محطة الضبعة.. مكاسب اقتصادية وتوطين للتكنولوجيا النووية فى مصر
الأحد، 28 أبريل 2024 02:48 م
محطه نووية - أرشيفية
محمد أحمد طنطاوي
تسعي مصر بشتي السبل إلى تأمين مصادر الإمداد بالطاقة لمواجهة الاحتياجات المستقبلية المرتبطة بالتوسع في الأنشطة الاقتصادية، وتمدد الحيز العمراني، والزيادة السكانية، وحتى تضمن نجاح هذه الخطة، كان لابد من تنويع مصادر توليد الكهرباء، وعدم الاعتماد على مصدر واحد فقط، أو الأشكال التقليدية والوقود الأحفوري، لذلك كان التفكير في الطاقة النووية باعتبارها بديل مستدام وفعال لمواجهة احتياجات الطاقة المستقبلية في مصر، وتقلل بصورة مباشرة من واردات المنتجات البترولية التي تعتمد عليها أغلب المحطات الكهربائية التقليدية، والتي تكلف البلاد عملات صعبة، وتضغط على الاقتصاد بصورة مباشرة، وترفع من تكاليف التشغيل، كما أن الطاقة النووية تسهم في تخفيض انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون، وتقلل ظاهرة الاحتباس الحراري.
وقد جاء التفكير في مشروع محطة الضبعة للطاقة النووية، التي تعتبر أول محطة نووية في مصر، ويتم بناؤها في مدينة الضبعة، على ساحل البحر المتوسط، على بُعد حوالي 300 كم شمال غرب القاهرة، وتتكون من 4 وحدات طاقة "مفاعلات"، بقوة 1200 ميجاواط لكل منها، مع مفاعلات VVER-1200 (مفاعل ماء مضغوط) من الجيل الثالث المطور، التي تعتبر أحدث تكنولوجيا للطاقة النووية في العالم، ويتم حالياً بناء المحطة وفقًا لحزمة العقود التي دخلت حيز التنفيذ في 11 ديسمبر 2017، وتتولي شركة روس أتوم العالمية، عملاق الصناعات النووية الروسية، بناء وتشغيل المحطة، وتوفير الوقود النووي طوال دورة حياة المحطة، وستقدم الدعم لمصر في تدريب الكوادر البشرية ودعم التشغيل والخدمة.
مشروع محطة الضبعة النووية يتم تمويله من خلال قرض مقدم من الجانب الروسي، وفق الاتفاقية المالية الحكومية الموقعة مع مصر في نوفمبر 2015، وبموجب هذه الاتفاقية تمنح الحكومة الروسية للحكومة المصرية ائتمان لتمويل نسبة 85% من قيمة عقود تنفيذ المشروع، ومثل هذا النوع من الاتفاقيات يتميز بشروط تمويلية ميسرة بأقل معدل للفائدة، مقارنة بالقروض الممنوحة من البنوك التجارية والمؤسسات التمويلية الدولية، ووفقا للاتفاقية المالية، فإن القرض المقدم من الجانب الروسي يتم سداده على مدى 22 عام بعد الانتهاء من استلام الوحدات النووية.
المحطة النووية في الضبعة تتميز بقدرتها التنافسية الاقتصادية العالية، في سعر الكيلو وات من الكهرباء، مقارنة بمحطات سيمنز التي تم إنشاؤها بمصر خلال السنوات الماضية، خاصة إذا تم النظر للموضوع من ناحية طول العمر التشغيلي لمحطات القوى النووية "ضعف مثيلاتها لمحطات سيمنز من نوع الدورة المركبة" يصل إلى 60 عام تقريباً، إلى جانب انخفاض تكاليف الوقود والتشغيل والصيانة، وهو ما يمنحها ميزة هامة تتمثل في استقرار وجدوى توليد الكهرباء على المدى الطويل.
توفر محطة الضبعة للطاقة النووية فوائد هائلة لمصر من حيث التأثير الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن قدرتها على تعزيز الاستدامة البيئية، ودعمها للصناعة والشركات المحلية، وتشغيل الأيدي العاملة، وقد تم الاتفاق مع الجانب الروسى على أن تكون نسبة المشاركة المحلية بدءا من الوحدة الأولى بنسبة 20% وصولا للوحدة الرابعة بنسبة 35 %، وهناك قائمة بالشركات المصرية التي تشارك في تنفيذ مشروع الضبعة النووي، تضم 150 شركة، وهذه القائمة يتم تحديثها بصورة مستمرة، وقد تم تشكيل لجنة وطنية مصغرة لتذليل العقبات، وحل أي مشكلات تواجه الشركات المصرية، من أجل وضع استراتيجية مصرية لتوطين التكنولوجيا النووية، ونقل الخبرات للشركات الوطنية، وقد قامت شركة «أتوم ستروي اكسبورت» القسم الهندسي لشركة «روس اتوم» النووية الروسية، باختيار ثلاث شركات من إجمالي 10 شركات مقاولات مصرية تقدمت للفوز بثلاث مناقصات خاصة بإنشاءات محطة الضبعة النووية، هي شركة "بتروجيت"، وشركة "المقاولون العرب"، وشركة "حسن علام"، وهذه الشركات مصرية خالصة، ويعمل بها مهندسون وعمال مصريون.
الأمر لا يتوقف فقط عند تشغيل الشركات المصرية، بل ينعكس على الكوادر المدربة والمؤهلة بمعرفة المورد الرئيسي للمحطة النووية المصرية "روس أتوم" على أعمال الإنشاءات والتركيبات وأعمال التشغيل والصيانة، لذلك تمثل إدارة المحطات النووية قاطرة العبور للمستقبل من أجل تطوير الصناعة المصرية، التى هى من أهم أهداف البرنامج النووى المصرى للاستخدامات السلمية، من خلال برنامج طويل المدى تتصاعد فيه نسب التصنيع المحلي في كل وحدة جديدة طبقاً لخطة واضحة، مما يحدث نقلة ضخمة في جودة الصناعة المصرية وإمكاناتها، ويزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، بسبب المعايير الصارمة للجودة التي تتطلبها صناعة المكونات النووية، التي ستنتقل بالضرورة إلى صناعة المكونات غير النووية التي تنتجها نفس المصانع.
وتشير التقديرات وفق ما ذكره موقع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة بمصر، إلى أن محطة الضبعة للطاقة النووية تسهم في تدفق نحو 9 مليارات دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي لمصر، إلى جانب التأثير الإيجابي للمحطة على الاقتصاد وعلى المواطن المصري أيضًا، حيث تم الاتفاق على قيام شركة روس أتوم بتدريب ما يقرب من 2000 شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة، وبالتالي، ستقوم الشركة بتأهيل وتدريب جميع الموظفين حول كيفية التشغيل الناجح والآمن لأربع مفاعلات طاقة، ومن المتوقع أن يصل عدد العاملين إلى أكثر من 10000 متخصص، وتوفير ما لا يقل عن 2000 فرصة عمل للعمالة المصرية بالمشروع، على أن تزيد لتصل إلى 50.0000 فرصة عمل.
وتتميز محطة الضبعة للطاقة النووية أنها ستحقق الاستدامة وتحافظ على البيئة وتنتج طاقة نظيفة من الملوثات، خاصة أن المحطات النووية تعمل على مدار 24 ساعة يوميا، 7 أيام في الأسبوع، ومصممة للعمل لفترات طويلة، لذلك تعتبر مصدر الطاقة الأكثر موثوقية، بجانب قدرتها الإنتاجية الكبيرة في توليد الطاقة، على سبيل المثال عند الاحتراق الكامل لـ 1 كجم من اليورانيوم، الذي يُستخدم في الوقود النووي، يتم إنتاج طاقة تعادل تلك المنبعثة من حرق 100 طناً من الفحم الحجري عالي الجودة، لذلك تسهم محطات الطاقة النووية في أوروبا كل عام بتجنب انبعاث 700 مليون طناً من غاز ثاني أكسيد الكربون، كما تجنب محطات الطاقة النووية العاملة في روسيا انبعاث 210 ملايين طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويا إلى الغلاف الجوي.
مشروع المحطة النووية في الضبعة من شأنه أن يؤكد دور مصر كدولة رائدة في الشرق الأوسط وقارة إفريقيا ويضعها على خريطة الدول المتقدمة، وسوف يؤدى إلى تنمية منطقة الضبعة والساحل الشمالي الغربي في مصر، وخلق رواج اقتصادي من خلال فتح أسواق جديدة أثناء عمليات الإنشاء والتشغيل، سينعكس بالضرورة على أهالي مدينة الضبعة، الذين يستفيدون من تطوير البنية التحتية وتحسين جودة المرافق الأساسية، مثل المياه والكهرباء والطرق والاتصالات والخدمات الصحية والتعليمية.
Short Url
251.3 مليون جنيه صافي مشتريات المستثمرين العرب بالبورصة خلال يناير 2025
01 فبراير 2025 12:00 ص
كيف طمأن بنك مورجان ستانلي المصريين بشأن مدفوعات شهر مارس الثقيلة؟
31 يناير 2025 09:30 م
«الغرف التجارية»: منتدى الأعمال العراقي رسالة لدعم الحكومة لشركات القطاع الخاص
31 يناير 2025 07:00 م
أكثر الكلمات انتشاراً