خطة جديدة لإعادة هيكلة الديون في إفريقيا، حل للأزمة أم تراكم للمزيد؟

الخميس، 06 مارس 2025 10:15 ص

الديون في إفريقيا

كتب/كريم قنديل

تواجه الدول الإفريقية معضلة صعبة بين تحقيق التنمية الاقتصادية وتحمل أعباء الديون أو اللجوء إلى رفع الضرائب، ما قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية، في ظل الحاجة الملحة لتمويل مشروعات البنية التحتية، التعليم، والرعاية الصحية، تظل الخيارات المالية محدودة بسبب التكاليف الباهظة لخدمة الديون وصعوبة زيادة الإيرادات الضريبية.

الديون.. معضلة مستمرة

شهدت إفريقيا ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث ارتفعت من 31% في عام 2010 إلى 67% في عام 2023، ورغم أن هذه النسب أقل من مثيلاتها في دول مجموعة السبع، إلا أن تكاليف الاقتراض المرتفعة تجعل تأثير الدين أكبر على الاقتصادات الإفريقية، فعلى سبيل المثال، تلتهم مدفوعات الفائدة 26% من إيرادات الحكومة في غانا، مقارنةً بـ3% فقط في فرنسا.

أسباب ارتفاع تكلفة الاقتراض

يرجع ارتفاع أسعار الفائدة في الدول الإفريقية إلى عوامل عدة، من بينها:

تصورات المخاطر العالية لدى المقرضين الدوليين.
الحوكمة المالية الضعيفة في بعض الدول.
عدم عدالة النظام المالي العالمي في تسعير الديون.

بينما تستطيع الدول ذات الدخل المرتفع الاقتراض بمعدلات فائدة تتراوح بين 2% و3%، تواجه الدول الإفريقية معدلات تصل إلى 10% أو أكثر، ما يعزز حلقة “الإدراك السلبي للمخاطر”، هذه الحلقة تعني أن تكاليف الاقتراض المرتفعة تؤدي إلى ضعف الاستثمار، وتفاقم أزمة الديون ومخاطرها.

خطة جديدة لإعادة هيكلة الديون

لمواجهة أزمة الديون، هناك مقترح يتألف من خمس ركائز:

إصلاحات مالية وحوكمة فعالة: يلتزم القادة الأفارقة بتطبيق ممارسات تعزز إدارة المالية العامة، وإعداد خطط واضحة للمستثمرين والمقرضين.

تعزيز الإيرادات الضريبية باستخدام التكنولوجيا: دعم الدول ذات الدخل المرتفع لتحسين أنظمة التحصيل الضريبي في إفريقيا عبر التوأمة مع الإدارات الضريبية في الدول المتقدمة.

تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي: يشمل ذلك إعادة تنظيم الأولويات المالية، مكافحة الفساد، والتخطيط الفعّال للميزانيات.

توفير تمويل طويل الأجل: على الدول الغنية والجهات المقرضة تقديم تسهيلات تمويلية تتناسب مع احتياجات النمو الإفريقية بدلاً من القروض قصيرة الأجل.

خفض تكلفة الديون عبر آليات جديدة: يتعين على المجتمع الدولي أن يتعاون لتطوير أدوات جديدة لتزويد القادة الأفارقة بتكلفة أقل للديون لإعادة تمويل ديونهم ذات الفائدة المرتفعة، وبهذا، يتعين على الجهات الفاعلة العالمية والمقرضين والدول ذات الدخل المرتفع إيجاد آلية جديدة لتوفير تمويل أقل تكلفة من شأنه ضمان نتائج أفضل للاستثمارات في التحوُّل الرقمي والتنمية الاقتصادية والحوكمة والصحة والتعليم ثمارها.

وينبغي لهذه الأداة أن تسمح بانخفاض أسعار الفائدة إلى جانب إصلاحات إدارة المالية العامة، وبفضل هذه القروض ذات الفائدة المنخفضة، تستطيع الدول الإفريقية إعادة تمويل ديونها ذات الفائدة المرتفعة أو تمويل برامجها الاستثمارية، ومن شأن هذه الأداة أن تُسهم أيضًا في إصلاح النظام المالي العالمي، وينبغي لكبار المقترضين والمقرضين الحكوميين، وكثير منهم متحدون في مجموعة العشرين، التي ترأستها جنوب إفريقيا، أن يجعلوا تخفيض التكلفة المرتفعة لرأس المال أولوية.

الدروس المستفادة من تجارب سابقة

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم تخفيف أعباء ديون 37 دولة بأكثر من 100 مليار دولار، مما أتاح للحكومات الإفريقية فرصة للاستثمار في القطاعات الاجتماعية والبنية التحتية، يتعين استلهام هذه التجربة، ولكن مع إضافة إصلاحات هيكلية لضمان استدامة أي تخفيف مستقبلي للديون، ينبغي إحياء نوع القيادة التي أظهرتها الدول في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتكييفها مع عام 2025م، ليس فقط من خلال شطب الديون، ولكن من خلال ترسيخ إصلاحات الحوكمة بشكل مستدام والسماح بمبادلات الديون اللاحقة لخفض مدفوعات الفائدة.

أهمية الدعم الدولي

لا يقتصر تأثير أزمة الديون الإفريقية على القارة وحدها، بل يمتد إلى بقية العالم، بحيث يؤدي تفاقم الأوضاع الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية، وزيادة الاضطرابات السياسية، لذا فإن دعم الدول الإفريقية في إعادة هيكلة ديونها لا يصب فقط في مصلحة القارة، بل يخدم الاستقرار العالمي.

وتُعد خطة إعادة هيكلة الديون في إفريقيا فرصة حقيقية لكسر الحلقة المفرغة من الديون المرتفعة والاستثمار المحدود. من خلال تبني إصلاحات مالية جادة، والتزام المجتمع الدولي بدعم آليات تمويل ميسرة، يمكن للقارة الإفريقية أن تمضي قدمًا نحو تحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتحسين مستوى معيشة مواطنيها، وتعزيز الاستقرار السياسي على المدى الطويل.

Short Url

أخبار متعلقة