الطاقة النووية، مستقبل الكهرباء النظيفة وأداة لمواجهة التغير المناخي
الثلاثاء، 04 مارس 2025 10:53 م

الطاقة النووية
كتب/ كريم قنديل
تُعد الطاقة النووية من أبرز مصادر الطاقة الحديثة، حيث تعتمد على استخراج الطاقة من نواة الذرات عبر عمليتين رئيسيتين: الانشطار النووي، الذي يتمثل في انقسام نوى الذرات إلى أجزاء أصغر، أو الاندماج النووي، الذي يحدث عند اندماج النوى معًا، وتعتمد محطات الطاقة النووية حاليًا على تقنية الانشطار النووي، حيث يتم التحكم في التفاعلات النووية داخل المفاعلات لإنتاج الكهرباء.

المفاعلات النووية.. أنواعها وأجيالها المتطورة
تختلف المفاعلات النووية في أنواعها وأجيالها، حيث شهد العالم تطورًا مستمرًا في هذا المجال بهدف تحسين كفاءة إنتاج الطاقة وتعزيز معايير الأمان، وتعتمد المفاعلات على وقود نووي، غالبًا ما يكون عنصر اليورانيوم، الذي يتم تخصيبه لزيادة كفاءته في عمليات الانشطار النووي، ما يسمح بتوليد كميات هائلة من الكهرباء دون انبعاث غازات ضارة.
الانشطار النووي وانقسام ذراته
يتميز الانشطار النووي بسهولة انقسام ذراته داخل المفاعل منتجة جزيئات صغيرة تسمى منتجات الانشطار تتسبب في انقسام ذرات اليورانيوم الأخرى، مما يؤدي إلى بدء تفاعل متسلسل، ومن هذا التفاعل المتسلسل تولد الحرارة، التي تعمل على تسخين عامل تبريد المفاعل، الذي عادة ما يكون الماء، ولكن بعض المفاعلات النووية تستخدم المعدن السائل أو الملح المنصهر، لإنتاج البخار، ومن ثمَّ يتم توجيه البخار إلى التوربينات الدوارة، ما يفعّل مولدًا كهربائيًّا لتوليد كهرباء منخفضة الكربون.

ومن خلال هذه العملية، نجد أن محطات الطاقة النووية تعمل بطريقة مشابهة لإنتاج الكهرباء في المحطات التقليدية؛ ولكن يكمن الاختلاف بين المحطات في نوع مصدر الحرارة، ففي محطات الوقود الأحفوري يكون مصدر الحرارة من حرق الفحم أو النفط أو الغاز الطبيعي، أما في محطات الطاقة النووية، يكون المصدر الأساسي للحرارة هو انقسام ذرات الوقود النووي (اليورانيوم) أو ما يطلق عليه عملية الانشطار النووي.
جهودات دول العالم لتوسيع محطات الطاقة النووية
اتخذ العديد من دول العالم مؤخرًا خطوات لتوسيع العمليات في محطات الطاقة النووية القائمة وبناء محطات جديدة، وتتمثل البلدان والمناطق التي حققت تطويرًا ملحوظًا في الكهرباء النووية فيما يلي:
بلجيكا
قررت مؤخرًا تمديد تشغيل مفاعلين قائمين من عام 2025 إلى عام 2035، وهو ما سيُلبي حوالي 15% من الطلب على الكهرباء.
كندا
قدمت كندا انتمائا ضريبيًّا يصل إلى 30% على الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة في أواخر عام 2022، بما في ذلك المفاعلات المعيارية الصغيرة (SMRs)، كما منح بنك البنية التحتية الكندي قرضًا لبناء مفاعلات معيارية صغيرة بحلول عام 2028 في موقع نووي قائم.
الصين
تواصل الصين ريادتها في مجال إضافة القدرات النووية، حيث تم الانتهاء من بناء مفاعلين كبيرين في عام 2022، وتم البدء في بناء أربعة مفاعلات أخرى.
فنلندا
أكملت فنلندا أول مفاعل نووي جديد في منطقة أوروبا الغربية منذ 15 عامًا في عام 2023، والذي أطلق عليه اسم "3 Olkiluoto".
فرنسا
وافقت فرنسا في عام 2022 على بناء 6 مفاعلات نووية كبيرة جديدة تلبي حوالي 10% من الطلب على الكهرباء، مع خيار بناء 8 أخرى، ومن المستهدف تشغيل المفاعل الأول عام 2035.
_1787_104135.jpg)
اليابان
وضعت اليابان قانونا في عام 2023 في إطار مبادرة التحول الأخضر يسمح لشركات الطاقة بتشغيل الأصول النووية لفترة أطول، تتجاوز في بعض الحالات 60 عامًا، من خلال استبعاد الفترات التي تم تعليفها خلالها لأسباب تتعلق بالسلامة، وتهدف السياسة الجديدة التي تم الإعلان عنها في ديسمبر 2022 أيضًا إلى تحقيق أقصى استفادة من الأسطول الحالي وتتوقع تطوير محطات جديدة للطاقة النووية.
كوريا الجنوبية
تهدف كوريا إلى توسيع الطاقة النووية لتشكل أكثر من 30% من توليد الكهرباء بحلول عام 2030 بموجب خطة الطاقة الأساسية العاشرة، ارتفاعًا من 28% حاليًّا.
بولندا
وافق مجلس الوزراء البولندي رسميًّا في نوفمبر 2022 على القرار الذي يقضي بأن تستخدم أول محطة للطاقة النووية في بولندا ثلاث وحدات من نوع Westinghouse AP1000.
المملكة المتحدة
تستهدف استراتيجية أمن الطاقة في المملكة المتحدة لعام 2022 إنشاء 8 مفاعلات كبيرة جديدة، فضلا عن المفاعلات SMRS. لتحقيق قدرة طاقة نووية تبلغ 24 جيجاوات بحلول عام 2050. وهو ما يمكن أن يوفر ما يصل إلى 25% من الطلب المتوقع على الكهرباء.
الولايات المتحدة الأمريكية
نص قانون خفض التضخم لعام 2022 على ائتمان ضريبي لإنتاج الطاقة النووية الخالية من الانبعائات، مما أدى إلى تحسين كبير في اقتصادات المفاعلات النووية الحالية مع تضمين الدعم الإضافي للبناء النووي الجديد أيضًا.
منطقة الشرق الأوسط
تجدر الإشارة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تولي اهتمامًا بالفًا بتطوير قطاع الطاقة النووية لديها، حيث أعلن كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عن مشروعات جديدة في الطاقة النووية.
تزايد الاهتمام بالطاقة النووية كمصدر طاقة منخفض الكربون، فذهب العديد من تلك الدول إلى تطوير برامجها النووية الخاصة لضمان أمن الطاقة لديها وتعزيز مساهمتها في التحول الأخضر العالمي، وقد أعلنت عدة دول بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -مثل المملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت، والعراق، واليمن، وسوريا، والأردن، ومصر، وتونس، وليبيا، والجزائر، والمغرب، والسودان- أنها تخطط لبرامج نووية أو بدأت بالفعل في إنشاء محطات للطاقة النووية.
العناصر الأساسية المرتبطة بالطاقة النووية
تتميز الطاقة النووية بقدرتها على توليد كميات كبيرة من الكهرباء دون انبعاث أي غازات ضارة، مثل: غازات الاحتباس الحراري؛ حيث تعمل على إعادة تدوير البخار الذي يشغل التوربينات والمولدات، ويتم تبريده في هيكل منفصل يسمى برج التبريد. ويتحول البخار مرة أخرى إلى ماء ويمكن استخدامه مرة أخرى لإنتاج المزيد من الكهرباء.

الوقود النووي.. اليورانيوم في قلب الصناعة
يُعتبر اليورانيوم الوقود الأساسي للمفاعلات النووية، ويتميز بقدرته الكبيرة على الانشطار مقارنة بالعناصر الأخرى، ولكن نظير اليورانيوم-235، القابل للانشطار، يشكّل أقل من 1% من اليورانيوم الطبيعي، مما يستدعي عملية إثراء لزيادة نسبته، ورغم أنه يظل مشعًا بعد استخدامه، إلا أن هناك طرقًا لإعادة تدويره واستخدامه في دورات وقود مغلقة لتعزيز الاستدامة وتقليل النفايات المشعة.
الأمان النووي.. حاجز قوي أمام المخاطر
رغم المخاوف المتعلقة بالطاقة النووية، إلا أن البيانات تثبت أنها من بين أكثر مصادر الطاقة أمانًا، وتشير الدراسات إلى أن معدلات الوفيات الناتجة عنها أقل بكثير من تلك الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، كما شهدت محطات الطاقة النووية الحديثة تعزيزات أمنية كبيرة، من خلال أنظمة أمان متعددة الطبقات توفر حماية فعالة ضد الحوادث المحتملة.

النفايات النووية.. تحديات وحلول
تُعد إدارة النفايات النووية من أبرز التحديات التي تواجه القطاع، وتتميز هذه النفايات بمستويات مختلفة من النشاط الإشعاعي، ما يتطلب استراتيجيات دقيقة للتخلص منها بطرق آمنة مثل التخزين الجيولوجي العميق، في المقابل، تسعى الأبحاث المتقدمة إلى تقليص كميات النفايات المشعة عبر تطوير مفاعلات أكثر كفاءة قادرة على إعادة تدوير الوقود المستهلك، ما يساهم في تقليل الأثر البيئي للطاقة النووية.
الطاقة النووية ومواجهة أزمة المناخ
في ظل التحديات المناخية الحالية، تلعب الطاقة النووية دورًا محوريًا في خفض انبعاثات الكربون وتحقيق أهداف الاستدامة، وتُظهر البيانات أن الطاقة النووية ساهمت في تقليل الانبعاثات الكربونية بنحو 70 جيجا طن خلال العقود الخمسة الماضية، كما تساعد في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يعزز أمن الطاقة العالمي.

تعدد استخدامات الطاقة النووية خارج توليد الكهرباء
لا تقتصر فوائد الطاقة النووية على توليد الكهرباء فحسب، بل تمتد إلى العديد من التطبيقات الأخرى، مثل تحلية المياه، وإنتاج الهيدروجين، واستخدامها في المجالات الطبية والزراعية والصناعية، ويساهم التطور المستمر في التكنولوجيا النووية في تعزيز هذه الاستخدامات، ما يجعلها خيارًا استراتيجيًا للدول الساعية لتحقيق التنمية المستدامة.
نحو مستقبل نووي أكثر استدامة
مع تزايد الاهتمام العالمي بالطاقة النووية، تعمل العديد من الدول على تعزيز استثماراتها في هذا القطاع، مستفيدة من التكنولوجيا المتطورة والمفاعلات الحديثة ذات الكفاءة العالية، ومع الاتجاه نحو خفض الانبعاثات الكربونية، يُتوقع أن تلعب الطاقة النووية دورًا رئيسيًا في مزيج الطاقة العالمي خلال العقود القادمة، ما يجعلها ركيزة أساسية في تحقيق مستقبل طاقة نظيف ومستدام.
Short Url
هل تهدد الوظائف البشرية؟، مستقبل العمل في عصر الأتمتة بين الفرص والتحديات
04 مارس 2025 12:33 ص
"المركزي للإحصاء" يكشف كيف تم توظيف 511483 شخص فى 2023
25 فبراير 2025 09:08 م


أكثر الكلمات انتشاراً