عمالقة التكنولوجيا يزودون جيش الإحتلال بالذكاء الاصطناعي.. هل تغير التكنولوجيا الحروب؟
الثلاثاء، 18 فبراير 2025 06:01 م

شركات التكنولوجيا الأمريكية
كتب/ كريم قنديل
كشفت تحقيقات وكالة "أسوشيتد برس" (AP) أن شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى زودت جيش الإحتلال بقدرات متطورة من الذكاء الاصطناعي والخدمات الحوسبية، ليساعدها في تعقب وقتل مزيد من عناصر المقاومة بسرعة غير مسبوقة في غزة ولبنان، لكن في المقابل، ارتفع عدد الشهداء المدنيين بشكل كبير، مما أثار مخاوف بشأن دور التكنولوجيا في إزهاق أرواح الأبرياء.

التكنولوجيا والحروب
لطالما استعانت الجيوش بشركات خاصة لتطوير أسلحة ذاتية التشغيل، لكن الحروب الأخيرة للإحتلال تمثل واحدة من أبرز الحالات التي تُستخدم فيها نماذج الذكاء الاصطناعي المصممة في الولايات المتحدة، في ساحة المعركة، وذلك على الرغم من التحذيرات بأن هذه النماذج لم تُطوَّر أساسًا لاتخاذ قرارات بشأن الحياة والموت.
يعتمد جيش الإحتلال على الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات هائلة من المعلومات الاستخباراتية والاتصالات المُعترَضة وبيانات المراقبة، بحثًا عن أنماط سلوك خاصة تكشف عن تحركات عناصر المقاومة الفلسطينية، وبعد هجوم مفاجئ شنه مقاتلو حماس في 7 أكتوبر 2023، ازداد اعتماد جيش الإحتلال بشكل كبير على تقنيات مايكروسوفت وOpenAI، وفقًا لتحقيق الوكالة، الذي استند إلى وثائق داخلية وبيانات حصرية ومقابلات مع مسؤولين حاليين وسابقين في إسرائيل وموظفين في الشركات المعنية.
الذكاء الاصطناعي .. مغير قواعد اللعبة
في أعقاب الهجوم، الذي أسفر عن مقتل نحو 1,200 شخص وأسر أكثر من 250 آخرين، تعهد جيش الإحتلال بالقضاء على حماس، ووصفت الذكاء الاصطناعي بأنه "مغير لقواعد اللعبة"، حيث يمكّنها من تحديد الأهداف بسرعة قياسية. لكن منذ اندلاع الحرب، قُتل أكثر من 50,000 شهيد في غزة ولبنان، وتعرض ما يقرب من 70% من المباني في غزة للدمار، وفقًا لوزارات الصحة في غزة ولبنان.
وتعليقًا على هذه التطورات، قالت هايدي خلاف، كبيرة علماء الذكاء الاصطناعي في معهد AI Now والمهندسة السابقة في OpenAI: "هذه هي المرة الأولى التي نحصل فيها على تأكيد مباشر بأن نماذج الذكاء الاصطناعي تُستخدم فعليًا في الحروب، وأن التداعيات خطيرة للغاية، فالتكنولوجيا قد تصبح أداة تمكّن من شن حروب غير أخلاقية وغير قانونية في المستقبل".

الإحتلال يضاعف اعتماده على الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية خلال الحرب
شهد استخدام الإحتلال للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية قفزة هائلة منذ اندلاع الحرب، حيث لعبت شركات التكنولوجيا الأمريكية، وعلى رأسها مايكروسوفت، دورًا رئيسيًا في دعم العمليات العسكرية للإحتلال .
لطالما حافظت مايكروسوفت على علاقة وثيقة بجيش الإحتلال امتدت لعقود، إلا أن هذه العلاقة تعززت بشكل غير مسبوق بعد هجوم 7 أكتوبر 2023. ووفقًا للعقيد "راخيلي ديمبينسكي"، رئيسة تكنولوجيا المعلومات بجيش الإحتلال، فإن الضغط على البنية التحتية الرقمية دفعه إلى الاعتماد بشكل أكبر على خدمات الحوسبة السحابية من شركات خارجية. وأثناء عرض تقديمي لها العام الماضي، ظهرت على الشاشة خلفها شعارات "مايكروسوفت أزور"، و"جوجل كلاود"، و"أمازون ويب سيرفيسز"، في إشارة إلى الشراكة الوثيقة بين جيش الإحتلال وهذه الشركات.
ارتفع استخدام جيش الإحتلال للذكاء الاصطناعي إلى 200 ضعف مقارنة بهجوم أكتوبر
كشف تحقيق الوكالة، ارتفاع استخدام جيش الإحتلال للذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت وOpenAI في مارس الماضي إلى ما يقارب 200 ضعف مقارنة بمستوى الاستخدام قبل هجوم أكتوبر، كما تضاعفت كمية البيانات المخزنة على خوادم مايكروسوفت بين تلك الفترة ويوليو 2024 لتصل إلى 13.6 بيتابايت، أي ما يعادل 350 ضعفًا لحجم البيانات الرقمية المطلوبة لتخزين جميع كتب مكتبة الكونغرس الأمريكية. كذلك، شهدت استخدامات الجيش الإسرائيلي لخوادم مايكروسوفت الضخمة زيادة بنسبة تقارب الثلثين خلال الشهرين الأولين من الحرب.
_1787_054045.jpg)
مايكروسوفت وOpenAI تنفيان وإسرائيل تؤكد
رفضت مايكروسوفت التعليق على التحقيق، ولم ترد على قائمة مفصلة من الأسئلة المكتوبة حول الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي التي تقدمها لجيش الإحتلال. ومع ذلك، تؤكد الشركة في بيان رسمي عبر موقعها الإلكتروني أن احترام حقوق الإنسان هو قيمة أساسية لديها، وأنها ملتزمة بدعم الدور الإيجابي للتكنولوجيا على مستوى العالم.
من جانبها، نفت OpenAI وجود شراكة مع جيش الإحتلال، مؤكدة أن سياساتها تمنع استخدام تقنياتها في تطوير الأسلحة أو إلحاق الضرر بالبشر أو تدمير الممتلكات. لكن قبل نحو عام، عدّلت الشركة شروط الاستخدام، حيث انتقلت من الحظر الصريح للاستخدام العسكري إلى السماح بحالات الاستخدام الأمني الوطني التي تتماشى مع مهمتها.
ورفض جيش الإحتلال الرد على أسئلة تفصيلية حول استخدامه لمنتجات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، لكنه أكد في بيان أن محلليه يستخدمون أنظمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف وفحصها بمشاركة ضباط كبار لضمان الامتثال للقانون الدولي، وموازنة الفوائد العسكرية مقابل الأضرار الجانبية.
جاء في البيان العسكري لجيش الإحتلال: “أدوات الذكاء الاصطناعي تجعل عمليات الاستخبارات أكثر دقة وفعالية، فهي تساعد على تحديد الأهداف بسرعة أكبر، ولكن ليس على حساب الدقة، وفي كثير من الحالات خلال هذه الحرب، ساهمت في تقليل الخسائر المدنية”.

شركات تكنولوجيا أمريكية أخرى تدعم جيش الإحتلال
لا تقتصر شراكات الإحتلال العسكرية على مايكروسوفت، بل تشمل أيضًا عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وأمازون، اللتين توفران خدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي لجيش الإحتلال بموجب عقد "مشروع نيمبوس" بقيمة 1.2 مليار دولار، التي وُقّع عام 2021، عندها بدأ جيش الإحتلال في اختبار أنظمتها الخاصة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف.
كما استعان جيش الإحتلال بمزارع الخوادم ومراكز البيانات من "سيسكو" و"ديل"، بينما قدمت شركة "ريد هات"، التابعة لشركة IBM، تقنيات الحوسبة السحابية. أما "بالانتير تكنولوجيز"، الشريك الاستراتيجي لمايكروسوفت في العقود الدفاعية الأمريكية، فتربطها شراكة وثيقة مع جيش الإحتلال في تزويدها بأنظمة ذكاء اصطناعي لدعم عملياتها العسكرية.
ومع تغيير OpenAI لشروط استخدامها العام الماضي للسماح بالاستخدام في مجالات الأمن القومي، حذت جوجل حذوها بتعديل سياستها الأخلاقية، حيث أزالت أي إشارات تمنع استخدام الذكاء الاصطناعي في أنظمة الأسلحة والمراقبة، وأكدت جوجل التزامها بتطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة تحمي الناس، وتعزز النمو العالمي، وتدعم الأمن القومي.
الذكاء الاصطناعي واستخبارات جيش الإحتلال
يستخدم جيش الإحتلال منصة مايكروسوفت أزور لتحليل كميات هائلة من المعلومات المستخلصة من أنظمة الاستخبارات، بما في ذلك المكالمات الهاتفية، والرسائل النصية، والمحادثات الصوتية، حيث يتم تفريغها وترجمتها تلقائيًا، وفقًا لضباط استخبارات يعملون مع هذه الأنظمة.
يتيح أزور البحث السريع عن كلمات مفتاحية أو أنماط داخل كمّ هائل من النصوص، مثل العثور على محادثة بين شخصين ضمن مستند من 50 صفحة، أو حتى تتبع أشخاص يقدمون توجيهات لبعضهم البعض، ليتم بعد ذلك تقاطع هذه البيانات مع أنظمة الذكاء الاصطناعي العسكرية لتحديد المواقع الجغرافية المستهدفة.
وتُظهر البيانات التي راجعتها "أسوشيتد برس" أن جيش الإحتلال كثّف استخدامه لأدوات تفريغ النصوص والترجمة، بالإضافة إلى نماذج OpenAI، منذ هجوم 7 أكتوبر، رغم أن البيانات لا تحدد بالضبط أي النماذج يتم استخدامها، وعادةً ما تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي المتخصصة في الترجمة أكثر دقة عند العمل باللغة الإنجليزية. وقد أقرت OpenAI بأن نموذج الترجمة الشهير الخاص بها، "ويسبر"، القادر على التفريغ والترجمة بعدة لغات، من بينها العربية، قد ينتج أحيانًا نصوصًا غير دقيقة أو يضيف عبارات عنصرية أو خطابات تحريضية لم تكن موجودة في الأصل.

أنظمة الذكاء الاصطناعي لجيش الإحتلال.. بين الشك واليقين
رغم التقدم التقني، فإن الأخطاء واردة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، وفقًا لضباط في جيش الإحتلال وخبراء في التكنولوجيا. عند اعتراض مكالمة هاتفية، يتم ربطها تلقائيًا بملف شخصي يحتوي على بيانات التوقيت، وأسماء وأرقام المتصلين، لكن الاستماع إلى التسجيل الأصلي أو مراجعة النصوص المترجمة يتطلب خطوة إضافية للتحقق من الدقة.
صرح جيش الإحتلال بأن شخصًا يجيد اللغة العربية يجب أن يراجع الترجمات، أحد ضباط الاستخبارات أكد أنه شهد أخطاءً في استهداف بعض المواقع نتيجة الاعتماد على ترجمات آلية غير دقيقة من العربية إلى العبرية، ما يثير مخاوف بشأن مصداقية هذه الأنظمة في ساحات القتال.
ختامًا، يثير الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في الحروب مخاوف متزايدة بشأن تداعياته الأخلاقية والقانونية، خاصة مع تزايد الاعتماد على أنظمة غير مخصصة للعمليات العسكرية. وبينما تؤكد الشركات التكنولوجية التزامها بتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، فإن استخدامه في ساحات القتال يطرح تساؤلات حول مدى موثوقيته ودقته، وتأثيره على أرواح المدنيين. ومع استمرار التطور التكنولوجي، يظل التحدي الأكبر هو إيجاد توازن بين الابتكار والضوابط الأخلاقية، لضمان ألا يصبح الذكاء الاصطناعي أداة تساهم في تصعيد النزاعات بدلاً من حلها.
Short Url
وزير الخارجية يبحث زيادة الاستثمارات الصينية في مصر مع نظيره الصيني
22 فبراير 2025 03:45 م
ندوة لنقابة المهندسين حول إعادة إعمار غزة تشهد حضور نخبة من الخبراء
22 فبراير 2025 03:17 م
الصين تطلق خطةً طموحةً لإعادة تدوير بطاريات مَرْكَبَاتِ الطاقة الجديدة بـ13.95 مليار دولار
22 فبراير 2025 02:28 م


أكثر الكلمات انتشاراً