15 تريليون دولار: القيمة الهائلة لثروات أوكرانيا المعدنية

قالت أوكرانيا يوم الأربعاء إنها توصلت إلى اتفاق "مبدئي" لتسليم عائدات بعض مواردها المعدنية للولايات المتحدة، قبل زيارة مرتقبة للرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن. ويعد الاتفاق خطوة محورية في سعي كييف لضمان دعم قوي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خاصة في ظل المحادثات الأميركية الروسية التي استُبعدت منها أوكرانيا حتى الآن.

هذا الاتفاق يسلط الضوء على أهمية الثروات المعدنية الأوكرانية، وخاصة المعادن النادرة، التي تُستخدم في صناعات التكنولوجيا المتقدمة والمجالات العسكرية. فبينما تمتلك الصين حصة كبيرة من الإنتاج العالمي، تسعى الولايات المتحدة لتنويع مصادرها، مما يجعل أوكرانيا لاعبًا رئيسيًا في هذه المعادلة.

ثروة معدنية تعزز مكانة أوكرانيا العالمية

تتمتع أوكرانيا بثروة معدنية هائلة جعلتها في موقع استراتيجي بالغ الأهمية على خريطة الموارد العالمية. فهي تحتل المركز الأول أوروبياً في احتياطيات الحديد والمنغنيز والتيتانيوم وخام اليورانيوم، وتأتي في المرتبة الثانية بعد إسبانيا في احتياطي خام الزئبق. كما أن البلاد تضم ما بين 10% و16% من إجمالي احتياطيات الحديد عالمياً، بحجم يصل إلى 27 مليار طن، إلى جانب 20% إلى 42% من احتياطيات المنغنيز، بحجم يبلغ 2.5 مليار طن، مما يجعلها من بين الدول الخمس الأغنى في العالم بهذا المعدن.

أما في مجال المعادن الصناعية الأخرى، فتحتوي الأراضي الأوكرانية على 342 ألف طن من الألمنيوم، و147 ألف طن من النحاس، و60 ألف طن من الزنك، و8.2 آلاف طن من الرصاص، و5.3 آلاف طن من النيكل، إضافة إلى كميات ضخمة من معادن مثل القصدير، والتنغستن، والكوبالت، والموليبدينوم.

المعادن النادرة: مفتاح الثروة والتكنولوجيا

تعتبر أوكرانيا من أغنى دول العالم في المعادن النادرة، إذ تمتلك 22 معدناً نادراً من أصل 30 مستخدمة في أوروبا، و50 معدناً تصنفها الولايات المتحدة على أنها ذات "أهمية بالغة"، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 15 تريليون دولار.

وعلى المستوى العالمي، تحتل أوكرانيا المرتبة الرابعة في احتياطيات المعادن النادرة، إلى جانب الهند والبرازيل وفيتنام، بعد كل من الصين (التي تستحوذ على 68% من الاحتياطي العالمي)، ثم الولايات المتحدة (12%)، وأستراليا (5%).

أما معدن الليثيوم، المستخدم في صناعة البطاريات، فتملك أوكرانيا حوالي 10% من احتياطيه العالمي، بحجم يقدر بنحو 500 ألف طن، وهي أيضاً تمتلك نحو 90 طناً من الزركونيوم المستخدم في المحركات النفاثة. كما تعد من بين الدول العشر الأغنى بمعدن التيتانيوم، الضروري في إنتاج الصواريخ والطائرات والسفن، حيث تحتوي أراضيها على 2.3 ألف طن منه.

إلى جانب ذلك، تضم أوكرانيا احتياطيات كبيرة من معادن أخرى، مثل:

الفاناديوم

تمتلك أوكرانيا احتياطيًا من الفاناديوم يصل إلى 660 طنًا، مما يمثل نسبة ملحوظة من الاحتياطي العالمي. يُستخدم الفاناديوم بشكل أساسي في صناعة سبائك الفولاذ، حيث يُضاف لتحسين قوته ومتانته، مما يجعله مناسبًا لتطبيقات مثل محاور العجلات، صفائح الدروع، ومعدات السيارات.بالإضافة إلى ذلك، يُستخدم الفاناديوم في تصنيع المفاعلات النووية نظرًا لقدرته على امتصاص النيوترونات بشكل منخفض. 

الزركونيوم

تمتلك أوكرانيا احتياطيًا من الزركونيوم يبلغ 90 طنًا، ويُستخدم هذا المعدن في صناعات استراتيجية، أبرزها المحركات النفاثة والمفاعلات النووية، حيث يتميز بمقاومته العالية للتآكل ودرجات الحرارة المرتفعة. كما يدخل في صناعة السيراميك المتقدم ومواد العزل الحراري.

النيوبيوم

يصل احتياطي أوكرانيا من النيوبيوم إلى 50 طنًا، ويُستخدم بشكل أساسي في صناعة السبائك الفائقة التي تُستخدم في الطائرات والصواريخ، نظرًا لخصائصه التي تزيد من قوة ومتانة المعادن الأخرى. كما يُستخدم في الإلكترونيات والبطاريات المتطورة.

الكادميوم

تحتوي أوكرانيا على 50 طنًا من الكادميوم، وهو معدن مهم في صناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن، خاصة بطاريات النيكل-كادميوم. كما يُستخدم في الطلاء الكهربائي لحماية المعادن من التآكل، وفي إنتاج أشباه الموصلات.

التنتالوم

يبلغ احتياطي أوكرانيا من التنتالوم 15 طنًا، ويُستخدم في صناعة المكثفات الإلكترونية التي تدخل في تصنيع الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب. كما يتميز بمقاومته العالية للتآكل، مما يجعله مناسبًا لصناعة الأدوات الجراحية والمعدات الكيميائية.

الغاليوم

تتوفر في أوكرانيا 5 أطنان من الغاليوم، وهو معدن يستخدم في صناعة أشباه الموصلات، خاصة في إنتاج الليزرات والثنائيات الباعثة للضوء (LEDs). كما يدخل في تصنيع الخلايا الشمسية وأجهزة الاتصالات المتقدمة.

السيريوم

تمتلك أوكرانيا 1.8 طن من السيريوم، وهو أحد عناصر مجموعة اللانثانيدات، ويُستخدم في صناعة الزجاج المقاوم للخدش، وفي تلميع العدسات والشاشات البصرية. كما يُستخدم كمحفز في تكرير النفط وتحسين كفاءة المحركات.

الإنديوم

يصل احتياطي أوكرانيا من الإنديوم إلى 1.5 طن، وهو معدن ضروري في تصنيع شاشات LCD، وألواح الطاقة الشمسية، والإلكترونيات الدقيقة. كما يُستخدم في اللحام منخفض الحرارة وفي بعض التطبيقات الطبية.

السيلينيوم

تمتلك أوكرانيا 1 طن من السيلينيوم، ويُستخدم هذا المعدن في صناعة الخلايا الشمسية، وزيادة كفاءة الزجاج، وفي صناعة مستحضرات التجميل والطب لخصائصه المضادة للأكسدة.

البريليوم

تحتوي أوكرانيا على 1 طن من البريليوم، وهو معدن خفيف وقوي يُستخدم في صناعة الطائرات والمركبات الفضائية، كما يدخل في بعض المكونات النووية نظرًا لقدرته على امتصاص النيوترونات.

الإيتريوم

يبلغ احتياطي أوكرانيا من الإيتريوم 0.8 طن، ويُستخدم في تصنيع الليزرات الطبية والصناعية، كما يدخل في إنتاج شاشات LED الفعالة ومواد السيراميك الخاصة بالمعدات المتطورة.

التيلوريوم، السكانديوم، الغرمانيوم، الهافنيوم

تمتلك أوكرانيا نصف طن من كل من هذه المعادن، والتي تُستخدم في تطبيقات تكنولوجية متقدمة، مثل الإلكترونيات البصرية، والمركبات الفضائية، وصناعة الزجاج المتخصص، إضافة إلى محركات الطائرات وصناعة الموصلات الفائقة.

كنوز غير مستغلة بالكامل

على الرغم من هذا الثراء المعدني الهائل، لم تحدّث أوكرانيا بياناتها الرسمية المتعلقة بثرواتها الطبيعية منذ عام 2005، مما يعني أن احتياطياتها الفعلية قد تكون أكبر بكثير مما هو مُعلن. كما أن المناجم الأوكرانية لا تستخرج سوى 10% فقط من الاحتياطيات المؤكدة للمعادن النادرة، ما يفتح الباب أمام استثمارات ضخمة في هذا القطاع.

قبل اندلاع الحرب، كانت صادرات المعادن وصناعات الصلب تمثل حوالي 26.3% من اقتصاد أوكرانيا، وتسهم بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، كما أدخلت إلى خزينة الدولة حوالي 40% من النقد الأجنبي.

توزيع المعادن في الأراضي الأوكرانية

تتركز الثروات المعدنية الأوكرانية في مناطق محددة، حيث يقع 70% من إجمالي المعادن النادرة في مقاطعات لوغانسك، دونيتسك، زاباروجيا، ودنيبروبيتروفسك، الواقعة في شرق وجنوب شرق البلاد.
 

في الوقت الحالي، تسيطر روسيا على نحو 98% من لوغانسك، وحوالي 60% من دونيتسك، ونحو 30% من زاباروجيا، بينما تشهد مقاطعة دنيبروبيتروفسك، الغنية بالمناجم، قصفاً مستمراً. كما تتوزع بعض المعادن على مقاطعات بولتافا، تشيرنيهيف، كييف، وجيتومير في الشمال والوسط، وهي المناطق التي دخلتها القوات الروسية في بداية الحرب ثم انسحبت منها لاحقاً.

بين الصراع والاستثمار الدولي

تعد المعادن النادرة أحد العوامل التي جعلت أوكرانيا محور صراعات اقتصادية وسياسية دولية. فهي تملك احتياطيات ضخمة من المواد الخام التي تحتاجها الصناعات التكنولوجية والعسكرية في الولايات المتحدة والصين وأوروبا.

مع اعتماد الولايات المتحدة على الصين في 80% من وارداتها من المعادن النادرة، بات من الضروري البحث عن بدائل، وأوكرانيا تبدو خياراً مثالياً لتنويع المصادر وتقليل الاعتماد على الصين. لذلك، برزت المعادن كعنصر محوري في المفاوضات بين واشنطن وكييف، خاصة مع تلميحات بأن أي دعم مالي وعسكري مستقبلي قد يكون مشروطاً بمنح الشركات الأمريكية حقوق استثمارية واسعة في القطاع المعدني الأوكراني.

مستقبل ثروات أوكرانيا المعدنية

على الرغم من الحرب والصراع المستمر، تظل أوكرانيا واحدة من أغنى دول العالم في الموارد المعدنية. ومع استمرار المفاوضات حول استثمار هذه الثروات، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن أوكرانيا من تحويل هذه الكنوز إلى مصدر قوة اقتصادية، أم أنها ستظل سبباً في استمرار النزاعات السياسية والعسكرية حولها؟