الثلاثاء، 04 مارس 2025

12:05 ص

«وداعًا للوقود الأحفوري» تكنولوجيا جديدة تفتح آفاقًا واسعة للطاقة الحرارية الأرضية

الأحد، 02 مارس 2025 12:41 م

الطاقة الحرارية الأرضية

الطاقة الحرارية الأرضية

كتب/ عبد الرحمن عيسى

تُعَدُّ الطاقة الحرارية الأرضية من أقدم مصادر الطاقة التي استغلها الإنسان، حيث اعتمد عليها في تدفئة المنازل، وطهي الطعام، وتوليد الكهرباء.

ومع التقدم العلمي والتقني، تطورت أساليب استخراج هذه الطاقة واستغلالها في إنتاج الكهرباء بطريقة مستدامة وصديقة للبيئة.

وعلى الرغم من بعض التحديات المرتبطة باستخدامها، فإن التطورات الحديثة قد ساهمت في تقليل آثارها السلبية، مما يجعلها خيارًا واعدًا لمستقبل الطاقة المتجددة.

أولًا: تاريخ استخدام الطاقة الحرارية الأرضية

استغل الإنسان منذ العصور القديمة الطاقة الحرارية الأرضية في مختلف الأنشطة، حيث سخَّر الرومان خلال القرن الأول الميلادي مياه الينابيع الحارة لتدفئة منازلهم وحماماتهم في مدن غرب ألمانيا، مثل آخن وفيسبادن، كما استخدم شعب الماوري في نيوزيلندا حرارة جوف الأرض لطهي الطعام.

لاحظ العالم الألماني جورجيوس أجريكولا في القرن السادس عشر أن درجة الحرارة تزداد في المناجم كلما زاد العمق، بينما قام العالم ألكسندر فون هومبولت في وقت لاحق بحساب معدل الزيادة التقريبي، الذي بلغ 3.8 درجات مئوية لكل 100 متر عمق، مما شكَّل أول دراسة علمية للتدرج الحراري للأرض.

أجرت الأبحاث الحديثة قياسات دقيقة للطاقة الحرارية الأرضية لأول مرة عام 1740، في أحد المناجم بالقرب من بلفور، فرنسا.

ومع حلول القرن العشرين، تمكَّن العلماء من استغلال هذه الطاقة في توليد الكهرباء، حيث شهدت قرية لارديريلو وسط إيطاليا عام 1904 أول تجربة ناجحة لإنتاج الكهرباء من البخار الجوفي، وفي عام 1913، أنشأ الأمير بييرو كونتي محطة تجارية بقدرة 250 كيلو وات.

تلَتها محطات أخرى أكثر تطورًا، مما مهَّد الطريق أمام انتشار استخدام الطاقة الحرارية الأرضية في جميع أنحاء العالم، وخاصة بعد تكثيف الأبحاث حولها منذ خمسينيات القرن العشرين.

ثانيًا: مصادر الطاقة الحرارية الأرضية، مميزاتها وعيوبها

مصادر الطاقة الحرارية الأرضية

تصل درجة الحرارة في النواة الداخلية للأرض إلى نحو 6000 درجة مئوية، ما يعادل حرارة سطح الشمس تقريبًا، بينما تتراوح درجة الحرارة على عمق يتراوح بين ألفين إلى خمسة آلاف متر من سطح الأرض بين 60 و200 درجة مئوية.

وفي المناطق البركانية، تصل درجات الحرارة إلى 400 درجة مئوية. وتعتمد الطاقة الحرارية الأرضية على مصدرين رئيسيين:

1- المياه الجوفية الحارة: حيث تُستخرج من باطن الأرض لاستخدامها في توليد الطاقة.

2- الصخور الحارة العميقة: التي توجد في المناطق البركانية أو على أعماق بعيدة تحت سطح الأرض.

مميزات الطاقة الحرارية الأرضية

1- توفِّر مصدرًا متجددًا للطاقة: حيث تضمن عمليات الإشعاع الحراري المتجددة من باطن الأرض استدامة هذا المصدر مهما زاد معدل الاستخدام.

2- تحافظ على البيئة: إذ لا ينتج عنها انبعاثات كربونية ضارة، كما أن عمليات استخراجها وتحويلها إلى كهرباء لا تسبب تلوثًا يُذكر.

3- تضمن استدامة الإنتاج: حيث توفر تدفقًا ثابتًا ومستقرًا للطاقة على مدار اليوم، مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة الأخرى مثل الشمس والرياح، التي تتأثر بعوامل الطقس.

4- تمكِّن من حساب معدلات الطاقة بدقة: مما يسمح بالتنبؤ بمقدار الطاقة المنتجة قبل بدء عملية الاستخراج، خلافًا للطاقة الشمسية والرياح التي تتسم بالتقلب.

5- تُعَدّ منافِسة من حيث التكلفة: إذ رغم ارتفاع تكلفة إنشاء محطات الطاقة الحرارية الأرضية، تنخفض تكاليف التشغيل والصيانة على المدى الطويل، مما يجعل تكلفة إنتاج الكهرباء أقل مقارنة بالطاقة الأحفورية.

عيوب الطاقة الحرارية الأرضية

1- تؤدي إلى احتمال حدوث الزلازل: إذ تؤثر عمليات الحفر لاستخراج الطاقة على التكوينات الجيولوجية، إلا أن تطوير تقنيات الحفر المتقدمة.

مثل تقنية Gyrotron-Powered Drilling التي طورتها شركة Quaise Energy، يساهم في تقليل هذه المخاطر، من خلال الحفر إلى أعماق تصل إلى 12 ميلًا دون الحاجة إلى التكسير الهيدروليكي.

2- تسبب الهبوط الأرضي: في بعض الحالات، بسبب السحب المفرط للمياه الجوفية، غير أن ضخ مياه البحر إلى باطن الأرض، واستخدام المحطات في تحلية المياه، قد يشكِّل حلاً لهذه المشكلة.

ثالثًا: استخدام الطاقة الحرارية الأرضية في توليد الكهرباء

تعتمد عملية توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الحرارية الأرضية على درجة حرارة البخار الجوفي وتدفقه، حيث تُستخدم ثلاث تقنيات رئيسية في تشغيل محطات الطاقة الحرارية الأرضية:

1- محطات البخار الجاف (Dry Steam Power Plants)
تستخرج هذه المحطات البخار الجوفي مباشرةً من الأرض، ثم توجهه إلى التوربين لتشغيل المولد الكهربائي، وبعد استخدام البخار، يتكاثف ليعود إلى باطن الأرض في صورة مياه، ما يضمن استدامة العملية دون إهدار.

2- محطات البخار الوامض (Flash Steam Power Plants)
تعتمد هذه المحطات على سحب المياه الجوفية الساخنة المضغوطة إلى سطح الأرض، حيث يؤدي الانخفاض المفاجئ في الضغط إلى تبخرها وتكوين البخار الذي يُستخدم في تشغيل التوربينات، وبعد إتمام عملية التوليد، يتكاثف البخار مجددًا ليعود إلى الأرض، مما يحافظ على استدامة الموارد الحرارية.

3- محطات الدورة المزدوجة (Binary Cycle Power Plants)
تستخدم هذه المحطات مائعًا وسيطًا بخلاف الماء، يُسخَّن عبر مبادل حراري يعمل بالمياه الجوفية الساخنة، وعند تبخُّر السائل العامل، يُوجَّه إلى التوربين لتوليد الكهرباء، ثم يُعاد تكثيفه وإعادته إلى الدورة الحرارية مجددًا.

تتيح هذه التقنية استغلال درجات حرارة أقل من 200 درجة مئوية، مما يجعلها مناسبة للاستخدام في المناطق غير البركانية.

 

ختامًا: يُشكِّل استغلال الطاقة الحرارية الأرضية في توليد الكهرباء أحد الحلول الواعدة لتحقيق الاستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

ورغم بعض العوائق التقنية والجيولوجية، تتيح التطورات الحديثة فرصًا أكبر للاستفادة من هذا المصدر المتجدد للطاقة بطرق أكثر كفاءة وأمانًا.

ومع استمرار الابتكارات في تقنيات الحفر والاستخراج، تبدو الطاقة الحرارية الأرضية خيارًا رئيسيًا في مستقبل الطاقة النظيفة.

Short Url

showcase
showcase
search