بث تجريبي

الإثنين، 20 يناير 2025

12:03 ص

أسسها

حازم الجندي

رئيس مجلس الإدارة

أكرم القصاص

إشراف عام

علا الشافعي

المفاعلات الصغيرة.. بديل مستقبلي آمن يمنح الشركات المتوسطة فرصة واعدة لتحقيق التنمية بالدول النامية

السبت، 30 مارس 2024 10:55 م

المفاعلات الصغيرة

المفاعلات الصغيرة

محمد أحمد طنطاوي

تحتل المفاعلات النووية النمطية الصغيرة اهتمام كبير من جانب دول العالم المختلفة في الوقت الراهن، انطلاقا من قدرتها على توفير طاقة نظيفة وآمنة ومستدامة، بتكلفة معقولة، تجعلها متاحة للاستخدام في الدول الفقيرة والنامية، التي تطمح في الاستقرار والنمو الاقتصادي، وتخطط لخلق بيئة إنتاجية وصناعية فاعلة، تمنحها القدرة على مواجهة التحديات المختلفة في عالم باتت تحكمه تحالفات القوة، ويشتعل فيه التنافس الاقتصادي حتى وصل إلى ذروته. 

 وقد صاغ مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل جروسي، في أحد جلسات COP 26  التي كانت منعقدة في جلاسكو، المملكة المتحدة 2021، أهمية المفاعلات النمطية الصغيرة قائلاً:  إن العديد من البلدان المتقدمة والنامية تستهدف توسيع نطاق القوى النووية لديها أو الأخذ بها لمساعدتها على تحقيق الأهداف المتصلة بالتنمية المستدامة، فالطاقة النووية قد باتت "حل الوقت الراهن"، الذي يوفر ما يقرب من ثلث الكهرباء المنخفضة الكربون في العالم، و المفاعلات الصغيرة "بديل مستقبلي آمن، تجعل الطاقة النظيفة المستدامة متاحة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء. 

 ولفهم الموضوع بأبعاد أشمل يكشف موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن المفاعلات النمطية الصغيرة، هي مفاعلات نووية متقدمة ذات قدرة كهربائية تصل إلى 300 ميجا وات لكل وحدة، أي حوالي ثلث القدرة التوليدية للمفاعلات النووية التقليدية، وتتميز بأنها تنتج كمية كبيرة من الكهرباء منخفضة الكربون، وصغيرة الحجم، فلا تمثل إلا جزءا ضئيلا من حجم مفاعل القوى النووية التقليدي، كما أنها  نمطية، أي يمكن تجميع نظمها ومكوناتها في المصنع، ثم نقلها كوحدة إلى الموقع لتركيبها، وأخيراً يتم من خلالها تسخير الانشطار النووي لتوليد الحرارة وإنتاج الطاقة.

على الرغم من أن عبارة "القوى النووية" تثير في الاذهان صورًا للمحطات النووية الضخمة، بأبراج تبريدها الشاهقة، لكن ما إنْ بدأت المفاعلات النمطية الصغيرة (SMR) و المفاعلات الأصغر "الدقيقة" (MRs) تتحول إلى حقيقة، حتى أخذت تتغير ملامح القوى النووية في العالم، ونطاق وصولها إلى كل الدول، خاصة الفقيرة محدودة الموارد، التي لم يكن بمقدورها إنشاء محطات نووية تقليدية ضخمة، نتيجة التكلفة وقلة حجم الموارد المتاحة. 

ويقول فريدريك ريتسما، رئيس فريق تكنولوجيا المفاعلات النمطية الصغيرة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية :"توفر المفاعلات النمطية الصغيرة و المفاعلات الدقيقة طاقة منخفضة الكربون شأنها شأن المفاعلات النووية الكبيرة، لكنها أصغر حجمًا وأكثر مرونة وأقل تكلفة، لذا يمكن استخدامها في شبكات قوى أصغر، ويمكن وضعها في أماكن يصعب الوصول إليها.

وعلى الرغم من أن المفاعلات النووية الكبيرة مشاريع ضخمة، وتتطلب استثمارات كبيرة على المدى الطويل، وهو أمر مجدٍ ويلائم بعض الحالات، لكن بالنسبة للدول الفقيرة والبلدان النامية فإن المفاعلات النمطية الصغيرة يمكن أن تشكل نهجًا أكثر واقعية وأسرع تنفيذا، وقد يكون أحيانًا السبيل الوحيد للحصول على قوى نووية فعالة من حيث التكلفة"، وسوف تفتح مجال القوى النووية لمجموعة أوسع من المستخدمين، وتصبح خيارًا أكثر تنافسية وجاذبية في سوق الطاقة، خاصة أنها تساعد في خفض معدلات استهلاك الوقود، إلى جانب أنها تعتبر مثالية في المناطق التي تفتقر إلى خطوط النقل الكافية والسعة الكبيرة للشبكة الكهربائية، فيمكن تركيبها بالمناطق النائية والمجتمعات الريفية البسيطة.

العديد من البلدان حول العالم بصدد تطوير وتصميم الجيل الجديد من المفاعلات، وقد بدأت بالفعل أعمال البناء على أربع مفاعلات صغيرة ومتوسطة الحجم أو نمطية في الأرجنتين والصين وروسيا، فالصين في الوقت الراهن اتجهت نحو تشييد أكثر المفاعلات المبرَّدة بالغاز تقدماً حتى اليوم، وهو المفاعل المرتفع الحرارة النمطي (HTR-PM)، وفي هذا السياق يشير معهد تكنولوجيا الطاقة النووية ومصادر الطاقة الجديدة بجامعة شينغوا الصينية إلى أن هذا المفاعل النمطي الصغير مصمَّم لتحقيق المستوى الأمثل من كفاءة الطاقة ويُعَدُّ مثالياً لإضافة قدرات إضافية صغيرة إلى شبكات الكهرباء، كما أنه مناسب تماماً لتطبيق التوليد المشترك للطاقة والحرارة. 

أما الأرجنتين فتعكف على بناء أول نموذج لمفاعل نموذجي صغير (SMR)، تحت مسمى CAREM 25، وقد زار موقعه مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل عشرة أشهر، وتفقد المفاعل الجديد، والذي سيشمل غرفة التحكم وجميع أنظمة السلامة والتشغيل وسوف ينتج ٣٢ ميجاوات من الكهرباء وسيكون أول مفاعل نووى نمطي صغير في الأرجنتين، وله القدرة على الإغلاق تلقائياً في حال الكشف عن مشكلة ما في المفاعل.

ولروسيا تجربة رائدة في مجال المفاعلات النمطية الصغيرة، وقد نجحت مجموعة روس أتوم العالمية عبر القسم المسؤول عن إنتاج الطاقة الكهربائية والحرارية في الحصول على ترخيص من الهيئة الفيدرالية للإشراف البيئي والتكنولوجي والنووي لبناء محطة ياكوتسك للطاقة النووية منخفضة القدرة في جمهورية ساخا (ياقوتيا)، ويعتمد مشروع محطة الطاقة النووية منخفضة القدرة على أحدث الابتكارات الروسية من خلال مفاعل نووي مبرد بالماء RITM-200N، والذي نتج عن عملية تكييف التقنية المبتكرة منخفضة القدرة للمفاعلات العائمة لتصبح صالحة للعمل براً. 

وتم اختبار مفاعلات من سلسلة RITM-200 في ظل الظروف القاسية في القطب الشمالي على أحدث كاسحات الجليد الروسية والتي تفي بجميع متطلبات السلامة لمشاريع الطاقة النووية الحديثة، علماً بأن المحطة تتميز بصغر الحجم والنمطية وتقليل وقت البناء مقارنة بمحطات الطاقة النووية عالية القدرة، وخلال الوقت الراهن تسير الأعمال بخطى مدروسة ودقيقة، ومن المقرر تشغيل أول محطة أرضية للطاقة النووية منخفضة القدرة في العالم في عام 2028. 

وتوضح وكالة الطاقة الذرية أنه يجري حاليا تطوير أكثر من 70 تصميما تجارياً لمفاعلات نمطية صغيرة حول العالم، تستهدف مخرجات متنوعة وتطبيقات مختلفة، مثل الكهرباء، والتدفئة، وتحلية المياه، وتوليد البخار للتطبيقات الصناعية، ولها دور كبير جداً في دفع عمليات التنمية المستدامة للأمام، والحد من الفقر، ودعم جهود الدول النامية نحو التحرك بسرعة أكبر لتطوير مواردها، وزيادة قدرتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي ونمو القطاعات الإنتاجية والصناعية. 

المفاعلات النمطية الصغيرة تدعم قدرات الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية، التي تعتبر قاطرة التقدم الاقتصادي، نظراً لدورها في دفع عجلة الإنتاج وخلق فرص عمل للشباب، وفتح الفرصة أمام كل من يرغب في تكوين الخبرات الحقيقية عن المجالات المغذية للصناعات النووية، خاصة شركات الإنشاءات والمقاولات، خاصة أن لها دور قوي ومحوري في تشييد وبناء المفاعلات النمطية الصغيرة، وتصنيع المكونات المرتبطة بها محليا، وانعكاسات ذلك على قدرة الإنتاج المحلى كما وكيفا، لذلك يحمل التوسع في إنشاء المفاعلات النووية الصغيرة فرص كبيرة للشركات الصغيرة والمتوسطة. 

ويشير الخبراء إلى أن المفاعلات النمطية الصغيرة تحمل فرصا واعدة للشركات العاملة في مجالات الشحن والخدمات بصورة مباشرة، كما أنها من ناحية أخرى قادرة على خلق مجمعات صناعية متكاملة، خاصة مع مراحل الإنتاج الكمية للكهرباء المستدامة، التي يمكن من خلالها إقامة المصانع والاستثمارات المتنوعة، واستغلال الموارد بالصورة المناسبة، التي تنعكس بطريقة واضحة على زيادة معدلات دخل الفرد، وحصته من الناتج القومي الإجمالي، وتأثيرات ذلك على تراجع معدلات البطالة، التي تعتبر التحدي الأكبر أمام دول العالم الثالث بشكل عام، ودول القارة الأفريقية بوجه خاص.

Short Url

showcase
showcase
search