الجمعة، 31 يناير 2025

05:04 ص

أسسها

حازم الجندي

رئيس مجلس الإدارة

أكرم القصاص

إشراف عام

علا الشافعي

بالأرقام، ثورة صينية تكنولوجية تتسبب بخسارة «إنفيديا» الأمريكية 600 مليار دولار (تحليل)

الثلاثاء، 28 يناير 2025 03:16 م

شركة ديب سيك وإنفيديا

شركة ديب سيك وإنفيديا

كريم قنديل

شهدت شركة إنفيديا “Nvidia” الأمريكية، التي تُعتبر العمود الفقري لصناعة وحدات معالجة الرسومات (GPU) الموجهة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، خسارة تاريخية غير مسبوقة بلغت 600 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد. جاءت هذه الخسارة نتيجة مباشرة لظهور شركة صينية ناشئة تُدعى ديب سيك “DeepSeek ” ، التي قلبت الموازين بتقديمها نموذج ذكاء اصطناعي متطور بتكلفة منخفضة وكفاءة عالية. هذا التطور المفاجئ أثار تداعيات عميقة على مستوى الاقتصاد العالمي، سوق التكنولوجيا، والسياسة الدولية، وهو ما سنناقشه تفصيليًا في هذا التحليل.

شركة ديب سيك الصينية

خلفية عن تطور الذكاء الاصطناعي وتأثيره الاقتصادي

على مدار العقد الماضي، أصبح الذكاء الاصطناعي العمود الفقري للابتكار التكنولوجي. نماذج مثل ChatGPT التي طورتها شركة OpenAI اعتمدت على كميات هائلة من البيانات ومعالجات عالية الأداء. أدى هذا إلى خلق سباق عالمي لتطوير بنية تحتية تدعم التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي، مما عزز الطلب على منتجات إنفيديا، وجعلها واحدة من أكثر الشركات قيمةً في العالم.

ارتبطت مكانة إنفيديا المتفوقة بتوفيرها وحدات معالجة رسومات (GPUs) ذات الأداء العالي، التي تُعد أساسية لتدريب النماذج الضخمة مثل GPT-4 وGoogle Gemini، حيث الطلب المتزايد على هذه الوحدات دفع أسعار أسهم الشركة للارتفاع بشكل كبير حتى وقت قريب.

دخول شركة ديب سيك الصينية: بداية التحول

ظهرت شركة ديب سيك، وهي شركة ناشئة صينية، في وقت يُسيطر فيه الذكاء الاصطناعي على اهتمام الأسواق العالمية. تمكنت الشركة من تطوير نموذج ذكاء اصطناعي يُدعى R1، يتميز بما يلي:

  • تكلفة تطوير منخفضة: تكلفة تطوير R1  لم تتجاوز 10 ملايين دولار، مقارنةً بمليارات الدولارات التي استثمرتها شركات مثل OpenAI  في نماذجها.
  • كفاءة تشغيلية عالية: يمكن تشغيل R1 باستخدام أجهزة أقل قوة وكلفة مقارنةً بالمطلوب لتشغيل ChatGPT.
  • المرونة والمصدر المفتوح: النموذج مفتوح المصدر، مما يمنح الشركات والمطورين حرية التعديل والتكيف.
  • استهلاك موارد منخفض: استهلاكه للطاقة والموارد أقل بمئة ضعف تقريبًا من النماذج المنافسة.

هذا الابتكار الصيني لم يكتفِ بتحدي هيمنة النماذج الأمريكية، بل قدم بديلاً أكثر استدامة للشركات الراغبة في استخدام الذكاء الاصطناعي دون تحمل تكاليف البنية التحتية الضخمة، وخلال يومين فقط، أصبح تطبيق ديب سيك الأكثر تحميلًا على متاجر التطبيقات العالمية، مما يعكس قبوله السريع والواسع.

شركة إنفيديا

التداعيات الاقتصادية

الخسارة السوقية التي تعرضت لها إنفيديا تُعد أكبر خسارة يومية لشركة في تاريخ البورصة الأمريكية، حيث يعود ذلك إلى إعادة تقييم المستثمرين لقيمة الشركة المستقبلية، في ضوء التحدي الذي قدمته ديب سيك. إذا أثبتت النماذج الجديدة كفاءتها على المدى الطويل، فقد يتراجع الطلب على وحدات المعالجة عالية الأداء التي تنتجها إنفيديا، مما يهدد نموذجها التجاري.

كما حدثت سلسلة من الخسائر المتتالية على شركات التكنولوجيا العالمية العملاقة، حيث خسرت أسهم شركات تصنيع الرقائق Micron بنسبة AMD ،8.6% بنسبة 5.5% على التوالي، وانخفضت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة Amazon وMeta بنحو 5% لكل منهما، في حين تراجعت أسهم Microsoft بنسبة 6%.

وأثارت هذه التطورات مخاوف بشأن حجم الأموال التي تستثمرها شركات التكنولوجيا الكبرى في نماذج الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، وخلّفت قلقًا من أن الولايات المتحدة قد تستثمر أموالها في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.

إن ظهور ديب سيك يمثل تحديًا استراتيجيًا للهيمنة الأمريكية في مجال التكنولوجيا، وخاصةً مع استمرار الصين في تقديم بدائل منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة، قد تجد الشركات الأمريكية نفسها مضطرة لتخفيض الأسعار أو إعادة هيكلة استثماراتها، مما سيؤثر سلبًا على أرباحها ومستويات الابتكار.

إثبات ديب سيك أن الذكاء الاصطناعي يمكن تطويره بتكاليف منخفضة يفتح الباب أمام دول أخرى لدخول هذا المجال دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة. هذا قد يؤدي إلى تنوع أكبر في السوق وتقليل الاعتماد على الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل.

شركة ديب سيك

التأثير السياسي والاستراتيجي

كما كانت لحظة سبوتنيك في خمسينيات القرن الماضي نقطة تحول في سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، يمثل ظهور ديب سيك نقطة تحول في سباق الذكاء الاصطناعي، كما أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها مضطرة لتعزيز استثماراتها في البحث والتطوير لمواكبة الصين.

هذا التطور يعزز مكانة الصين كقوة تقنية صاعدة، وذلك من خلال تقديم نموذج مفتوح المصدر، حيث تُظهر الصين استعدادها لتقاسم التكنولوجيا مع بقية العالم، مما قد يزيد من نفوذها الجيوسياسي.

ظهور ديب سيك يزيد من حدة التوترات بين البلدين، خاصةً مع سعي الولايات المتحدة لفرض قيود على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، ولذلك قد نشهد تصعيدًا في الحرب التجارية بين البلدين إذا استمرت الصين في تحدي الهيمنة الأمريكية.

التحليل الاقتصادي والتكنولوجي طويل المدى

ظهور نماذج مثل "R1" يسلط الضوء على إمكانية تطوير حلول ذكاء اصطناعي مبتكرة بتكاليف أقل. هذا قد يؤدي إلى تحول في استراتيجيات الشركات الكبرى، التي ستضطر إلى خفض استثماراتها في البنية التحتية أو تحسين كفاءة تقنياتها، كما أن المستثمرون قد يصبحون أكثر حذرًا تجاه الشركات التي تعتمد على نماذج أعمال مكلفة وغير مستدامة. التركيز قد يتحول إلى الشركات الناشئة التي تقدم حلولاً مبتكرة بتكاليف منخفضة.

بينما قد يؤدي ظهور ديب سيك إلى تقليل تكلفة الابتكار، هناك مخاوف من أن تراجع الأرباح قد يثبط الاستثمارات طويلة المدى في البحث والتطوير.

الشرائح الإلكترونية

السيناريوهات المستقبلية

  • إذا استمرت الصين في تقديم حلول تقنية متقدمة بتكاليف منخفضة، فقد تجد الشركات الأمريكية والأوروبية نفسها في موقف دفاعي، مما يهدد هيمنتها على السوق العالمية.
  • بدلاً من التنافس، قد نشهد تعاونًا بين الدول لتطوير معايير مشتركة ومشاركة الموارد في مجال الذكاء الاصطناعي.
  • في حال تصاعد التوترات، قد نشهد سباقًا تسلحيًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يزيد من الإنفاق الحكومي والخاص على البحث والتطوير.

ختامًا، يمثل ظهور شركة ديب سيك لحظة فارقة في تاريخ الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال تقديم نموذج متطور بتكاليف منخفضة، حيث سلطت الضوء على عدم استدامة النماذج الحالية التي تعتمد على استثمارات ضخمة، كما أن التداعيات الاقتصادية والسياسية لهذا التطور تتجاوز حدود التكنولوجيا، مما يجعل من الضروري إعادة تقييم الاستراتيجيات الوطنية والعالمية في هذا المجال، بينما يمثل هذا تحديًا كبيرًا للشركات الكبرى، فإنه يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الابتكار والتنافسية.

Short Url

search