الخميس، 30 يناير 2025

09:00 ص

أسسها

حازم الجندي

رئيس مجلس الإدارة

أكرم القصاص

إشراف عام

علا الشافعي

دراسة لـ "إيجي إن": مستقبل انبعاثات الصناعة بالشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي

الأحد، 26 يناير 2025 03:16 م

الصناعة - Industry

الصناعة - Industry

كتب/ عبد الرحمن عيسى

يمثل التغير المناخي أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم في القرن الحادي والعشرين، حيث أصبحت الحاجة إلى تقليل الانبعاثات الكربونية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، كما تُعد الانبعاثات الصناعية مصدرًا رئيسيًا للغازات الدفيئة، مما يجعل معالجة هذه المشكلة أمرًا حيويًا لتحقيق أهداف المناخ العالمية، وفي هذا السياق، وضعت العديد من الدول والمنظمات الإقليمية خططًا طموحة للقضاء على الانبعاثات الصناعية أو تقليلها بشكل كبير بحلول عام 2030، كما يبرز الاتحاد الأوروبي كأحد اللاعبين الرئيسيين في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، من خلال سياسات متقدمة مثل "الاتفاق الأخضر الأوروبي"، الذي يهدف إلى جعل القارة محايدة كربونيًا بحلول عام 2050. في المقابل، تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديات وفرصًا مختلفة بسبب اعتمادها التاريخي على إنتاج الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للدخل، مما يدفعها إلى تبني استراتيجيات للتحول نحو اقتصاد أكثر استدامة.

انبعاثات الصناعة - Industry Emissions

أهداف الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى إجراء مقارنة بين الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي في مساعيهم نحو القضاء على انبعاثات الصناعة بحلول عام 2030، كما تركز الدراسة على استعراض السياسات والتشريعات، التحديات التي تواجهها كل منطقة، والتقدم المحرز في تبني التقنيات النظيفة.

مصنع تكرير النفط - Oil Refinery Factory

أولًا: الشرق الأوسط

تُعدّ الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة بمنطقة الشرق الأوسط في مجال رصد وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن قطاع الطاقة. وفقًا للبيانات المتاحة، تشمل هذه الانبعاثات عدة قطاعات رئيسية:

1- إنتاج الكهرباء والمياه: يمثل هذا القطاع جزءًا كبيرًا من انبعاثات الكربون في الدولة، ففي عام 2017، بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من إنتاج الكهرباء والمياه حوالي 77.8 مليون طن.

2- النقل البري: يساهم قطاع النقل البري بشكل ملحوظ في إجمالي الانبعاثات، نظرًا للاعتماد الكبير على المركبات الخاصة ووسائل النقل العاملة بالوقود الأحفوري.

3- الصناعات التحويلية والبناء: تُسهم هذه الصناعات في زيادة الانبعاثات بسبب العمليات الصناعية واستخدام المعدات الثقيلة.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت إمارة دبي تقدمًا ملحوظًا في جهودها للحد من الانبعاثات الكربونية، ففي عام 2020، نجحت دبي في خفض انبعاثاتها بنسبة 33%، متجاوزة الهدف المحدد في استراتيجية الحد من الانبعاثات الكربونية لعام 2021، والذي كان يهدف إلى خفض بنسبة 16%.

انبعاثات غاز الميثان من قطاع النفط والغاز:
تُشير التقارير إلى أن أكثر من 100 حقل من حقول النفط والغاز الكبرى في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا تُسهم في انبعاثات غاز الميثان، حيث أصدرت كميات كبيرة من هذا الغاز تصل إلى 100 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2022.

جهود مصر في مراقبة الانبعاثات الصناعية:
تُولي وزارة البيئة المصرية اهتمامًا خاصًا لمراقبة وخفض نسب الانبعاثات في البيئة الهوائية، حيث أعدت استراتيجية تهدف إلى تحسين جودة الهواء والوصول بنتائج رصد ملوثات الهواء إلى المستويات الآمنة وفقًا للمعايير المقررة قانونًا.

التوجهات المستقبلية في المنطقة:
تسعى دول الشرق الأوسط بجدية إلى تقليل انبعاثات الكربون من خلال استراتيجيات متعددة، تشمل زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، وإقامة شراكات دولية لنقل التكنولوجيا، وتبني مبادرات إقليمية مشتركة، فيما يلي تحليل لهذه التوجهات:

1- زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة:

• المملكة العربية السعودية: أطلقت "مبادرة السعودية الخضراء" التي تتضمن برامج طموحة للاستثمار في مصادر الطاقة الجديدة، وتعزيز كفاءة الطاقة، وتطوير برامج احتجاز الكربون وتخزينه، كما تهدف هذه المبادرة إلى تحقيق أهداف مناخية طموحة وإرساء مستقبل مستدام. 

• سلطنة عُمان: رفعت هدفها للطاقة المتجددة في عام 2019 إلى 20% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وما بين 35% و39% بحلول عام 2040، مما يعني إضافة ما يصل إلى 4000 ميجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2040.

2- إقامة شراكات دولية لنقل التكنولوجيا:

• الإمارات العربية المتحدة: تبنت مشاريع ضخمة لتقليل البصمة الكربونية، وساهمت في خفض تكلفة الطاقة المتجددة عالميًا، حيث سجلت مناقصة المرحلة الخامسة من مجمع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي أقل تكلفة عالمية لوحدة الإنتاج في عام 2019، حيث لم تتجاوز 1.7 سنت لكل كيلو وات في الساعة.

3- تبني مبادرات إقليمية مشتركة:

• مبادرة الشرق الأوسط الأخضر: أطلقت المملكة العربية السعودية هذه المبادرة التي تهدف إلى توحيد جهود دول المنطقة في مواجهة التحديات البيئية، بما في ذلك تقليل الانبعاثات الكربونية وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة.

من خلال هذه الجهود المتنوعة، تسعى دول الشرق الأوسط إلى تحقيق تحول جذري نحو اقتصاد منخفض الكربون، مع التركيز على الاستدامة البيئية والتعاون الدولي، كما تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديات كبيرة في مساعيها لتقليل انبعاثات الكربون، إلا أن هذه التحديات تفتح أيضًا آفاقًا لفرص متعددة لتعزيز التنمية المستدامة، فيما يلي تحليلًا لهذه التحديات والفرص:

التحديات:

1- الاعتماد الكبير على عائدات النفط والغاز: تعتمد اقتصادات العديد من دول الشرق الأوسط بشكل أساسي على صادرات النفط والغاز، مما يجعل التحول نحو مصادر طاقة منخفضة الكربون تحديًا اقتصاديًا كبيرًا، كما في قطر، يشكل الغاز الطبيعي جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل التنويع الاقتصادي وإزالة الكربون تحديين مترابطين. 

2- نقص التشريعات المُلزمة على مستوى الإقليم: تفتقر المنطقة إلى إطار تشريعي موحد يلزم الدول بتقليل الانبعاثات الكربونية، مما يؤدي إلى تفاوت في الجهود المبذولة ويعيق التعاون الإقليمي، هذا النقص في التشريعات يحد من فعالية المبادرات البيئية المشتركة.

3- الحاجة إلى تعزيز الابتكار والتكنولوجيا الخضراء: تتطلب جهود تقليل الانبعاثات تبني تقنيات حديثة وممارسات مستدامة، وهو ما يستدعي استثمارات كبيرة في البحث والتطوير، بالإضافة إلى ذلك، تحتاج المنطقة إلى تعزيز قدراتها في مجال التكنولوجيا الخضراء لتسريع التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.

الفرص:

1- تنويع مصادر الدخل: يمكن أن يؤدي الاستثمار في الطاقة المتجددة والصناعات المستدامة إلى تنويع اقتصادات دول المنطقة، مما يقلل من اعتمادها على النفط والغاز، كما تهدف "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر" إلى تقليل انبعاثات الكربون وزيادة الغطاء النباتي في المنطقة، مما يساهم في مكافحة التغير المناخي وتحسين جودة الهواء.

2- تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: يمكن لدول الشرق الأوسط أن تستفيد من التعاون مع المنظمات الدولية والدول الأخرى لتبادل المعرفة والتكنولوجيا، مما يسهم في تسريع جهود تقليل الانبعاثات، كما يمكن أن يؤدي التعاون في مجال البحث والتطوير إلى تبني تقنيات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.

3- تطوير البنية التحتية المستدامة: تتيح الحاجة إلى تحديث البنية التحتية فرصة لتبني ممارسات مستدامة، مثل تطوير مدن ذكية تعتمد على الطاقة المتجددة وتطبيق معايير البناء الأخضر، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين جودة الحياة وتقليل البصمة الكربونية.

بالرغم من التحديات المذكورة، فإن التركيز على هذه الفرص يمكن أن يدعم تحول الشرق الأوسط نحو مستقبل أكثر استدامة، مع تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.

الشرق الأوسط - Middle East

ثانيًا: الاتحاد الأوروبي

تُعَدُّ انبعاثات الصناعة في الاتحاد الأوروبي من القضايا البيئية البارزة، حيث تسعى الدول الأعضاء إلى تقليلها بشكل مستمر.

البيانات والإحصائيات:

في عام 2022، أظهرت بيانات وكالة الإحصاء الأوروبية (يوروستات Eurostat) أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري في الاتحاد الأوروبي انخفضت بنسبة 2.8% مقارنة بالعام السابق. 

تسهم القطاعات التالية في انبعاثات الاتحاد الأوروبي:

- النقل: حوالي 28%.
- الصناعة الثقيلة: حوالي 25%.
- الطاقة: حوالي 22%.
- المباني: حوالي 13%.
- الزراعة: حوالي 12%.

السياسات والمبادرات:

نظام تداول الانبعاثات (EU ETS): منذ عام 2005، يُعتبر هذا النظام أحد الركائز الأساسية لسياسة المناخ في الاتحاد الأوروبي، حيث يهدف إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من خلال تحديد سقف لانبعاثات القطاعات الصناعية وتوزيع تصاريح الانبعاثات.

آلية ضبط حدود الكربون (CBAM): تهدف هذه الآلية إلى فرض رسوم على واردات السلع كثيفة الكربون لضمان تكافؤ الفرص مع المنتجات المحلية وتعزيز التحول إلى الصناعات النظيفة في الدول المصدرة. 

التحديات والفرص:

• التحديات: تشمل مقاومة بعض الصناعات لتغيير أنماط الإنتاج، والتوترات السياسية بين الدول الأعضاء حول تقاسم الأعباء، بالإضافة إلى الحاجة إلى تعزيز الابتكار والتكنولوجيا الخضراء.

• الفرص: تتمثل في زيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، إقامة شراكات دولية لنقل التكنولوجيا، وتبني مبادرات إقليمية مشتركة مثل مبادرات الكربون النظيفة.

تُظهر هذه المعطيات أن الاتحاد الأوروبي ملتزم بتقليل انبعاثات الصناعة من خلال سياسات ومبادرات متعددة، مع مواجهة تحديات تتطلب التعاون المستمر والابتكار.

انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الاستهلاك 2020 - 2023

وكما يتجلى في هذا المُخطط الموثق من البنك الدولي وميزانية الكربون العالمية، فإن:

أولًا: الشرق الأوسط

بدأت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالارتفاع في 2021 بنسبة 5.40%، أما نسبة ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الاستهلاك بنفس السنة بلغت 3.39%، أما في العام التالي 2022، زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7.69%، وبلغت نسبة ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الاستهلاك بنسبة 3.83%، وفي عام 2023 بلغت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 9.51%.

ثانيًا: الاتحاد الأوروبي

بدأت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالارتفاع في 2021 بنسبة 6.50%، أما نسبة ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الاستهلاك بنفس السنة بلغت 9.16%، أما في العام التالي 2022، انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 3.39%، وبلغت نسبة ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الاستهلاك بنسبة 8.17%، وفي عام 2023 بلغت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى -4.67%.

الاتحاد الأوروبي - European Union

نتائج الدراسة

1- الشرق الأوسط:

- مبادرات متقدمة: الدول الرائدة مثل الإمارات والسعودية أطلقت مشاريع طموحة في الطاقة الشمسية والرياح، بالإضافة إلى استراتيجيات وطنية مثل رؤية 2030.

- تفاوت الجهود: الأداء يتفاوت بين الدول، حيث تعاني بعض الدول من غياب التشريعات الإقليمية المُلزمة، وضعف الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا الخضراء.

- فرص كبيرة: المنطقة تمتلك إمكانيات هائلة لتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط، والاستفادة من موقعها الجغرافي والطاقة الشمسية الهائلة.

2- الاتحاد الأوروبي:

- تقدم ملحوظ: بفضل السياسات البيئية الصارمة، مثل "الاتفاق الأخضر الأوروبي" ونظام تجارة الانبعاثات (EU ETS)، يُتوقع أن يصل الاتحاد الأوروبي إلى أهدافه بخفض الانبعاثات بنسبة 55% بحلول 2030.

- تقدم التكنولوجيا: الاتحاد الأوروبي يستثمر في تقنيات الصناعة النظيفة مثل الهيدروجين الأخضر واحتجاز الكربون، مما يسرّع تحقيق أهداف المناخ.

- التحديات: ارتفاع تكلفة التحول الصناعي، ومقاومة بعض القطاعات لتغيير أنماط الإنتاج، والاختلافات السياسية بين الدول الأعضاء.

3- المقارنة بين المنطقتين:

- الاتحاد الأوروبي أكثر تقدمًا في تنفيذ سياسات ملزمة وانتهاج تقنيات مستدامة، مما يُترجم إلى تقليل الانبعاثات بشكل منهجي.

- الشرق الأوسط يواجه تحديات أكبر بسبب الاعتماد على النفط والغاز ونقص التشريعات، لكنه يمتلك فرصًا هائلة إذا تم تعزيز التعاون الإقليمي والدولي.

4- النتائج المتوقعة بحلول 2030:

- الاتحاد الأوروبي: يُتوقع تحقيق أهداف المناخ بنسبة كبيرة إذا استمر الالتزام السياسي والتقدم التكنولوجي.

- الشرق الأوسط: ستشهد بعض الدول تقدمًا ملحوظًا، مثل الإمارات والسعودية، لكن الأداء العام سيكون متفاوتًا بسبب التحديات الاقتصادية والتشريعية.

Short Url

search