الإثنين، 03 مارس 2025

08:30 م

«فانوس رمضان» حكاية ضوء عمرها ألف عام، ما قصته الحقيقية؟

الإثنين، 03 مارس 2025 01:14 م

فانوس رمضان

فانوس رمضان

كتب/ عبد الرحمن عيسى

يعتبر فانوس رمضان من أبرز الطقوس الرمضانية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمظاهر الشهر الفضيل في مصر، ومع حلول كل رمضان، تتزين الشوارع المصرية بالفوانيس بأشكالها وألوانها المتنوعة، ليعكس هذا التقليد الشعبي جزءًا من تراث مصر الثقافي والديني.

كما يعبر الفانوس عن الكثير من الذكريات الطيبة والتقاليد التي طالما ارتبطت بحلول شهر رمضان، ونتناول في هذا الموضوع تاريخ ظهور الفانوس، وتطوره عبر العصور، وعلاقته بمجموعة من العوامل الاجتماعية والثقافية التي جعلته جزءًا لا يتجزأ من طقوس شهر رمضان.

نشأة الفانوس وتاريخه في مصر

تعني كلمة "فانوس" في الأصل "وسيلة للإضاءة" وهي كلمة إغريقية كانت تستخدم للإشارة إلى المصابيح والمشاعل.

يعود أصل الفانوس إلى حقبة الدولة الفاطمية، التي شهدت ظهور هذا الطقس الرمضاني لأول مرة في مصر، ليحمل بين طياته قصة تداخلت مع التاريخ المصري والإسلامي.

وتشير الروايات إلى أن الفانوس لم يكن مجرد أداة للإضاءة في البداية، بل أصبح رمزًا من رموز الاحتفال بشهر رمضان، حيث ارتبط بدخول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله القاهرة في السابع من رمضان عام 362 هجريًا (972 ميلاديًا).

عند وصول المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة، خرج المصريون في موكب جماهيري حاشد لاستقباله عند مشارف القاهرة.

وحمل الناس في أيديهم المشاعل والفوانيس المضيئة لإضاءة الطريق، وتفاعلوا مع هذا الحدث المهم في التاريخ المصري بشعور من الفرحة والاحتفال.

ومنذ تلك اللحظة، تحول استخدام الفوانيس إلى تقليد رمضاني متجذر في المجتمع المصري، وظل الفانوس جزءًا أساسيًا من احتفالات الشهر الفضيل، حتى أصبح سمة مميزة للشوارع في ليالي رمضان.

الفانوس في عهد الحاكم بأمر الله

وقد أضافت فترة حكم الحاكم بأمر الله الفاطمي بعدًا اجتماعيًا جديدًا للفانوس، فكانت هناك قوانين في عهد الحاكم تمنع النساء من الخروج ليلًا، إلا في رمضان، وكان يُسمح لهن بالخروج في حدود معينة، على أن يتقدمهن صبي صغير يحمل فانوسًا مضاءً ليُعلم المارة بأن امرأة تسير في الطريق، مما يساعدهم على فسح الطريق لها.

وكان لهذا التقليد طابع رمزي، حيث أصبح الفانوس مرتبطًا بالخروج الليلي للنساء في رمضان، وهو ما أضفى عليه طابعًا اجتماعيًا وجماليًا في تلك الحقبة.

تطور الفانوس من وظيفته إلى عنصر ترفيهي

بالرغم من أن الفانوس كان في البداية يُستخدم كأداة للإضاءة، إلا أنه مع مرور الوقت تحول إلى عنصر ترفيهي يعبر عن فرحة الأطفال في شهر رمضان.

وكانت أحد مظاهر الاحتفال التي عرفها المصريون في ذلك الوقت، هي قيام الأطفال بالتجول في الشوارع وهم يحملون الفوانيس الصغيرة، ويغنون أغاني رمضان الشهيرة مثل “وحوي يا وحوي”.

كما كان الأطفال يطلبون الحلوى من المنازل، مما جعل الفانوس جزءًا لا يتجزأ من أجواء الفرح والتسلية التي تصاحب شهر رمضان.

الفانوس وعلاقته مع المسحراتي

ارتبط الفانوس أيضًا بعادة المسحراتي، حيث كان المسحراتي يتجول في الأحياء أثناء الليل من أجل إيقاظ الناس لتناول السحور.

وفي بعض الأحيان، كان يحمل الفانوس أثناء تجواله، مما أضاف عنصرًا بصريًا للجولات الليلية التي قام بها المسحراتي.

ومع مرور الزمن، أصبح الفانوس رمزًا لليالي رمضان، حيث لا تخلو الشوارع من الفوانيس المضاءة التي تزين الأجواء الرمضانية وتبعث البهجة في النفوس.

الفانوس في القاهرة الفاطمية

شهدت فترة حكم الفاطميين ازدهارًا كبيرًا في صناعة الفوانيس، فكان الخليفة الفاطمي يأمر بتعليق الفوانيس في المساجد والشوارع لإضاءة الطريق وتزيين الأحياء.

حيث أصبحت الفوانيس جزءًا من الطقوس اليومية طوال شهر رمضان، وقد أُصدر مرسوم من الخليفة بتعليق فانوس أمام كل منزل، مع فرض غرامات على من لا ينفذ ذلك، وساعد هذا المرسوم في تعزيز فكرة الفانوس كرمز للاحتفال بشهر رمضان.

الفانوس عبر العصور

بدأت صناعة الفوانيس في العصور القديمة باستخدام مواد بسيطة مثل الصفيح الرخيص، لكن مع مرور الوقت، تطورت هذه الصناعة، وأصبح الفانوس يمثل فنًا تقليديًا يعكس الإبداع الحرفي للمصنعين.

ثم استخدم الحرفيون مواد مثل النحاس والزجاج الملون لتصنيع الفوانيس، مع تزيينها بالنقوش والزخارف اليدوية التي تمنح الفوانيس طابعًا فنيًا فريدًا.

وفي العصر الحديث، تغيرت المواد المستخدمة لصنع الفوانيس، ليشمل ذلك الخشب والنحاس والبلاستيك والقماش.

كما تطورت أحجام الفوانيس، التي كانت في البداية صغيرة الحجم، إلى فوانيس ضخمة وجميلة تزين الشوارع والمنازل.

وتغيرت أيضًا وسائل الإضاءة في الفوانيس، حيث انتقلت من الشموع إلى الفتيل والزيت، ثم إلى الكهرباء، مما أتاح استخدام الفوانيس بشكل أكبر وأوسع في الشوارع والمنازل.

الرمزية الثقافية والدينية للفانوس

لا يزال الفانوس يمثل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية والدينية لشهر رمضان في مصر، حيث يعتبر الفانوس أكثر من مجرد مصدر للضوء أو زينة، بل يحمل رمزية دينية واجتماعية عميقة.

فهو يرمز إلى نور الهداية في شهر رمضان، ويجسد البهجة والفرحة التي يشهدها المسلمون في هذا الشهر الكريم، بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الفانوس بقيم التراحم والتضامن الاجتماعي، حيث يتجمع الأطفال في الشوارع وهم يحملون الفوانيس، مما يعكس روح الجماعة والاحتفال بمناسبة دينية عظيمة.

الفانوس في العصر الحديث

في العصر الحديث، لم يعد الفانوس مجرد وسيلة إضاءة أو زينة للشوارع فحسب، بل أصبح عنصرًا من عناصر الترفيه والإبداع الفني ورمز من رموز الشهر الكريم.

وعلى الرغم من تقدم التكنولوجيا، لا يزال الفانوس يحمل قيمته الرمزية في الثقافة المصرية، حيث يستمر المصريون في اقتنائه وتزيين المنازل به في كل رمضان.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح هناك اهتمام متزايد بصناعة الفوانيس اليدوية ذات الطابع الفلكلوري والتقليدي، التي تزين المنازل والشوارع في الأحياء الشعبية.

ختامًا: يمكن القول إن فانوس رمضان لا يمثل مجرد زينة تقليدية للشوارع والمنازل في مصر، بل هو رمز عريق يمتد بجذوره إلى التاريخ المصري، مرتبطًا بشهر رمضان والمناسبات الدينية والاجتماعية التي يمر بها المسلمون.

ومن خلال تطوراته العديدة عبر العصور، نجح الفانوس في الحفاظ على مكانته كرمز للفرحة والتجمع العائلي، ليظل جزءًا لا يتجزأ من طقوس شهر رمضان في مصر وفي مختلف البلدان العربية.

ومن خلال استعراض تاريخ الفانوس وتحولاته عبر العصور، نلاحظ كيف أن هذا التقليد الذي بدأ كوسيلة لإضاءة الطريق، قد أصبح مع مرور الوقت عنصرًا ثقافيًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأجواء رمضان.

وتطورت صناعته لتصبح جزءًا من التراث الفني والحرفي الذي يُحتفى به في كل عام، مستمرًا في إضاءة ليالي رمضان بنوره الخاص.

Short Url

showcase
showcase
search