الخميس، 06 مارس 2025

10:59 م

من ميادين القتال إلى ضرب الاقتصاد، حروب بلا رصاص تهدد العالم

الخميس، 06 مارس 2025 12:51 م

الحروب والاقتصاد

الحروب والاقتصاد

كتب/كريم قنديل

لطالما لعبت الحروب دورًا محوريًا في تشكيل الاقتصادات العالمية، حيث لا تقتصر تداعياتها على الدمار البشري والمادي فحسب، بل تمتد أيضًا إلى إعادة رسم الخرائط الاقتصادية للدول المنخرطة فيها، تسببت الحروب عبر التاريخ في تغيرات جذرية في الهياكل الاقتصادية للدول، سواء من حيث الإنتاج، التجارة، التمويل، وحتى الاستراتيجيات الاقتصادية بعيدة المدى.

الحروب وتأثيرها على الاقتصاد

تعتبر الحروب من أكثر العوامل تأثيرًا على الاقتصاد العالمي، حيث تؤدي إلى تدمير البنية التحتية، وزيادة الديون العامة، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، كما تؤثر الحروب على الأسواق المالية والاستثمارات، مما يترك تداعيات طويلة الأمد على اقتصادات الدول المتحاربة والدول المجاورة وحتى الاقتصاد العالمي بشكل عام.

زيادة الإنفاق العسكري

عند اندلاع الحروب، تضطر الدول إلى زيادة إنفاقها العسكري بشكل كبير، مما يؤدي إلى تحويل الموارد المالية من القطاعات الإنتاجية والخدمية إلى القطاع العسكري، هذا الإنفاق المرتفع يثقل كاهل الموازنات العامة ويؤدي إلى زيادة العجز المالي.

في الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان الاقتصاد هو الوقود الأساسي لاستمرار الصراعات، حيث اعتمدت الدول الكبرى على قدراتها الإنتاجية في تصنيع الأسلحة، المعدات، والمستلزمات العسكرية، وتحول العديد من الاقتصادات الصناعية الكبرى إلى اقتصاديات حرب، حيث تم تحويل المصانع المدنية إلى مصانع عسكرية، وأعيد توزيع الموارد البشرية والمالية لدعم المجهود الحربي. 

الدمار الذي خلفه الحرب

ورغم الدمار الهائل الذي تسببت به الحربان، إلا أن بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، خرجت منهما بنمو اقتصادي هائل نتيجة لارتفاع الطلب على الإنتاج العسكري، بالإضافة إلى إعادة الإعمار التي ساهمت في إنعاش الاقتصادات الأوروبية والآسيوية المتضررة.

حروب عن طريق العقوبات

كما أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على دول مثل روسيا وإيران أظهرت كيف يمكن للأدوات الاقتصادية أن تصبح سلاحًا فعالًا في تحقيق الأهداف السياسية.

وبالنظر إلى الأوضاع العالمية الراهنة، فإن الحروب الاقتصادية أصبحت أكثر تعقيدًا، إذ تشمل أدوات مثل حروب العملات، العقوبات الاقتصادية، والتحكم في التكنولوجيا والبيانات، هذه الأدوات قد تكون أقل دمارًا من الحروب التقليدية، لكنها لا تقل تأثيرًا على الاقتصاد العالمي.

بالمحصلة، يمكن القول إن الحروب، سواء كانت تقليدية أم اقتصادية، لا تؤدي فقط إلى إعادة تشكيل موازين القوى السياسية، بل تترك آثارًا دائمة على الاقتصادات الوطنية والعالمية، ما يجعلها أحد العوامل الأكثر تأثيرًا في رسم مستقبل الاقتصاد الدولي. 

الحرب العالمية الثانية

الحرب العالمية الثانية.. صراع ذو عواقب اقتصادية كبيرة

من الناحية الإنسانية، تعد الحرب العالمية الثانية هي الحرب الأكثر دموية على الإطلاق، حيث سقط فيها أكثر من 55 مليون ضحية، صاحب ذلك انخفاض حاد في القوى العاملة، وكانت الخسائر المادية أيضًا كبيرة جدًا، ففي المناطق التي تم قصفها، دمرت البنية التحتية بالكامل، بالإضافة إلى اللجوء إلى الاقتراض من أجل تمويل الحرب ومن ثم إعادة الإعمار، أدى ذلك إلى ارتفاع عام في الأسعار في العديد من البلدان. 

بين عامي 1945 و1948، بلغ معدل التضخم الفرنسي ما يقارب 50%، مما أدى إلى تدهور المالية العامة نتيجة تزايد الديون، ومع نهاية الحرب، شهد المجتمع تغييرات كبيرة، حيث اتخذت الدول الأوروبية خطوات لتعزيز الحماية الاجتماعية وأسست دعائم دولة الرفاهية.

إلى جانب الخسائر البشرية الهائلة والمعاناة، تكبدت الدول نفقات على الحرب العالمية الثانية تفوق ما أنفقته في جميع الحروب السابقة مجتمعة، وبحلول عام 1945، واجهت الاقتصادات المنهكة تحديات اقتصادية خطيرة عرقلت جهود إعادة الإعمار، أبرزها: التضخم المرتفع، تراكم الديون المستحقة للولايات المتحدة، العجز التجاري، اختلال ميزان المدفوعات، واستنزاف احتياطيات الذهب والدولار.

بحلول عام 1947، استحوذت الولايات المتحدة على 70% من احتياطي الذهب العالمي، بينما تحولت المملكة المتحدة من أكبر دائن عالمي إلى أكبر مدين، نتيجة لذلك، اضطرت الدول إلى بيع معظم احتياطياتها من الذهب والدولار، إلى جانب استثماراتها الخارجية، لتمويل نفقات الحرب، وما تبقى من تلك الاحتياطيات كان ضئيلًا، في ظل تفاقم العجز التجاري، مما جعل استعادتها أمرًا بالغ الصعوبة.

أزمة النفط

أزمة النفط.. تداعيات اقتصادية وانقسامات دولية

شهدت أسعار النفط تضاعفًا أربع مرات، مما أدى إلى فرض أعباء مالية ضخمة على المستهلكين وأحدث تحديات هيكلية هددت استقرار الاقتصادات الوطنية، كما اتجه حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا واليابان إلى تخزين كميات كبيرة من النفط، مما وفر لهم احتياطيًا مؤقتًا على المدى القصير، لكن المخاوف من ارتفاع الأسعار والركود الاقتصادي على المدى البعيد تسببت في تعميق الانقسامات داخل حلف شمال الأطلسي.

وجدت الدول الأوروبية واليابان نفسيهما في موقف صعب، إذ أصبحتا بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة لتأمين مصادر الطاقة، في المقابل، أصبحت واشنطن أكثر اعتمادًا على النفط المستورد نتيجة ارتفاع الاستهلاك وتراجع الاحتياطيات المحلية، مما دفعها إلى التفاوض لإنهاء الحصار وسط ظروف اقتصادية محلية قاسية قلصت من نفوذها الدولي.

وفي هذا السياق، تلقت الولايات المتحدة صدمة ثانية أشد وطأة عندما أوقفت إيران صادراتها النفطية بالكامل بين ديسمبر 1978 وخريف 1979، ورغم محاولات دول أخرى، مثل السعودية، لتعويض النقص، إلا أن حالة الذعر الاقتصادي أدت إلى تضاعف أسعار البنزين ثلاث مرات، متجاوزة دولارًا واحدًا للجالون، وهو أعلى سعر للمستهلكين الأمريكيين عند تعديله حسب التضخم، كما قفز سعر النفط من 15 إلى 39 دولارًا للبرميل بحلول منتصف 1979.

 حرب أكتوبر 1973

حظر النفط خلال حرب أكتوبر 1973

خلال حرب أكتوبر 1973، فرضت الدول العربية الأعضاء في منظمة "أوبك" حظرًا على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة ردًا على دعمها العسكري لإسرائيل، كما وسّعت "أوبك" الحظر ليشمل دولًا أخرى داعمة لإسرائيل، مثل هولندا والبرتغال وجنوب إفريقيا.

أدى الحظر إلى تقليص صادرات النفط وخفض الإنتاج، ما تسبب في اضطراب نظام التسعير الذي استمر لعقود، وشكلت هذه الأزمة ضغطًا هائلًا على الاقتصاد الأمريكي، الذي كان يعتمد بشكل متزايد على النفط المستورد، كما أسهمت في دخول أسعار النفط في دوامة تصاعدية، ما أدى إلى تداعيات اقتصادية عالمية استمرت لسنوات.

التكاليف الاقتصادية للحروب الأمريكية

أدت حربا العراق وأفغانستان إلى تداعيات اقتصادية كبيرة في الولايات المتحدة، حيث تسببت في إهدار فرص استثمارية في البنية التحتية والخدمات العامة، إلى جانب ارتفاع معدلات الاقتراض، وعلى عكس الاعتقاد الشائع بأن الحرب تساهم في خلق فرص عمل، فإن تكلفة الفرصة البديلة للإنفاق العسكري كانت ستوفر ما لا يقل عن 1.4 مليون وظيفة إضافية لو تم توجيه هذه الأموال إلى قطاعات مثل التعليم، الرعاية الصحية، أو الطاقة الخضراء.

منذ أحداث 11 سبتمبر، بلغت تكاليف الحروب الأمريكية أكثر من 8 تريليونات دولار، تم تمويلها بالكامل تقريبًا من خلال الاقتراض، ما أدى إلى تفاقم الدين العام وارتفاع نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، وقد تجاوزت تكلفة الفوائد على هذه الديون تريليون دولار حتى الآن، ومن المتوقع أن ترتفع إلى عدة تريليونات خلال العقود المقبلة.

هذا الارتفاع المستمر في مدفوعات الفوائد يحدّ من القدرة على الإنفاق الفيدرالي في المستقبل، مما يفرض أعباءً ضريبية متزايدة على الأجيال القادمة، خاصة أن أكثر من نصف الميزانية التقديرية للولايات المتحدة موجهة إلى وزارة الدفاع. كما أثر الإنفاق العسكري الممول بالديون على أسعار الفائدة، حيث أدى إلى زيادة تكلفة الاقتراض نتيجة ارتفاع نسبة الدين الوطني إلى الناتج المحلي الإجمالي، مما انعكس على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام.

الحرب الروسية الأوكرانية

التداعيات الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية

تسببت الأزمة الروسية الأوكرانية في تراجع حاد للناتج الاقتصادي في أوكرانيا، حيث فقدت البلاد بين 30% و35% من ناتجها المحلي الإجمالي خلال العام الأول من الحرب، مما أدى إلى أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها، وعلى الرغم من توقعات تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5% فقط في عام 2023، إلا أن البلاد لا تزال تواجه تحديات اقتصادية كبرى.

في عام 2022، دفعت الأزمة أكثر من 7.1 مليون شخص إضافي إلى الفقر، مما أجهض 15 عامًا من التقدم الاقتصادي. كما أصبحت أوكرانيا واحدة من أكثر الدول تضررًا من انعدام الأمن الغذائي عالميًا، رغم أنها كانت من أكبر مصدري الحبوب، مثل الذرة والشعير والقمح، قبل الحرب، وتُظهر تقديرات برنامج الأغذية العالمي أن واحدة من كل ثلاث أسر أوكرانية تعاني من نقص الغذاء، وترتفع النسبة إلى واحدة من كل اثنتين في بعض المناطق الشرقية والجنوبية.

ورغم حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد الأوكراني، إلا أن التعافي يظل ممكنًا، وقد أظهرت أوكرانيا مرونة ملحوظة، حيث كانت 79% من الشركات متوقفة عن العمل أو على وشك الإغلاق في مارس 2022، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 32% فقط بحلول نهاية العام، ما يعكس قدرة البلاد على التأقلم مع التحديات الاقتصادية الراهنة.

حرب غزة 2023

التداعيات الاقتصادية لحرب غزة 2023

تشير التقديرات الأولية إلى أن الحرب على غزة ستترك تأثيرًا اقتصاديًا طويل الأمد على إسرائيل، حيث قدرت وزارة المالية وبنك إسرائيل أن التكلفة الإجمالية للحرب تصل إلى نحو مليار شيكل يوميًا، ويعد هذا الرقم أعلى بكثير من تكلفة العمليات العسكرية السابقة، مثل حرب لبنان الثانية وعملية "الجرف الصامد" عام 2014.

يرجع هذا الإنفاق الضخم إلى التعبئة العسكرية الواسعة والأضرار الجسيمة الناجمة عن الهجوم المفاجئ في 7 أكتوبر، والذي أدى إلى إجلاء نحو 125 ألف شخص من سكان قطاع غزة والمناطق الحدودية القريبة من لبنان، كما تشمل التكاليف إعادة إعمار المجتمعات المتضررة في النقب الغربي، حيث تقدر التكلفة الإجمالية للحرب بما يتراوح بين 150 و200 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل.

انعكاسات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي

أدت الحرب إلى ارتفاع معدلات البطالة وتراجع ثقة المستثمرين في السندات الحكومية الإسرائيلية، وعلى الرغم من تدخل بنك إسرائيل للحد من تقلبات سعر صرف الشيكل، إلا أن الاقتصاد لا يزال يواجه ضغوطًا كبيرة، فقد أعلن محافظ البنك في الأيام الأولى للحرب عن تخصيص 30 مليار دولار للتدخل في سوق الصرف الأجنبي، من أصل احتياطات تبلغ نحو 200 مليار دولار، ما ساهم في تهدئة الأسواق ومنع تراجع حاد في قيمة العملة.

الشيكل الإسرائيلي

على الجانب الآخر، لم تتمكن الحكومة الإسرائيلية بعد من إدارة التداعيات الاقتصادية للحرب بفاعلية، فقد تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 3.10%، ما يعادل انخفاضًا بنحو 13.5% من قيمته قبل 6 أكتوبر، كما تراجع مؤشر NASDAQ 100 بنسبة 2.68%، أي ما يقارب 5% من قيمته قبل بدء الحربن وتعكس هذه الأرقام احتمالية استمرار النزيف الاقتصادي بوتيرة أسرع في حال استمرار العمليات العسكرية.

تراجع الشيكل الإسرائيلي

سجل الشيكل الإسرائيلي انخفاضًا بنسبة 4.40% مقابل الدولار الأمريكي بعد 7 أكتوبر 2023، مقارنة بانخفاض سابق قدره 9.34% منذ بداية العام وحتى 6 أكتوبر، وهذا يعني أن العملة فقدت نحو 47% من قيمتها خلال أقل من شهر مقارنة بالفترة السابقة للهجوم. وشهدت العملة تراجعًا مماثلًا مقابل اليورو، مما يسلط الضوء على الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها إسرائيل في ظل استمرار الحرب.

الحروب الحديثة

أما الحروب الحديثة، مثل حرب فيتنام، فقد أظهرت كيف يمكن للحروب الطويلة أن ترهق الاقتصادات وتؤدي إلى أزمات مالية خانقة، حيث أدت تكاليف الحرب الباهظة إلى ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، وأثرت على قيمة الدولار عالميًا، فالحروب مثل حرب الخليج الأولى والثانية أظهرت التأثير المباشر للحروب على أسعار النفط، إذ تسببت هذه الحروب في تقلبات حادة في أسواق الطاقة، مما أثر على اقتصادات الدول المستوردة والمصدرة للنفط على حد سواء.

الحروب

أما في العصر الحديث، فإن الحروب الاقتصادية أصبحت وسيلة فعالة في تحقيق الأهداف الجيوسياسية دون الحاجة إلى اللجوء إلى المواجهات العسكرية المباشرة. على سبيل المثال، الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أثرت بشكل ملحوظ على التجارة الدولية، حيث تم فرض رسوم جمركية متبادلة، مما أدى إلى تباطؤ في بعض القطاعات الاقتصادية، واضطراب في سلاسل التوريد العالمية. 

سياسات اقتصادية مثيرة

في ظل السياسات الاقتصادية المثيرة للجدل التي انتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجدت الساحة العالمية نفسها أمام تحديات جديدة، حيث فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على العديد من الدول في محاولة لتعزيز مكاسبها الاقتصادية على المدى القصير، ورغم أن هذه الإجراءات أسهمت في تحقيق زيادة مؤقتة في الإيرادات الأمريكية، إلا أنها تسببت في تحولات استراتيجية قد تؤثر على المدى الطويل، إذ بدأت الدول المتضررة في البحث عن بدائل تقلل من اعتمادها على الاقتصاد الأمريكي.

شهدت التجارة العالمية تغيرات جوهرية تحت تأثير النهج الجمركي الذي تبناه ترامب، والذي استخدمه كسلاح لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، وأثارت هذه السياسة جدلًا واسعًا، نظرًا لتداعياتها على الاقتصاد العالمي والعلاقات التجارية الدولية.

وترى الإدارة الأمريكية أن الرسوم الجمركية ليست مجرد أداة اقتصادية، بل وسيلة ضغط لتحقيق مصالحها السياسية، فبحسب مستشار ترامب، ستيفن مور، فإن هذه الرسوم تشكل ورقة ضغط تُجبر الدول الأخرى على تبني سياسات تخدم المصالح الأمريكية، كما يسعى ترامب لتوظيف الرسوم الجمركية كأداة تفاوضية لإعادة التوازن التجاري من خلال ممارسة الضغوط السياسية.

الحرب التجارية

من ساحات القتال إلى سلاح الاقتصاد واستهداف الشباب

لم تعد الحروب كما كانت في الماضي، حيث كانت المواجهات تعتمد على الجيوش والأسلحة التقليدية، اليوم، أصبح التأثير الاقتصادي هو السلاح الأكثر فتكًا، إذ باتت الدول تستخدم العقوبات الاقتصادية والرسوم الجمركية كأدوات لإضعاف خصومها دون إطلاق رصاصة واحدة، فالحروب الحديثة لم تعد تقتصر على الغزو العسكري، بل امتدت إلى ضرب الاقتصادات الوطنية وإفقادها استقرارها، مما يفرض تحديات خطيرة على الدول المستهدفة.

إحدى أخطر استراتيجيات هذه الحروب تتمثل في استهداف الشباب، الذين يشكلون العمود الفقري لأي مجتمع، فمن خلال تدمير فرصهم الاقتصادية ونشر الأزمات الاجتماعية والثقافية، تفقد الدول قوتها الحقيقية، ما يؤدي إلى انهيارها من الداخل،  ويظهر ذلك بوضوح في استخدام سياسات اقتصادية تؤدي إلى تفشي البطالة، وزيادة معدلات الهجرة، وإضعاف القدرات الإنتاجية للدول، مما يجعلها أكثر هشاشة أمام الضغوط الخارجية.

أدركت الدول الكبرى أن التأثير على الاقتصاد هو العامل الحاسم في نجاح أي صراع، فبدلًا من الحروب العسكرية المكلفة، يتم اللجوء إلى استراتيجيات أكثر ذكاءً، مثل فرض العقوبات الاقتصادية، والتحكم في سلاسل التوريد، والتلاعب بالأسواق المالية، وفي ظل هذا المشهد الجديد، أصبح الاقتصاد ساحة المعركة الحقيقية، حيث تُحسم النزاعات من خلال القوة المالية والتكنولوجية، لا من خلال الجيوش والأسلحة التقليدية.

Short Url

showcase
showcase
search