توطين الصناعة المحلية بين المفهوم والتطبيق وتحقيق التنمية المستدامة
الإثنين، 27 يناير 2025 03:30 م
د/ تامر مؤمن
دكتور: تامر مؤمن
توطين الصناعة هو مصطلح اقتصادي يشير إلى عملية نقل الأنشطة الصناعية من الخارج إلى الداخل، أي تحويل المواد الأولية والسلع الوسيطة إلى منتجات نهائية داخل البلد، ويشمل ذلك إنشاء مصانع جديدة، وتطوير الصناعات القائمة، وزيادة القيمة المضافة للمنتجات المحلية.
يعد توطين الصناعة استراتيجية مهمة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وزيادة قدرة الدولة على المنافسة في الاقتصاد العالمي، فتوطين الصناعة هو استثمار في المستقبل، وهو الطريق لتحقيق الرخاء والازدهار لذلك يتطلب هذا الجهد تضافر جهود الحكومات والشركات والمجتمع المدني، والعمل معاً لتحقيق رؤية مشتركة. فهو يلعب دورًا حيويًا في تعزيز الاقتصاد المحلي، خلق فرص عمل جديدة، وزيادة الابتكار والتطور الصناعي. كما يساهم في تحقيق الاستدامة البيئية من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية والاعتماد على مصادر الطاقة المحلية والمستدامة.
- تطوير المفهوم الاستراتيجي الشامل لتوطين الصناعة المحلية
يجب أن تشمل استراتيجية ومفهوم توطين الصناعة المحلية ليس فقط نقل الإنتاج والتصنيع إلى داخل البلد بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات، ولكنه يجب ان يمتد ليشمل نقل التكنولوجيا والمعرفة، إعادة توجيه الاستثمارات، وتدريب القوى العاملة المحلية حتى تصبح عملية توطين الصناعة المحلية تهدف إلى بناء قاعدة صناعية وطنية قوية ذات قدرة على المنافسة، من خلال الاستفادة من الموارد المحلية وتطوير الكفاءات الوطنية. وتساهم أيضًا في بناء اقتصاد متنوع وقوي ومرن قادر على المنافسة في الأسواق العالمية.
وأقصد هنا بالقدرة على المنافسة في الأسواق العالمية هي ان تصبح هذه الصناعات الوطنية وإنتاجها ليس فقط لتحقيق الاكتفاء الذاتي وإحلال الواردات، ولكن قاعدة صناعية بمميزات تنافسية قادرة على تصدير منتجاتها للخارج لخلق اقتصاديات أكثر مرونة قادرة على الصمود في مواجهة الأزمات الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.
- المحاور الأساسية لبناء برنامج وطني لتوطين الصناعة
أولت الدولة والقيادة السياسية أهمية كبرى لتنمية توطين الصناعات المصرية، وقدّمت لها جميع وسائل الدعم والتشجيع وذلك من خلال إطلاق المبادرات والقرارات المختلفة مثل:
إطلاق مبادرة تطوير الصناعة المصرية "ابدأ" لدعم وتوطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي وتقليل الواردات، وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص الوطني في توطين العديد من الصناعات الكبرى والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في مصر حيث يُعتبر توطين الصناعات إحدى أسرع الطرق لتحقيق رؤية مصر 2030؛ بحيث تصل في البداية إلى الاكتفاء الذاتي، ومن ثم إلى التصدير، وجميع عوامل النجاح متوفرة، وكل ما تحتاجه هو المبادرة، والتنسيق، ومنح الثقة للشركات الوطنية، فضلًا عن استقطاب الشركات العالمية الرائدة في مجال الصناعات الثقيلة والمعقدة.
إنشاء المدن والمجمعات الصناعية لم يتوقف لتوطين الصناعة المصرية والتي من خلالها يتم تسكين الصناعات الصغيرة في مناطق صناعية مجهزة ومؤهلة، وتعد مثل هذه الخطوات أمرا مهما وضروريا لتوطين الصناعات الوطنية.
وبدراسة وتحليل تجارب الدول المختلفة مثل (الصين، كوريا الجنوبية، سنغافورة، ايرلندا، الدنمارك والمغرب) التي عملت على توطين صناعتها الوطنية نجد أن المناطق والمدن الصناعية قد أثبتت نجاحها في عديد من الدول كمكان مفضل لتوطين الصناعة، وإسهامها في تحقيق التنمية الإقليمية المستدامة. بالإضافة إلى دورها في جذب الاستثمارات الأجنبية ونقل وتوطين التقنيات الحديثة، وتعزيز قدرة المنتجات الوطنية على المنافسة في الأسواق العالمية والالتزام بالمتطلبات البيئية، من خلال الإدماج الفعلي للبعد البيئي في الاستراتيجيات الصناعية المرتكزة على تغيير أنماط الإنتاج، والاعتماد على تجارب رائدة في إرساء منظومة الإدارة البيئية في المناطق الصناعية.
وتجدر هنا الإشارة الى الاستثمارات والجهود الحكومة لتطوير البنية التحتية من خلال إنشاء مناطق صناعية متكاملة توفر للصناعات جميع الخدمات اللوجستية والبنية التحتية اللازمة، مما يقلل من تكاليف الإنتاج ويجذب الاستثمارات.
ولتحديد الصناعات المستهدفة في مصر، يمكن النظر إلى القطاعات التي تمتلك إمكانيات كبيرة للنمو والتطوير، والتي يمكن أن تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الوطني. يمكننا تقسيم الصناعات والقطاعات للاقتصاد المصري على أساس المعرفة والقدرة التنافسية والموارد والبنية التحتية المتاحة لتصميم برنامج توطين الصناعة في مصر بشكل يتناسب مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
أولا: الصناعات والقطاعات التي نمتلك فيها المواد الخام والمعرفة (Know How) والقدرة التنافسية
(توطين – 100% مكون محلى – تصدير)
هي تلك الصناعات التي تتميز فيها مصر عن غيرها من الدول، وذلك لوجود مجموعة من العوامل التي تجعلها متفوقة في هذه الصناعات، لوجود قاعدة إنتاجية ومعرفية متخصصة بالإضافة الى توافر البنية التحتية والتشريعية والتمويلية اللازمة مثل الصناعات الزراعية والغذائية بمفهومها الشامل بداية من الزراعة ومرورا بالتصنيع الزراعي والصناعات المكملة ووصلا لتصدير المنتجات بقدرة تنافسية، الصناعات النسيجية وصناعة الأدوية والبتروكيماويات والتكنولوجيا
هذه القطاعات تعد حجر الأساس والأهم في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتوطين الصناعة كونها هي الصناعات التي تمتلك المكون المحلى والمواد الخام بنسبة قد تصل الى 100% بالإضافة إلى امتلاك مصر المعرفة والبنية الزراعية والصناعية والخبرات والكوادر البشرية علاوة على وجود القدرة التصديرية مما يجعل مصر صاحبة اقتصاديات أكثر مرونة قادرة على الصمود في مواجهة الأزمات الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.
ثانيا: الصناعات والقطاعات القائمة والتي لا نمتلك فيها المعرفة (Know How) والقدرة التنافسية
(توطين – زيادة نسبة المكون المحلى – نقل المعرفة والتكنولوجيا – استثمارات اجنبية مباشرة – تطوير الكوادر الوطنية)
الصناعات والقطاعات التي لا تمتلك فيها مصر المعرفة والقدرة التنافسية هي تلك المجالات التي تواجه فيها مصر تحديات كبيرة في المنافسة على المستوى العالمي أو حتى الإقليمي، وذلك لعدة أسباب منها نقص المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة ويوجد منافسة شديدة من دول أخرى قد تمتلك الميزة التنافسية فيها.
توطين هذه الصناعات يكون من خلال عملية نقل الإنتاج من منطقة إلى أخرى بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات ويشمل التوطين نقل التكنولوجيا والمعرفة واستثمارات أجنبية مباشرة وشراكات استراتيجية قائمة ليس فقط على نقل الإنتاج، بل أيضا للاستفادة من الموارد والبنية التحتية المحلية وتطوير الكفاءات والكوادر الوطنية ونقل الخبرات.
إن الفوائد المقرونة بتوطين الصناعات لا تقتصر على جلب الاستثمارات ودعم الاقتصاد المحلي وخلق الوظائف فحسب، بل تتجاوزه إلى أبعاد اجتماعية وثقافية متنوعة. كما أن تركيز الحكومة وشركات ومؤسسات القطاعين العام والخاص على توطين الصناعات هو دلالة على الفوائد الكبيرة المقرونة به على الشركات والمجتمع والاقتصاد المحلي عموماً، ويتعين مواصلة دعم التوطين من قبل جميع الأطراف المعنية حتى نساهم بفعالية في تحقيق مستهدفات رؤية مصر 2030 ودعم التنمية الوطنية المستدامة.
Short Url
رئيس الوزراء: نستهدف وصول نصيب القطاع الخاص لـ65% من إجمالي الاستثمارات الكلية
30 يناير 2025 05:29 م
مؤشرات البورصة تتباين بآخر جلسات الأسبوع ورأس المال يربح مليارين
30 يناير 2025 03:34 م
البحوث الزراعية ينظم المنتدى السابع بعنوان "المبيدات الزراعية الضوئية الخضراء"
30 يناير 2025 03:33 م
أكثر الكلمات انتشاراً