الأربعاء، 12 مارس 2025

11:25 ص

«صناعة الأمونيا الخضراء» الخليج تغير قواعد اللعبة في سوق الطاقة العالمي

الأربعاء، 12 مارس 2025 12:10 ص

الأمونيا الخضراء

الأمونيا الخضراء

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

شهد العالم في القرن العشرين تقدمًا هائلًا في صناعة الأسمدة الكيميائية، والتي أدت إلى تغييرات جذرية في قطاع الزراعة وزيادة كبيرة في الإنتاج الغذائي على مستوى العالم.

ومن أبرز تلك الأسمدة هو سماد الأمونيا الذي يُستخدم بشكل واسع في الزراعة لزيادة الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل، ولكن على الرغم من فوائد الأمونيا في العملية الزراعية، إلا أن صناعتها التقليدية تتسبب في انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، ما يشكل تهديدًا بيئيًا كبيرًا. 

في هذا السياق، ظهرت فكرة "الأمونيا الخضراء" كحل مبتكر وصديق للبيئة، مما أدى إلى تزايد الاهتمام العالمي بإنتاجها.

تُعد منطقة الخليج العربي إحدى أبرز المناطق المرشحة للمنافسة في إنتاج الأمونيا الخضراء، نظرًا للعديد من العوامل التي تتوافر فيها، بدءًا من الموارد الطبيعية الهائلة وصولًا إلى القدرة الاستثمارية الكبيرة.

وفي هذا التحليل، سيتم تناول الإمكانيات الاقتصادية، التقنية، والبيئية التي تتمتع بها منطقة الخليج في هذا القطاع، مع مقارنة أوضاعها بأوروبا وأسواقها الرئيسية.

تاريخ صناعة الأمونيا وتطورها

بدأت صناعة الأمونيا في القرن التاسع عشر حين اعتمدت أوروبا على فضلات الطيور من مستعمراتها المنتشرة في أمريكا اللاتينية، وذلك لاستخلاص الأمونيا واستخدامها كسماد طبيعي.

ومع تطور الصناعة وازدياد الطلب على الأسمدة، بدأ الكيميائي الألماني كارل بوش في عام 1909 بتطوير طريقة لتصنيع الأمونيا صناعيًا باستخدام غاز الميثان (طريقة هابر-بوش). 

واستمرت هذه الطريقة في الهيمنة على صناعة الأمونيا طوال القرن العشرين، وهي ما ساعد على زيادة الإنتاج الزراعي في مختلف أنحاء العالم، إلا أن هذه الطريقة التقليدية تؤدي إلى انبعاثات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون، حيث يمثل إنتاج الأمونيا حوالي 2% من انبعاثات الكربون العالمية.

الأمونيا الخضراء - تعريفها وإمكاناتها

الأمونيا الخضراء هي شكل من أشكال الأمونيا يتم إنتاجه باستخدام الهيدروجين المستخرج من الماء عبر عملية التحليل الكهربائي باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية.

يعد إنتاج الأمونيا الخضراء بديلًا بيئيًا للأمونيا التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، ويتميز هذا النوع من الإنتاج بقدرته على تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير.

توقعات نمو سوق الأمونيا الخضراء تشير إلى ازدهار كبير في السنوات القادمة، حيث من المتوقع أن يرتفع من نحو 300 مليون دولار أمريكي في عام 2024 إلى أكثر من 6 مليارات دولار بحلول عام 2030. 

ويعتبر هذا النمو محركًا رئيسيًا للتوجه نحو تقنيات أكثر استدامة في القطاعات الزراعية والصناعية والطاقة.

التحديات الاقتصادية والتقنية

رغم الإمكانات الكبيرة التي تحملها الأمونيا الخضراء، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعوق توسعها على نطاق واسع. 

أهم هذه التحديات هو التكلفة العالية لعملية الإنتاج. في أوروبا، على سبيل المثال، يبلغ متوسط تكلفة إنتاج الطن الواحد من الأمونيا الخضراء نحو 740 يورو، وهو ما يفوق بكثير تكلفة إنتاج الأمونيا التقليدية التي تقدر بحوالي 480 يورو للطن. 

هذا الفارق الكبير في التكلفة يجعل من الأمونيا الخضراء خيارًا غير مجدٍ اقتصاديًا في الوقت الحالي للعديد من الدول والشركات.

إضافة إلى ذلك، فإن البنية التحتية الحالية لقطاع صناعة الأسمدة قد تم تصميمها لإنتاج الأمونيا التقليدية، ما يتطلب استثمارات ضخمة لتحديث هذه المنشآت لتناسب عملية الإنتاج الجديدة. 

ومع ذلك، يتوقع أن تنخفض تكاليف الإنتاج بشكل كبير مع التقدم التكنولوجي والتحسينات المستمرة في تقنيات التحليل الكهربائي والطاقة المتجددة.

إمكانيات كبيرة لتطوير الأمونيا الخضراء

تعد دول الخليج العربي من أبرز المناطق التي تمتلك القدرة على أن تكون منافسًا رئيسيًا لأوروبا في إنتاج الأمونيا الخضراء. يعود ذلك إلى عدد من العوامل:

1- القدرة الاستثمارية الكبيرة: دول الخليج تمتلك قدرات مالية هائلة بفضل العوائد النفطية الكبيرة، ما يمنحها القدرة على الاستثمار في مشاريع ضخمة لتطوير تكنولوجيا الأمونيا الخضراء.

2- الموارد الطبيعية: المنطقة تمتلك مصادر كبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهما المصدرين الرئيسيين للهيدروجين الأخضر الذي يعد العنصر الأساسي في إنتاج الأمونيا الخضراء، كما إن الظروف المناخية في المنطقة مثالية لتوليد الطاقة الشمسية.

3- البنية التحتية المتطورة: دول الخليج بدأت بالفعل في تطوير مشاريع كبيرة للطاقة المتجددة، ما يسهل عليها التوسع في إنتاج الأمونيا الخضراء.

4- التوجه الحكومي نحو الاستدامة: الحكومات الخليجية أظهرت اهتمامًا بالغًا بالتحول نحو الطاقة المستدامة، حيث أطلقت بعض الدول مثل الإمارات والسعودية مشاريع ضخمة لإنتاج الأمونيا الخضراء. 

على سبيل المثال، الإمارات أطلقت مشروعًا بتكلفة مليار دولار في 2021، بينما أعلنت السعودية عن مشروع أكبر بكثير بميزانية تتجاوز خمسة أضعاف مشروع الإمارات.

مقارنة مع أوروبا

من المتوقع أن تظل أوروبا أكبر سوق للأمونيا الخضراء، خاصة بفضل توافر مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية. 

ومع ذلك، فإن التحديات الاقتصادية التي تواجهها أوروبا قد تعرقل تسارع هذا التحول، كما تحتاج القارة إلى استثمارات ضخمة لتطوير البنية التحتية اللازمة لهذا التحول، بالإضافة إلى أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة في بعض دول الاتحاد الأوروبي قد تؤثر على قدرتها على تخصيص الموارد الضرورية لهذا القطاع.

وفي المقابل، تتمتع دول الخليج بمرونة أكبر في تحويل استثماراتها إلى الطاقة المتجددة، مما يجعلها أكثر قدرة على التوسع في هذا القطاع الناشئ دون التسبب في تعقيدات اقتصادية إضافية.

التوقعات المستقبلية

يُتوقع أن تصبح دول الخليج لاعبًا رئيسيًا في سوق الأمونيا الخضراء على مدار العقد المقبل، ومع استمرار الابتكارات في تكنولوجيا الإنتاج، وكذلك انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة، ستتمكن هذه الدول من إنتاج الأمونيا الخضراء بتكاليف أقل من أوروبا، مما يعزز قدرتها على التنافس في الأسواق العالمية.

ختامًا: من الواضح أن الأمونيا الخضراء تمثل فرصة كبيرة للحد من انبعاثات الكربون في القطاعات الزراعية والصناعية والطاقة، ورغم أن أوروبا تعد حاليًا أكبر سوق لهذا المنتج.

إلا إن منطقة الخليج العربي تمتلك إمكانيات هائلة للتفوق على القارة الأوروبية في هذا المجال بفضل مواردها الطبيعية، قدراتها الاستثمارية، وقدرتها على تجاوز التحديات التقنية والاقتصادية. 

إذا ما تم استغلال هذه الإمكانيات بشكل فعال، فمن المحتمل أن تصبح دول الخليج من اللاعبين الرئيسيين في صناعة الأمونيا الخضراء على المستوى العالمي في المستقبل القريب.

Short Url

showcase
showcase
search