الأحد، 23 فبراير 2025

04:23 ص

«مصر وكينيا» شراكة استراتيجية تصل إلى 567 مليون دولار في التبادل التجاري لعام 2024

الخميس، 06 فبراير 2025 03:19 م

مصر وكينيا

مصر وكينيا

كريم قنديل

شهدت العلاقات المصرية الكينية تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، ما يعكس التوجه الاستراتيجي لتعميق التعاون بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية، السياسية، الثقافية، والأمنية، تعود بداية العلاقات بين مصر وكينيا إلى فترة استقلال كينيا، حيث لعبت مصر دورًا محوريًا في دعم حركة التحرر الكينية، وهذا يُظهر عمق العلاقة التاريخية بين البلدين. 

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الكيني ويليام روتو 

علاقات وطيدة وتعاون تجاري

في السنوات الأخيرة، أخذت هذه العلاقات طابعًا أكثر شمولًا، حيث تم توقيع إعلان مشترك بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره الكيني ويليام روتو في 2025، يقضي برفع العلاقات إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة".

هذه الشراكة تعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون بينهما في العديد من المجالات، أبرزها الاقتصاد والتجارة. فالعلاقات الاقتصادية بين مصر وكينيا تشهد نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت مصر من أكبر الشركاء التجاريين لكينيا في إفريقيا، وتعد الزراعة والصناعة من أهم المجالات التي تشهد استثمارات مصرية في كينيا، مع التركيز على دعم الشركات المصرية في قطاعات البنية التحتية والصحة والزراعة والري.

من جانب آخر، يبرز التعاون في مجال المياه كأحد أبرز محاور الشراكة بين مصر وكينيا. فبينما تعاني مصر من أزمة مائية حادة تعتمد فيها على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه، تسعى كينيا أيضًا إلى تحسين إدارة مواردها المائية.

ونتيجة لهذا التحدي المشترك، اتفقت الدولتان على التعاون في مشاريع الري، وتبادل الخبرات في بناء السدود وتحسين تقنيات الري المستدامة.

تعاون ثنائي لمواجهة التهديدات

ومع التصاعد في التهديدات الأمنية في منطقة القرن الإفريقي، يعزز التعاون العسكري بين مصر وكينيا من أهمية هذه الشراكة، حيث تم تعزيز التنسيق بين البلدين لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في المنطقة، خاصة في ظل الأزمات التي تعيشها دول الجوار مثل السودان، هذا التعاون لا يقتصر على المستوى العسكري فحسب، بل يمتد أيضًا إلى التعاون في مكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية في البحر الأحمر.

إضافة إلى ذلك، يولي البلدان أهمية كبيرة للتعاون الثقافي والتعليمى، حيث تم التأكيد على أهمية تبادل الخبرات في مجالات التعليم العالي، وتقديم المنح الدراسية بين المؤسسات التعليمية في البلدين. 

كما تمت الإشارة إلى تعزيز التعاون في الفنون والفعاليات الثقافية، وهو ما يعكس التزام البلدين بتوثيق الروابط بين شعبيهما.

ومن الناحية البيئية، يؤكد البلدان على أهمية التنسيق في مواجهة التغير المناخي. 

ففي ظل التحديات البيئية التي تواجهها إفريقيا، يضع البلدان التركيز على تعزيز الأمن الغذائي والزراعة المستدامة كأحد أولويات التعاون.

تُمثل الشراكة الاستراتيجية بين مصر وكينيا نموذجًا مثاليًا للتعاون الإفريقي، هذه الشراكة لا تقتصر على التعاون الثنائي بين البلدين، بل تمتد لتشمل قضايا إقليمية ودولية ذات اهتمام مشترك، مما يعزز من دور البلدين في تعزيز الاستقرار والسلام في شرق إفريقيا.

الكوميسا

العلاقات التجارية المصرية الكينية

تمثل العلاقات التجارية بين مصر وكينيا أحد المحاور الرئيسية في التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تلعب كينيا دورًا مهمًا في منطقة شرق أفريقيا وتُعد شريكًا تجاريًا استراتيجيًا لمصر في إطار منظمة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا)، وشهدت التجارة بين البلدين تطورات ملحوظة خلال عام 2024، حيث تم تسجيل تغيرات في حجم التبادل التجاري والاستثمارات الثنائية والتحويلات المالية، مما يعكس مدى تأثر هذه العلاقات بالعوامل الاقتصادية المحلية والإقليمية. 

على الرغم من هذا التعاون التجاري، لا يزال هناك مجال كبير لتحسين حجم التبادل التجاري بين البلدين، في عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وكينيا نحو 638 مليون دولار، بزيادة عن عام 2023، ما يدل على تطور ملحوظ في العلاقات الاقتصادية. 

وفي هذا السياق، تم الاتفاق بين الجانبين على تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بشكل أكبر، واستكشاف فرص جديدة في مجالات مثل الزراعة، والطاقة، والاتصالات، والبنية التحتية.

في هذه الدراسة، نستعرض بشكل مفصل أوجه التعاون الاقتصادي بين البلدين، مع تحليل التغيرات في حجم التبادل التجاري، الصادرات والواردات، إضافةً إلى الاستثمارات المتبادلة والتحويلات المالية، مع تقديم توصيات لتعزيز التعاون الاقتصادي المستقبلي.

التبادل التجاري بين مصر وكينيا: تحليل كمي ونوعي

شهد التبادل التجاري بين مصر وكينيا تراجعًا خلال عام 2024 مقارنةً بعام 2023، حيث بلغ حجم التبادل التجاري الإجمالي بين البلدين 567 مليون دولار في 2024 مقابل 638 مليون دولار في 2023، أي بانخفاض قدره 11.1%، يعكس هذا التراجع تأثيرات التغيرات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، فضلاً عن التحديات اللوجستية التي تؤثر على حركة التجارة بين البلدين، يمكن تفسير هذا الانخفاض بعدة عوامل، منها التغير في الطلب على السلع المستوردة والمصدرة، إضافة إلى التغيرات في سياسات الاستيراد والتصدير التي قد تؤثر على انسياب السلع بين البلدين.

الصادرات المصرية إلى كينيا: القطاعات الرائدة واتجاهات التغيير

انخفضت قيمة الصادرات المصرية إلى كينيا من 327 مليون دولار في 2023 إلى 307 مليون دولار في 2024، وعلى الرغم من هذا التراجع، فإن مصر حافظت على تصدير مجموعة واسعة من السلع إلى كينيا، حيث تركزت الصادرات في عدة قطاعات رئيسية تشمل الصناعات الورقية، الآلات والأجهزة الكهربائية، المحضرات الغذائية، اللدائن والمصنوعات البلاستيكية، والحديد والصلب.

تُعد المنتجات الورقية والمصنوعات من عجائن الورق من أبرز الصادرات المصرية، حيث بلغت قيمتها 39 مليون دولار، تلتها الآلات والأجهزة الكهربائية بقيمة 28 مليون دولار، والمحضرات الغذائية المتنوعة بقيمة 26 مليون دولار، كما بلغ حجم صادرات اللدائن والمصنوعات البلاستيكية 23 مليون دولار، بينما وصلت صادرات الحديد والصلب إلى 22 مليون دولار، يعكس تنوع الصادرات المصرية قدرة الاقتصاد المصري على تلبية احتياجات السوق الكينية في مختلف القطاعات، مما يشير إلى فرص أكبر لتعزيز الصادرات مستقبلًا.

الواردات المصرية من كينيا: التركيبة السلعية والتطورات السنوية

على الجانب الآخر، انخفضت الواردات المصرية من كينيا من 311 مليون دولار في 2023 إلى 260 مليون دولار في 2024.

تركزت هذه الواردات بشكل أساسي في المنتجات الزراعية والمواد الخام، حيث كانت أهم السلع المستوردة تشمل البن والشاي والبهارات، التي بلغت قيمتها 242 مليون دولار، مما يعكس الأهمية الكبيرة التي تحتلها هذه المنتجات في التبادل التجاري بين البلدين. 

كما استوردت مصر فواكه وأثمار بقيمة 6 ملايين دولار، بالإضافة إلى الورق ومصنوعاته بقيمة 5 ملايين دولار، وأشجار ونباتات أخرى حية بقيمة 4 ملايين دولار. 

يعكس هذا التركيب السلعي للواردات المصرية من كينيا الدور المحوري للقطاع الزراعي في كينيا، حيث يُعتبر هذا القطاع من القطاعات الأساسية التي تعتمد عليها الصادرات الكينية.

الاستثمارات المتبادلة بين مصر وكينيا: تحليل النمو والفرص الاستثمارية

شهدت الاستثمارات المتبادلة بين مصر وكينيا تغيرات واضحة خلال عامي 2023 و2024، حيث سجلت الاستثمارات الكينية في مصر ارتفاعًا إلى 558 ألف دولار في 2023/2024 مقارنة بـ 453 ألف دولار في 2022/2023. من ناحية أخرى، شهدت الاستثمارات المصرية في كينيا نموًا ملحوظًا، حيث قفزت من 146 ألف دولار في 2022/2023 إلى 10.5 مليون دولار في 2023/2024، وهو ما يعكس اهتمام الشركات المصرية بالسوق الكينية ووجود فرص استثمارية واعدة في هذا البلد. 

ويمكن تفسير هذا الارتفاع الكبير في الاستثمارات المصرية في كينيا بعدة عوامل، من بينها تحسن البيئة الاستثمارية في كينيا، والتسهيلات التي تقدمها الحكومة الكينية للمستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى رغبة الشركات المصرية في التوسع داخل الأسواق الأفريقية.

التحويلات المالية بين البلدين

تعكس التحويلات المالية بين البلدين حجم الروابط الاقتصادية بين المجتمعات المصرية والكينية، خلال عام 2023/2024، بلغت تحويلات المصريين العاملين في كينيا 9.2 مليون دولار، مقارنة بـ 7.6 مليون دولار في العام المالي 2022/2023، وهو ما يمثل زيادة تعكس تزايد أعداد المصريين العاملين في كينيا أو ارتفاع أجورهم.

من جهة أخرى، بلغت تحويلات الكينيين العاملين في مصر 1.2 مليون دولار في 2023/2024 مقارنة بـ 958 ألف دولار في 2022/2023، على الرغم من أن هذه الأرقام لا تمثل قيمًا ضخمة مقارنة بالتحويلات بين مصر ودول أخرى، إلا أنها تعكس أهمية العمالة المتبادلة بين البلدين.

التبادل التجاري

العوامل المؤثرة على التجارة والاستثمار بين مصر وكينيا

تعتمد العلاقات الاقتصادية بين مصر وكينيا على عدة عوامل، منها البيئة الاقتصادية والسياسات التجارية لكل من البلدين. ومن أهم العوامل المؤثرة:

1. التغيرات في أسعار الصرف: يؤثر تقلب سعر الصرف على تكلفة الاستيراد والتصدير، حيث يؤدي انخفاض قيمة العملة المحلية إلى ارتفاع تكلفة الواردات، بينما قد يجعل الصادرات أكثر تنافسية.

2. التحديات اللوجستية: تتأثر حركة البضائع بين البلدين بعوامل مثل تكاليف النقل والبنية التحتية للموانئ والطرق، مما قد يعيق تدفق السلع بكفاءة.

3. الاتفاقيات التجارية: تلعب الاتفاقيات التجارية، مثل اتفاقية الكوميسا، دورًا مهمًا في تسهيل التبادل التجاري بين البلدين من خلال تخفيض الرسوم الجمركية وتعزيز التعاون الاقتصادي.

4. الإصلاحات الاقتصادية: تؤثر السياسات الاقتصادية لكل من مصر وكينيا على بيئة الأعمال والاستثمار، حيث تؤدي الإصلاحات الاقتصادية إلى زيادة جاذبية الأسواق للاستثمارات الجديدة.

التوصيات لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وكينيا

بناءً على التحليل السابق، يمكن تقديم عدة توصيات لتعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين مصر وكينيا:

1. زيادة الاستثمارات في البنية التحتية: يمكن للحكومتين العمل على تحسين البنية التحتية اللوجستية لتسهيل حركة التجارة بين البلدين، مثل تحسين الطرق والموانئ والمراكز اللوجستية.

2. تشجيع الشركات المصرية على التوسع في السوق الكينية: يمكن لمصر تعزيز تواجد شركاتها في كينيا من خلال تقديم حوافز استثمارية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة للدخول إلى السوق الكينية.

3. تعزيز العلاقات التجارية من خلال اتفاقيات جديدة: يمكن العمل على تطوير اتفاقيات تجارية جديدة بين البلدين لتخفيض التعريفات الجمركية وإزالة الحواجز التجارية.

4. تنويع الصادرات المصرية إلى كينيا: يجب على الشركات المصرية العمل على تنويع صادراتها إلى كينيا من خلال إضافة منتجات ذات قيمة مضافة أكبر، مما يعزز قدرتها التنافسية.

5. تحسين آليات التمويل التجاري: يجب العمل على توفير آليات تمويل ميسرة للمصدرين والمستوردين بين البلدين من خلال دعم البنوك والمؤسسات المالية.

ختامًا، تسعى مصر وكينيا من خلال شراكتهما الاستراتيجية الشاملة إلى تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات السياسية، الاقتصادية، الثقافية، والأمنية، هذه الشراكة ليست مجرد تقارب دبلوماسي، بل هي خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار والتنمية في منطقة القرن الإفريقي، وتعكس رؤية البلدين المشتركة في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية. من خلال تكثيف التعاون في قطاعات حيوية مثل الاقتصاد، والمياه، والأمن، والبيئة، كما تضع مصر وكينيا الأسس اللازمة لفتح آفاق جديدة من التعاون المشترك التي ستعود بالفائدة على شعبي البلدين والمنطقة الإفريقية بشكل عام.

Short Url

showcase
showcase
search