تعرف على العوامل التي ساعدت الصادرات الروسية في التخفيف من أثر العقوبات
الإثنين، 24 فبراير 2025 12:35 م

علم روسيا
تحليل/ كريم قنديل
على مدار ثلاث سنوات من الحرب والعقوبات الغربية المتزايدة، ظل الاقتصاد الروسي موضع اهتمام عالمي، إذ واجه ضغوطًا غير مسبوقة وأعاد رسم خريطته التجارية، محاولًا الصمود في وجه التحديات.
ورغم العقوبات الصارمة، أظهرت موسكو مرونة نسبية، مستفيدة من قنوات بديلة وتحالفات اقتصادية جديدة، لكن هذه المسيرة لم تكن سهلة، حيث دخلت البلاد في سباق محموم للحفاظ على توازنها المالي.

قطاع الدفاع كمحرك اقتصادي
في ظل هذه التحولات، برز الإنفاق العسكري كعامل رئيسي في دفع عجلة الاقتصاد الروسي. فقد أسهمت الاستثمارات الضخمة في قطاع الدفاع في خلق فرص عمل واسعة، وإن كانت ذات طابع مؤقت.
أدى هذا التوسع إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6% خلال العامين الماضيين، وفقًا لتقارير صندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، فإن هذا النمو المستند إلى الإنفاق العسكري يطرح تساؤلات حول استدامته في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة.
اقتصاد متأرجح بين العقوبات والصمود
رغم العقوبات الغربية الواسعة، استمرت المصانع الروسية في العمل، مستفيدة من تدفق الأموال الناتجة عن مبيعات النفط عبر ما يُعرف بـ"أسطول الظل"، إضافةً إلى عائدات الغاز الطبيعي والمعادن.
ورغم أن العديد من الدول الأوروبية أوقفت شراء النفط الروسي، إلا أن الصين والهند أصبحتا الوجهتين الرئيسيتين للصادرات الروسية، حيث بلغت حصتهما مجتمعة نحو 50% من إجمالي صادرات روسيا بحلول نهاية عام 2023، بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز 16% في 2021.

في المقابل، تقلّصت حصة الدول الأوروبية من الصادرات الروسية إلى نحو 15% فقط، مقارنةً بنحو 50% قبل الحرب. كما اتجهت روسيا إلى تعزيز علاقاتها مع دول آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، مما ساعدها على تجاوز بعض آثار العقوبات.
ولكن على الرغم من ذلك، فإن هذا التحول لم يكن كافيًا لتعويض الخسائر الناتجة عن فقدان الأسواق الأوروبية، حيث أن الأسعار التفضيلية التي تمنحها روسيا للصين والهند تقلل من هوامش الربح.
العقوبات.. إلى متى الصمود؟
يشير العديد من المحللين إلى أن العقوبات الغربية على روسيا ليست عقوبات دولية ملزمة، إذ لم تصدر عن مجلس الأمن، مما جعل من الممكن لموسكو إيجاد بدائل تجارية، فقد نجحت روسيا في استيراد العديد من المنتجات الغربية عبر آلية "الاستيراد الموازي" ومن خلال دول أخرى مثل الصين وتركيا.
ومع ذلك، فإن العقوبات لا تزال تلقي بثقلها على الاقتصاد الروسي، خاصةً مع ارتفاع التضخم وضعف العملة المحلية.
فعلى الرغم من نمو الأجور بنسبة 19% في 2024، ارتفع التضخم الأساسي بشكل كبير، ما دفع البنك المركزي الروسي إلى رفع أسعار الفائدة.
إلا أن هذه الإجراءات لم تؤدِ إلى انخفاض التضخم، مما يثير مخاوف من دخول الاقتصاد الروسي في مرحلة "الركود التضخمي".

أزمة العمالة.. معضلة جديدة
إلى جانب التضخم وضعف الروبل، يواجه الاقتصاد الروسي تحديًا آخر يتمثل في أزمة العمالة، فقد بلغ معدل البطالة أدنى مستوياته عند 2.3%، لكن ذلك يعود جزئيًا إلى تقلص الفئة العمرية العاملة بمعدل مليون شخص سنويًا، إضافةً إلى انخفاض الهجرة العمالية.
ويؤدي هذا النقص إلى صعوبات في توظيف العمالة اللازمة لدعم الصناعات المختلفة، مما يحدّ من قدرة الاقتصاد على النمو المستدام.
إضافة إلى ذلك، فإن التجنيد الإجباري واستمرار الحرب في أوكرانيا قد ساهما في نقص الأيدي العاملة في العديد من القطاعات، لا سيما قطاعي التكنولوجيا والصناعة.
وقد دفع ذلك بعض الشركات الروسية إلى البحث عن حلول بديلة، مثل الاعتماد على الروبوتات والذكاء الاصطناعي لتعويض النقص البشري.

الإنفاق العسكري وأثره على الاقتصاد
وفقًا لتقارير اقتصادية، فإن الإنفاق العسكري الروسي خلال الفترة 2022-2024 قدّر بحوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
ورغم أن هذا الإنفاق أدى إلى تحفيز النمو الاقتصادي، إلا أنه بلغ حدوده القصوى مع انخفاض البطالة وظهور أزمة في سوق العمل.
كما أن استمرار تمويل الآلة العسكرية والميزانية الدفاعية قد يفرض ضغوطًا إضافية على الميزانية العامة، مما يدفع وزارة المالية الروسية إلى تقليص الإنفاق غير العسكري.
التحديات المستقبلية والمخاطر المحتملة
إلى جانب الضغوط الاقتصادية الداخلية، يواجه الاقتصاد الروسي تحديات أخرى على الساحة الدولية.
فمن جهة، تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون فرض عقوبات أكثر صرامة، تستهدف بشكل خاص القطاع المالي والتكنولوجي الروسي.
ومن جهة أخرى، فإن استمرار الحرب في أوكرانيا يفرض استنزافًا طويل الأمد للموارد الاقتصادية والبشرية.
كما أن اعتماد روسيا المتزايد على الصين يشكل سيفًا ذا حدين، إذ في حين أنه يوفر لها متنفسًا اقتصاديًا، فإنه أيضًا يجعلها أكثر عرضة للتغيرات السياسية والاقتصادية في بكين.
فالصين قد تفرض شروطًا تجارية أكثر صرامة أو تستغل حاجة روسيا لزيادة نفوذها السياسي والاقتصادي داخل البلاد.

مستقبل الاقتصاد الروسي في ظل العقوبات
يبقى السؤال الرئيسي: إلى متى تستطيع روسيا الصمود في ظل الضغوط المتزايدة؟
تشير التحليلات إلى أن الاقتصاد الروسي بات أكثر اعتمادًا على الصين في الحصول على المكونات التكنولوجية والسلع الصناعية، مما يجعله عرضة لأي تغييرات محتملة في السياسة الاقتصادية الصينية. إضافةً إلى ذلك، فإن استمرار العقوبات الغربية وتصعيدها ضد الأساطيل الناقلة للنفط الروسي قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في العائدات المالية.
في هذا السياق، يرى بعض الخبراء أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تسهم في تخفيف الضغوط الاقتصادية على موسكو، إذ يتبنى ترامب موقفًا أقل عدائية تجاه روسيا مقارنةً بالإدارة الأميركية الحالية.
لكن على الرغم من ذلك، تبقى التحديات قائمة، ويظل مصير الاقتصاد الروسي مرهونًا بعدة عوامل، أبرزها أسعار النفط والعقوبات الغربية، ومدى قدرة موسكو على إيجاد بدائل اقتصادية مستدامة.
الخلاصة
رغم العقوبات الغربية غير المسبوقة، أظهر الاقتصاد الروسي قدرة على الصمود مستفيدًا من تحولات تجارية وتحالفات جديدة.
ومع ذلك، فإن هذا الصمود لا يعني غياب التحديات، حيث يواجه الاقتصاد الروسي أزمات متزايدة تتمثل في التضخم، ضعف العملة، أزمة العمالة، وضغوط الميزانية.
ويبقى المستقبل الاقتصادي لموسكو مرتبطًا بعوامل داخلية وخارجية، أبرزها تطورات الحرب في أوكرانيا، العقوبات الغربية، وأسعار الطاقة العالمية.
فهل يستمر الاقتصاد الروسي في مقاومة الضغوط، أم أن نقطة التحول الكبرى باتت وشيكة؟
Short Url
البنك الدولي يتوقع نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.7% في عامي 2025 و2026
24 فبراير 2025 02:16 م
بورصات «القارة العجوز» تتراجع ومؤشر «داكس» الألماني يفقد 0.97%
24 فبراير 2025 12:35 م
روسيا توقع مذكرة لإنشاء ميناء ومصفاة نفط في ميانمار
23 فبراير 2025 08:55 م


أكثر الكلمات انتشاراً