الإثنين، 10 مارس 2025

02:26 ص

«هروب العلامات التجارية» إغلاق المتاجر الفاخرة يضرب الاقتصاد الصيني

الأحد، 09 مارس 2025 07:00 م

العلامات التجارية

العلامات التجارية

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

تواجه صناعة التجزئة الفاخرة في الصين تحديات كبيرة، وهو ما دفع العديد من العلامات التجارية العالمية الكبرى إلى إعادة النظر في استراتيجياتها داخل السوق الصيني.

قررت بعض العلامات التجارية البارزة مثل "غوتشي" و"برادا" إغلاق متاجرها في المدن الكبرى بالصين، مما يعكس التغيرات الكبيرة في سلوك المستهلك الصيني وتداعياتها على الاقتصاد المحلي.

كما تؤثر هذه التغيرات على صناعة التجزئة بشكل كبير، بينما لا تزال المحللين يراقبون الوضع ويطرحون تساؤلات حول ما إذا كان هذا الانسحاب بداية لانخفاض أكبر في سوق السلع الفاخرة في الصين.

تداعيات تراجع مبيعات السلع الفاخرة في الصين

بدأت بعض العلامات التجارية الكبرى مثل "غوتشي" و"برادا" في إغلاق بعض متاجرها في المدن الكبرى بالصين، وأغلقت مجموعة السلع الفاخرة الفرنسية "كيرينج" متجرين لـ"غوتشي" في شنغهاي في الشهر الماضي.

بينما أغلقت "برادا" متجرها في مطار هونجتشياو الدولي في نفس المدينة، مما يعكس تراجع مبيعات السلع الفاخرة في الصين.

وتأتي هذه التحركات بعد سلسلة من الإغلاقات في الربع الرابع من العام الماضي، حيث سجلت العلامات التجارية مثل لويس فيتون، شانيل، وتيفاني آند كو وبولغاري إغلاقات مماثلة في السوق الصيني، كما تراجعت مبيعات السلع الفاخرة في السوق الصيني بشكل ملحوظ، مما أثار القلق بين المستثمرين والمحللين.

أشار بعض المحللين إلى أن هناك مجموعة من العوامل التي أدت إلى هذا التراجع، حيث صرحت جيلينا سوكولوفا، المحللة في شركة مورنينج ستار، بأن الانخفاض الكبير في المبيعات في البر الرئيسي للصين لا يقتصر فقط على معنويات المستهلكين المتشائمة، بل يعكس أيضًا الزيادة في تسوق الصينيين في الخارج.

حيث أصبح العديد من المواطنين الصينيين يفضلون شراء السلع الفاخرة في أسواق أخرى خارج الصين، مما أثر بشكل كبير على المبيعات داخل السوق المحلي.

إجراءات تحفيزية وصعوبات اقتصادية

وضعت الحكومة الصينية إجراءات تحفيزية لمحاولة مواجهة هذا التراجع، حيث خصصت الحكومة إعانات إضافية لشراء السلع الاستهلاكية لهذا العام بمبلغ 300 مليار يوان (41.4 مليار دولار أمريكي)، لتشجيع الاستهلاك المحلي.

كما أعطت الصين الأولوية لمهمة "تعزيز الاستهلاك" ضمن خططها السياسية، والتي تهدف إلى تحفيز الإنفاق المحلي وتشجيع حركة الشراء في الأسواق الصينية.

ورغم هذه المحاولات، إلا أن تراجع الإنفاق المحلي لا يزال يؤثر بشكل كبير على الأداء العام لصناعة السلع الفاخرة في الصين.

أظهرت تقارير شركة الاستشارات باين آند كو، الصادرة في يناير، أن ضعف الإنفاق المحلي وارتفاع تسوق الصينيين في الخارج ساهم في انخفاض مبيعات السلع الفاخرة في الصين بنسبة تتراوح بين 18% إلى 20% العام الماضي.

كانت مبيعات المجوهرات والساعات من الفئات الأكثر تأثرا بهذا الانخفاض، حيث اتجه المستهلكون إلى الاستثمار في الأصول التي تحتفظ بقيمتها.

وفي ظل هذا التوجه، أصبح العديد من الصينيين يتجنبون الإنفاق على السلع الفاخرة غير الضرورية، ويفضلون شراء أصول أكثر استدامة وقيمة.

تسهم محنة قطاع التجزئة الفاخرة في التأثير على سوق العقارات أيضًا، حيث يعاني مطورو العقارات وملاكها في الصين من ركود طويل الأمد.

كما يسهم العرض الزائد للعقارات والمعدلات المرتفعة للشغور في تأزم الوضع، حيث من المتوقع أن ترتفع معدلات الشغور في 11 مدينة رئيسية في الصين إلى 10.5% هذا العام، وفقًا لشركة سافيلز للاستشارات العقارية.

تزايد الشغور في الأسواق التجارية نتيجة لتراجع الطلب على التجزئة الفاخرة يضع عبئًا إضافيًا على سوق العقارات، الذي يعاني بالفعل من مشاكل هيكلية.

التأثير على الاستهلاك والتوجهات الجديدة

من جهتها، ما زال لدى المستهلكين الصينيين مدخرات ضخمة يمكنهم الاستفادة منها للإنفاق على السلع الكمالية، على عكس نظرائهم الغربيين الذين استنفدوا مدخراتهم بسبب الجائحة.

ورغم أن الإنفاق على السلع الفاخرة قد تراجع، إلا أن بعض المحللين يتوقعون تعافي هذا الإنفاق بحلول العام الجاري.

تتوقع المحللة جيلينا سوكولوفا أن يتعافى الإنفاق على السلع الفاخرة في الصين بنسبة 20% هذا العام، في ظل وجود قوة شرائية كبيرة في أيدي المستهلكين الصينيين.

لا يتوقف التحول في سلوك المستهلكين على السلع الفاخرة فحسب، بل يشمل أيضًا تحولًا في تفضيلاتهم الاستهلاكية.

أشار بعض الخبراء إلى أن الصينيين بدأوا يتحولون بشكل متزايد إلى المنتجات الرياضية والترفيهية بدلًا من السلع الفاخرة التقليدية.

تعكس البيانات الرسمية ذلك، حيث يظهر أن الإنفاق على الرياضة والترفيه قد نما بنسبة 11.1% في حين أن فئة الملابس والسلع الفاخرة نمت بنسبة ضئيلة تبلغ 0.3% فقط في عام 2024.

التحديات المستقبلية

ستستمر العلامات التجارية الفاخرة الكبرى في التحفظ عند فتح متاجر جديدة في الصين، خاصة مع وجود الكثير من العقبات التي تجعلها تعيد التفكير في استراتيجياتها.

أشار فينسنت لي، رئيس أبحاث شمال الصين في سافيلز، إلى أن هذه العلامات التجارية حذرة جدًا بشأن اتخاذ قرارات فتح المتاجر الجديدة أو الانسحاب.

فوجود هذه التحديات يجعل قرار الانسحاب أمرًا لا يمكن تجاهله، بل يشير إلى أن الشركات تواجه عقبات اقتصادية واجتماعية يصعب التغلب عليها.

ختامًا: تظل صناعة السلع الفاخرة في الصين أمام تحديات غير مسبوقة، كما إن انسحاب بعض العلامات التجارية الفاخرة من السوق يعكس صعوبة الظروف الاقتصادية الراهنة، التي تشتمل على تراجع الإنفاق المحلي وزيادة التسوق في الخارج، إضافة إلى تفضيلات المستهلكين التي تتغير بسرعة.

في الوقت ذاته، تسعى الحكومة الصينية لتحفيز الاستهلاك المحلي وتحقيق استقرار السوق من خلال تقديم إعانات وقرارات سياسية مشجعة.

ومع ذلك، تظل علامات الاستفهام كبيرة حول قدرة السوق الصيني على استعادة زخم النمو الذي كان يتمتع به في السابق، في ظل التغيرات الهيكلية التي تواجه السوق.

Short Url

showcase
showcase
search