تجاوزت 31 تريليون دولار، التجارة العالمية بين التحديات والفرص، مسار متقلب نحو التعافي

الإثنين، 03 مارس 2025 08:26 م

التجارة العالمية

تحليل/كريم قنديل

تمثل التجارة العالمية أحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي العالمي، حيث تسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول، وزيادة الاستثمارات، وخلق فرص العمل، ومع ذلك واجهت التجارة العالمية خلال السنوات القليلة الماضية العديد من التحديات التي أثرت على معدلات نموها، بما في ذلك تداعيات جائحة كوفيد-19، والتوترات الجيوسياسية، والتباطؤ الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة.

تعد التجارة العالمية قاطرة مهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث تقوم بدور كبير سواء لتوفير أسواق لتصريف المنتجات العالمية أو توفير الاحتياجات الأساسية للدول، كما تسهم التجارة العالمية في رفع مستوى المعيشة وزيادة الاستثمارات وتوفير فرص العمل وتعزيز التكامل بين دول العالم.

وتعرضت التجارة العالمية خلال السنوات القليلة الماضية إلى الكثير من الأزمات سواء على الجانب السياسي أو الاقتصادي، إلا أنها ما زالت تلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد العالمي، بل هى الركيزة الأساسية التي يقوم عليها، وفي ضوء ذلك يسلط هذا التقرير الضوء على آفاق واتجاهات التجارة العالمية وتحدياتها.

اتجاهات التجارة العالمية خلال عامي 2023 و2024

شهدت التجارة العالمية في عام 2023 انخفاضًا بنسبة 3% مقارنة بعام 2022، حيث بلغت قيمتها الإجمالية 31 تريليون دولار، ويعزى هذا الانخفاض إلى ضعف الطلب في الاقتصادات المتقدمة، وتراجع مستويات التجارة في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، وكان الانكماش أكثر وضوحًا في قطاع السلع، الذي سجل تراجعًا بنسبة 5%، في حين تمكن قطاع الخدمات من النمو بنسبة 8%، مدفوعًا بازدهار السياحة والخدمات المرتبطة بالسفر.

على الرغم من هذا الانخفاض العام، شهدت بعض القطاعات تحسنًا ملحوظًا، أبرزها تجارة المنتجات البيئية التي نمت بنسبة 2%، مدفوعة بزيادة بنسبة 60% في تجارة المركبات الكهربائية.

مع دخول عام 2024، تحولت اتجاهات التجارة إلى الإيجابية، حيث سجلت قيمة التجارة في السلع زيادة بنسبة 1% على أساس ربع سنوي، وارتفعت تجارة الخدمات بنسبة 1.5%. وكان هذا النمو مدفوعًا بزيادة الصادرات من الصين (9%)، والهند (7%)، والولايات المتحدة (3%)، بينما لم تحقق أوروبا أي نمو، وشهدت إفريقيا انخفاضًا بنسبة 5% في الصادرات.

الدول النامية والعبء الأكبر

العبء الأكبر الناتج من هذا التباطؤ يقع على عاتق الدول النامية؛ حيث شهدت تلك الدول انخفاضا حادًا في التجارة، وانخفضت وارداتها وصادراتها بنسبة 5% و7% على الترتيب، مقارنة بانخفاض بنسبة 4% في الواردات و3% في الصادرات بالنسبة للدول المتقدمة، كما شهدت أغلب المناطق نموًا سلبيًّا في التجارة عام 2023، وكان الاستثناء هو الزيادة الكبيرة في التجارة داخل إفريقيا.

وعلى الرغم من الانخفاض العام، فإن عام 2023 شهد ارتفاعًا بنسبة 2% في تجارة المنتجات البيئية، مدفوعا في المقام الأول بارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية، حيث سجلت تجارة المركبات الكهربائية نموًا بنسبة %60، مما يسلط الضوء على تغير متطلبات السوق وتفضيلاتها.

أبرز التحديات أمام التجارة العالمية

على الرغم من التعافي الجزئي في عام 2024، لا تزال التجارة العالمية تواجه تحديات كبيرة، من بينها:

التوترات الجيوسياسية: استمرار النزاعات التجارية بين الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، يؤثر على تدفقات التجارة العالمية.

التحولات في أنماط التجارة: ازدياد الاعتماد على الأنظمة التجارية الثنائية والإقليمية بدلاً من الاتفاقيات متعددة الأطراف، مما يؤدي إلى تفاوت القواعد والمعايير.

ارتفاع تكاليف الشحن: نتيجة لأزمات سلاسل الإمداد وتأثير السياسات الصناعية الجديدة، مما يفرض أعباء إضافية على الدول النامية.

تغيرات الطلب العالمي: تأثر التجارة العالمية بتحولات الأسواق، مثل تزايد الاهتمام بالطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية.

دور مصر في التجارة العالمية

تلعب مصر دورًا محوريًا في التجارة العالمية نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز الذي يربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا. ومن بين أبرز العوامل التي تعزز دور مصر:

قناة السويس: تُعد القناة واحدة من أهم الممرات البحرية العالمية، حيث تسهم في تسهيل حركة التجارة بين الشرق والغرب.

الاتفاقيات التجارية: استفادت مصر من اتفاقيات التجارة الإقليمية والدولية، مثل اتفاقية الكوميسا واتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والدول العربية.

التنويع الصناعي والتجاري: تعمل مصر على تطوير البنية التحتية الصناعية والتكنولوجية لتعزيز قدراتها التصديرية، لا سيما في القطاعات الناشئة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.

التجارة الثنائية بين الدول

شهد العالم في السنوات الأخيرة تزايدًا في التقلبات التجارية، نتيجة للعديد من التحديات، أبرزها توقف جهود تحرير التجارة المتعددة الأطراف، وانتشار أنظمة التجارة الثنائية والإقليمية، ورغم أن هذه الأنظمة توفر فرصًا استثمارية واعدة، خاصة في الأسواق الناشئة، فإنها تؤدي أيضًا إلى تباين في المعايير وقواعد المنشأ، إلى جانب التعقيدات الجمركية وغير الجمركية.

وفي ظل هذه التغيرات، شهدت التجارة الثنائية بين الدول نموًا ملحوظًا، حيث أصبح من المعتاد أن تصدر الدول السلع إلى شريك تجاري معين وتستورد منه في الوقت ذاته، كما تعاظمت أهمية التجارة بين دول الجنوب، مع لعب الصين دورًا محوريًا في هذا الاتجاه خلال العقدين الماضيين. فقد تحولت الصين إلى الشريك التجاري الأهم لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يستقبل الاقتصاد الصيني نحو 20% من صادرات المنطقة، فيما تأتي 16% من واردات إفريقيا من الصين.

وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، بلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين ودول إفريقيا جنوب الصحراء مستوى قياسيًا، مسجلًا 282 مليار دولار في عام 2023، مما يعكس عمق الروابط الاقتصادية المتزايدة بين الجانبين.

آفاق ومستقبل التجارة العالمية

وفقًا للتوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، يُتوقع أن تنمو التجارة العالمية بنسبة تتراوح بين 2.6% و3.3% خلال عامي 2024 و2025، وتشير التقديرات إلى أن إفريقيا قد تحقق أسرع معدل نمو للصادرات بنسبة 5.3%، تليها أمريكا الشمالية 3.6%، والشرق الأوسط 3.5%، وآسيا 3.4%.

ومع ذلك، فإن استمرار التوترات الجيوسياسية وارتفاع تكاليف النقل قد يؤثر على توقعات النمو. لذا، من الضروري أن تتبنى الدول، خاصة النامية منها، سياسات اقتصادية وتجارية مرنة تتيح لها التكيف مع المتغيرات العالمية، وتعزز قدرتها على الاستفادة من الفرص المتاحة.

تشير الاتجاهات الحالية إلى أن التجارة العالمية في طريقها للتعافي، ولكن بوتيرة معتدلة، وتظل مصر لاعبًا رئيسيًا في المشهد التجاري العالمي، نظرًا لدورها الاستراتيجي ومكانتها في الأسواق الإقليمية والدولية، كما أن تبني سياسات تجارية مستدامة، وتحسين البنية التحتية التجارية، وتعزيز التعاون الدولي، كلها عوامل من شأنها أن تساعد على تحقيق نمو مستدام للتجارة العالمية خلال السنوات المقبلة.

Short Url

أخبار متعلقة