيتي يسعى إلى فرض قيود على الأبحاث العسكرية المتعلقة بالصواريخ النووية.

وكان ريغن يعارض هذه القيود، مشيرًا إلى أن مثل هذه القوانين ستحد من قدرة الولايات المتحدة على تطوير دفاعات استراتيجية متقدمة.

على الرغم من التقدم الملحوظ الذي تحقق خلال القمة في جوانب أخرى من الاتفاق، فإن هذا الخلاف حول الأبحاث والمختبرات النووية ألقى بظلاله على المحادثات، مما أدى إلى انهيارها. 

الصورة الشهيرة التي أظهرت ريغن مغادرًا منزل هوفدي في ريكيافيك غاضبًا، كانت بمثابة علامة على الفشل الكبير في المحادثات، حيث كانت المفاوضات قد فشلت في التوصل إلى اتفاق حول إزالة الأسلحة النووية.

أمل ضائع وفرص جديدة

على الرغم من فشل قمة ريكيافيك في التوصل إلى اتفاق نهائي حول إزالة الأسلحة النووية، إلا أن هذه المحادثات كانت بمثابة خطوة هامة نحو تخفيف التوتر بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. 

لقد ساهمت القمة في فتح الطريق للتفاوض المستقبلي الذي أدى في عام 1987 إلى توقيع اتفاقية الأسلحة النووية المتوسطة المدى (INF Treaty) بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. 

اتفاقية INF كانت أول معاهدة تعهدت فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بتدمير جميع الصواريخ النووية المتوسطة المدى المنتشرة في أوروبا.

إذًا، رغم فشل قمة ريكيافيك في تحقيق اختراق حقيقي، فقد أسفرت عن تحقيق تقدم مهم في مسار المفاوضات النووية بين البلدين، وأرست الأساس لاتفاقية كان لها تأثير بالغ في الحد من الأسلحة النووية.

اتفاقية الصواريخ النووية متوسطة المدى

ختامًا: قمة ريكيافيك 1986 تظل أحد أبرز اللحظات التاريخية في العلاقات الأميركية السوفيتية. على الرغم من الخلافات الحادة والمناقشات الصعبة التي شابت المفاوضات، فإن هذه القمة أظهرت رغبة حقيقية من الجانبين في تقليص التهديدات النووية العالمية. 

ورغم إن المفاوضات فشلت في تحقيق أهدافها المباشرة، فإنها أسفرت عن تقدم ملموس في المحادثات المستقبلية وأسهمت في تشكيل إطار اتفاقيات لاحقة كانت قد حسّنت من الأوضاع الأمنية على مستوى العالم.

Short Url

search