الخميس، 06 مارس 2025

09:11 م

«كنز بوتين المخفي» الروبل يكتب فصلًا جديدًا في الاقتصاد العالمي

الأربعاء، 05 مارس 2025 12:33 م

بوتين والروبل الروسي

بوتين والروبل الروسي

تحليل/ عبد الرحمن عيسى

شهد الروبل الروسي قفزة استثنائية في 2025، حيث أصبح العملة الأفضل أداءً عالميًا بعد ارتفاعه بأكثر من 20% منذ بداية العام.

هذا الارتفاع اللافت كان له تأثير ملحوظ على الأسواق المالية الروسية والعالمية، في وقت تتزايد فيه التكهنات حول السبب الرئيسي لهذا الارتفاع والمستقبل المتوقع للروبل.

في هذا التحليل نكشف العوامل التي ساهمت في صعود العملة الروسية، ونقيّم مدى استدامة هذا النمو، مع التركيز على التأثيرات الاقتصادية والجيوسياسية المرتبطة بهذا التحول.

الروبل أمام الدولار

يشهد الروبل الروسي اليوم تداولًا عند مستوى 0.011 دولار أمريكي، أي ما يعادل تقريبًا 0.57 جنيه مصري. هذا السعر يعكس الوضع الحالي للعملة الروسية في الأسواق العالمية، حيث يعكس التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية التي تؤثر على سعر الروبل.

كما يُعتبر هذا السعر مؤشرًا مهمًا على قدرة العملة الروسية على الصمود أمام العوامل الاقتصادية العالمية، وخاصة في ظل التحديات المستمرة مثل العقوبات الغربية والحرب الأوكرانية.

العوامل المحركة لصعود الروبل الروسي

بدايةً، يعزى الارتفاع الكبير للروبل إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها التوقعات بتحقيق تقدم في مسار إنهاء الحرب الأوكرانية، إضافة إلى تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

حفزت هذه التوقعات عمليات شراء واسعة النطاق للأصول الروسية، ما دفع الروبل إلى التحليق لأعلى مستويات له.

علاوة على ذلك، فإن السوق الروسية، سواء في مجال الطاقة أو الأسهم، شهدت نموًا ملحوظًا، مما عزز من ثقة المستثمرين في الاقتصاد الروسي وأدى إلى زيادة الطلب على الروبل.

الاستثمارات في الأصول الروسية

لم تقتصر آثار صعود الروبل على العملة فقط، بل امتدت أيضًا إلى سوق الأسهم الروسية التي سجلت ارتفاعًا بنسبة 10%.

كذلك، حققت أسهم الشركات المرتبطة بالاقتصاد الروسي، مثل بعض البنوك النمساوية، مكاسب هائلة تجاوزت 35%، نتيجة زيادة الإقبال الاستثماري.

تشير هذه المكاسب إلى أن المستثمرين قد بدأوا في إعادة تقييم الوضع الاقتصادي الروسي إيجابيًا، مما يعزز التكهنات بأن الاقتصاد الروسي قد يستعيد جزءًا من زخمه في حال استمرار هذا التحسن.

محركات الازدهار الاقتصادي الروسي

تعد صادرات الطاقة من أبرز العوامل التي تقف وراء الأداء القوي للاقتصاد الروسي في هذه الفترة، فقد بلغ إنتاج النفط الروسي في عام 2024 نحو 9.1 مليون برميل يوميًا، بينما سجل إنتاج الغاز الطبيعي حوالي 685 مليار متر مكعب.

تمثل هذه الأرقام دليلًا على قوة قطاع الطاقة الروسي وقدرته على دعم الاقتصاد الروسي في مواجهة التحديات الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الشراكات التجارية مع الصين، والتي بلغت قيمتها 244 مليار دولار، ساعدت على تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الروسي، وجعلت من روسيا شريكًا تجاريًا محوريًا في الاقتصاد العالمي.

تباطؤ النمو وتداعيات الفائدة المرتفعة

على الرغم من المؤشرات الإيجابية، فإن هناك تحذيرات من تباطؤ النمو الاقتصادي في روسيا في عام 2025، حيث من المتوقع أن ينخفض إلى 1.4% مقارنة بـ 4.1% في 2024.

ويعزى هذا التباطؤ إلى ارتفاع معدلات الفائدة، التي بلغت 12%، وهو ما قد يعوق الاستثمارات ويحد من الزخم الاقتصادي الذي بدأ في التبلور مؤخرًا.

كما يؤكد المحللون أن الفائدة المرتفعة قد تخلق عقبة أمام الاستثمارات، ما يعزز من المخاوف حول استدامة النمو الذي حققه الروبل في الفترة الأخيرة.

هل الارتفاع الحالي مدعوم بتحولات اقتصادية حقيقية؟

أشار مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، إلى أن الارتفاع الكبير في الروبل قد يكون محكومًا بالمضاربات أكثر من كونه نتيجة لتحولات اقتصادية جوهرية وطويلة الأمد.

وفي حديثه، أضاف أن الأسواق غالبًا ما تميل إلى التسعير السريع للأحداث، وهو ما يعني أن الارتفاع الذي شهدته العملة الروسية قد لا يكون مستدامًا.

علاوة على ذلك، فإن العقوبات الغربية التي لا تزال سارية تشكل عائقًا كبيرًا أمام التعافي الكامل للاقتصاد الروسي، حيث تواصل روسيا العيش في عزلة عن النظام المالي العالمي، مثل منظومة التحويلات الدولية "SWIFT".

الاستثمارات الغربية: هل العودة ممكنة؟

تظل مسألة عودة الاستثمارات والشركات الغربية إلى روسيا مرتبطة بالتطورات السياسية في المنطقة، كما يرى سلهب أن الشركات التي انسحبت من السوق الروسية لم تكن قراراتها اقتصادية فقط، بل سياسية أيضًا.

مشيرًا إلى أن عودة هذه الشركات مرهونة بتغيير الموقف الغربي تجاه موسكو، وبالنظر إلى تصريحات ترامب الأخيرة، التي تشير إلى إمكانية حدوث تقدم في المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، فقد تكون هذه فرصًا لإعادة بعض الشركات الغربية تدريجيًا إلى السوق الروسية في المستقبل.

العملات المشفرة وتحديات جديدة للنظام المالي الدولي

في ظل التحولات الاقتصادية الجارية، يشير سلهب أيضًا إلى تأثير القرارات الأميركية المرتقبة بشأن تنظيم العملات المشفرة على الأسواق العالمية.

إذا اعتمدت الولايات المتحدة سياسات داعمة للعملات المشفرة مثل البيتكوين والإيثيريوم، فقد تشهد الأسواق موجة جديدة من الاستثمارات في هذا القطاع.

وهذا قد يؤدي إلى تحديات جديدة أمام هيمنة الدولار على النظام المالي الدولي، مما يعكس تحولًا كبيرًا في التعاملات المالية على مستوى العالم.

الروبل بين الفرصة والمخاطرة

رغم الأداء القوي للروبل في الفترة الحالية، لا يزال من الصعب التنبؤ بما إذا كان هذا الارتفاع سيستمر على المدى الطويل. 

ويشير العديد من المحللين إلى أن هذا الصعود قد يكون مجرد موجة مؤقتة مدفوعة بالمضاربات، في حين يرى آخرون أن هذا الارتفاع يعكس تحولًا حقيقيًا في الاقتصاد الروسي نتيجة لتغيرات سياسية وجيوسياسية كبيرة.

ويبقى السؤال حول ما إذا كان هذا الارتفاع يمثل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار الاقتصادي في روسيا أم لا.

ختامًا: يبدو أن صعود الروبل الروسي في 2025 يمثل نقطة تحول هامة في الاقتصاد الروسي، لكن هذا التحول لا يخلو من المخاطر.

وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية بشأن النمو، إلا أن العقوبات الغربية المستمرة والتحديات السياسية قد تقف عائقًا أمام استدامة هذا النمو.

كما تتطلب المرحلة المقبلة من روسيا العديد من الإجراءات الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى حلحلة الأزمة الأوكرانية، لضمان استقرار طويل الأمد في الاقتصاد الروسي.

Short Url

showcase
showcase
search