السبت، 01 فبراير 2025

05:18 ص

أسسها

حازم الجندي

رئيس مجلس الإدارة

أكرم القصاص

إشراف عام

علا الشافعي

دراسة لـ "إيجي إن" ترصد خطوات البنك المركزي التونسي لاستعادة الاستقرار الاقتصادى

الأربعاء، 01 يناير 2025 06:40 م

دولة تونس

دولة تونس

كريم قنديل

أبقى البنك المركزي التونسي سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 8% في 28 نوفمبر 2024، وهو أعلى مستوى منذ عام 2006 على الأقل. بينما تراجع معدل التضخم السنوي في تونس إلى 6.6% في نوفمبر 2024، بعد أن استقر عند 6.7% خلال الأشهر الثلاثة السابقة، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ ديسمبر 2021.

تُعدّ أسعار الفائدة من أبرز الأدوات التي يعتمد عليها البنك المركزي في تحديد السياسة النقدية للدولة، حيث تؤثر بشكل مباشر على الاستثمارات، الاستهلاك، والنمو الاقتصادي. في هذا السياق، يلعب البنك المركزي التونسي دورًا محوريًا في إدارة الاقتصاد التونسي من خلال قراراته المتعلقة بمعدل الفائدة، ووسط الظروف الاقتصادية الحالية التي تشهدها تونس، يطرح هذا البحث تساؤلات حيوية حول تأثيرات تثبيت سعر الفائدة عند 8% على التضخم، والنمو الاقتصادي، واستقرار السوق المالية، حيث تهدف هذه الدراسة إلى تحليل هذا القرار في ضوء المعطيات الاقتصادية الحالية وتقييم انعكاساته على الأفراد والقطاعات الاقتصادية المختلفة.

هدف الدراسة

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل تأثير تثبيت سعر الفائدة عند 8% على معدلات التضخم والنمو الاقتصادي في تونس، كما تسعى إلى دراسة العلاقة بين سعر الفائدة والاستثمار في القطاع الخاص، وتقييم دور البنك المركزي التونسي في مواجهة التحديات الاقتصادية باستخدام أدوات السياسة النقدية، بالإضافة إلى ذلك، تسعى الدراسة إلى استكشاف مدى فعالية سعر الفائدة في تحقيق الاستقرار المالي وحماية العملة المحلية، لفهم أفضل للمؤشرات الاقتصادية المحيطة.

سعر الفائدة

إن سعر الفائدة هو النسبة التي يحددها البنك المركزي للاقتراض أو الإقراض بين البنوك، وهو يعد أداة رئيسية في إدارة السياسة النقدية، فعندما يرفع البنك المركزي سعر الفائدة، يزداد تكلفة الاقتراض بالنسبة للأفراد والشركات، مما يؤدي إلى تقليل الاستهلاك والاستثمار، ولكن في المقابل، عندما يخفض سعر الفائدة، يشجع ذلك على زيادة الاقتراض والنشاط الاقتصادي. 

في تونس، ثبت البنك المركزي سعر الفائدة عند 8% في محاولة للتعامل مع تحديات اقتصادية مثل التضخم وارتفاع الدين العام، ويسعى بذلك لتحقيق توازن بين تحفيز النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم.

التضخم

التضخم هو الزيادة المستمرة في الأسعار التي تؤثر على القوة الشرائية للعملة، حيث يسبب التضخم ارتفاعًا في تكاليف المعيشة ويؤثر بشكل سلبي على الفئات ذات الدخل الثابت، حيث كان التضخم في السنوات الأخيرة يشهد ارتفاعًا نتيجة لعدة عوامل، منها تقلبات أسعار المواد الخام العالمية وتدهور قيمة الدينار التونسي، حيث يؤدي التضخم المرتفع إلى زيادة الأعباء المالية على الأسر والشركات، وقد يضعف من ثقة المستثمرين في الاقتصاد المحلي. من هنا، يصبح من الضروري أن يتخذ البنك المركزي خطوات لتقليص التضخم من خلال تعديل أسعار الفائدة واستخدام أدوات السياسة النقدية الأخرى.

البنك المركزي التونسي

جهود البنك المركزي التونسي لمجابهة التضخم

يلعب البنك المركزي التونسي دورًا حيويًا في مواجهة التضخم وضبط الاقتصاد التونسي، حيث لا يقتصر فقط على تحديد سعر الفائدة، بل يمتد إلى تنظيم السياسة النقدية بشكل عام، وذلك من خلال رفع أو خفض أسعار الفائدة، حيث يسعى البنك المركزي إلى التأثير على النشاط الاقتصادي والمساهمة في تحقيق استقرار الأسعار، كما يسعى البنك المركزي التونسي إلى تحسين مستوى الاحتياطات النقدية وحماية العملة المحلية من التقلبات، مما يساعد على تعزيز الثقة في النظام المالي.

آثر ارتفاع سعر الفائدة على الاقتصاد التونسي

ارتفاع سعر الفائدة له تأثيرات متعددة على الاقتصاد التونسي، فعند قيام البنك المركزي التونسي برفع سعر الفائدة، تصبح تكلفة الاقتراض أعلى، مما يقلل من قدرة الأفراد والشركات على الحصول على القروض اللازمة لتمويل استثماراتهم أو مشترياتهم، هذا التقلص في الطلب على الاقتراض يساهم في تقليل الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، كما أن ارتفاع الفائدة يساعد على تقليل التضخم، حيث يقل الطلب على السلع والخدمات مع ارتفاع تكاليف التمويل، مما يقلل من الضغط على الأسعار. 

من ناحية أخرى، يؤدي هذا الارتفاع إلى زيادة قيمة العملة المحلية، إذ يعمد المستثمرون إلى تحويل أموالهم للاستفادة من العوائد المرتفعة على الأصول المحلية، مما يساهم في تقليل التضخم المستورد، ومع ذلك، يكون لهذه الزيادة في سعر الفائدة تأثير سلبي على القطاعات المرتبطة بالتمويل العقاري، حيث تصبح تكلفة شراء المنازل والقروض العقارية أعلى، مما يقلل من الطلب في سوق العقارات. لذلك، فإن ارتفاع سعر الفائدة يُعتبر أداة قوية للسيطرة على التضخم، لكنه قد يبطئ النشاط الاقتصادي بشكل عام إذا استمر لفترة طويلة.

ارتفاع سعر الفائدة وتأثيره علي الاستثمار

سعر الفائدة يلعب دورًا محوريًا في تحديد مستويات الاستثمار داخل الاقتصاد، حيث العلاقة بينهما عكسية، والتي يؤثر سعر الفائدة بشكل مباشر على تكاليف الاقتراض، وبالتالي على قرارات الاستثمار، فعندما يرفع البنك المركزي سعر الفائدة، ترتفع تكلفة التمويل، مما يؤدي إلى تقليص حجم الاستثمارات في الاقتصاد. هذا ينعكس في تراجع الإنفاق الاستثماري من قبل الشركات، حيث يصبح من غير المربح أو الصعب تحمل تكاليف القروض الجديدة لتمويل المشروعات.

من جهة أخرى، عند خفض سعر الفائدة، تنخفض تكاليف الاقتراض، مما يشجع الأفراد والشركات على الاستثمار في مشروعات جديدة أو توسيع الأنشطة القائمة. هذا التحفيز الاستثماري يعزز النشاط الاقتصادي من خلال زيادة الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي يساهم في النمو الاقتصادي، وبناءًا على هذه الديناميكية، يستخدم البنك المركزي سعر الفائدة كأداة رئيسية في السياسة النقدية للتأثير في مستويات الاستثمار والنمو الاقتصادي.

تحليل سعر الفائدة في تونس بين عامي 2014 و2024

وفقًا لبيانات Trading Economics، ومن خلال تحليل سعر الفائدة في تونس بين عامي 2014 و2024، نلاحظ تقلبات ملحوظة في سياسة البنك المركزي، حيث كان يهدف من خلالها إلى التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي والسيطرة على التضخم، ففي 2014، كان سعر الفائدة 4.75%، وهو يعد منخفضًا نسبيًا مما يعكس سياسة نقدية مرنة تهدف إلى تحفيز الاقتصاد في فترة كانت تشهد تحديات في النمو والتعافي بعد الثورة، ومع استقرار الأوضاع الاقتصادية، استمر البنك المركزي في تقليص سعر الفائدة في 2015 و2016 ليصل إلى 4.25%، ما يعكس سياسة تحفيزية لزيادة الاستثمارات والنشاط الاقتصادي.

لكن مع بداية 2017، بدأ البنك المركزي في رفع سعر الفائدة إلى 5% في خطوة تهدف لمكافحة التضخم المتزايد بسبب زيادة الطلب على السلع والخدمات، خاصةً مع التقلبات في سعر الدينار التونسي وارتفاع أسعار المواد الأساسية،  وفي 2018، ارتفع سعر الفائدة إلى 6.75%، في محاولة من البنك المركزي لاحتواء التضخم الذي بلغ مستويات غير مستدامة في ظل ارتفاع أسعار النفط والواردات.

استمر الاتجاه نحو زيادة سعر الفائدة في 2019 ليصل إلى 7.75%، وهو أعلى مستوى منذ بداية العقد، مما يعكس تحديات كبيرة في الاقتصاد التونسي، بما في ذلك تدهور قيمة الدينار وزيادة معدلات التضخم. ومع بداية جائحة كورونا في 2020، قرر البنك المركزي خفض سعر الفائدة إلى 6.25% كجزء من جهود تحفيز الاقتصاد المتضرر من الأزمة الصحية والاقتصادية العالمية.

في 2021 و2022، استمر سعر الفائدة عند 6.25% و7.25% على التوالي، مع تحرك البنك المركزي نحو دعم النمو الاقتصادي في مواجهة الضغوط التضخمية، وفي 2023 و2024، ثبت البنك المركزي التونسي سعر الفائدة عند 8%، وهو أعلى مستوى في هذه الفترة، في خطوة تهدف إلى مواجهة التضخم المرتفع واستعادة الاستقرار المالي في ظل التحديات الاقتصادية المحلية والعالمية، مثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية وصعوبة الوصول إلى تمويل خارجي.

بالتالي، يظهر التحليل أن سياسة سعر الفائدة في تونس كانت مدفوعة بالظروف الاقتصادية المتغيرة، حيث تم رفع الفائدة في مراحل التضخم المرتفع لتقليل الضغط على الأسعار، في حين تم خفض الفائدة في فترات الأزمات الاقتصادية لتحفيز النشاط الاقتصادي.

معدلات التضخم في تونس خلال الفترة من نوفمبر 2023 إلى نوفمبر 2024

وفقًا لبيانات Trading Economics، من خلال النظر في معدلات التضخم في تونس خلال الفترة من نوفمبر 2023 إلى نوفمبر 2024، يمكن ملاحظة انخفاض تدريجي في المعدلات مع بداية عام 2024، وفي نوفمبر 2023، بلغ معدل التضخم 8.2%، وهو مستوى مرتفع يعكس الضغوط التضخمية الناتجة عن تقلبات أسعار السلع الأساسية والظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد، ومع بداية ديسمبر 2023، انخفض المعدل إلى 8.1%، مشيرًا إلى بداية تراجع طفيف في التضخم.

خلال الأشهر الأولى من 2024، شهدنا انخفاضًا مستمرًا في المعدل، حيث انخفض إلى 7.8% في يناير، ثم إلى 7.5% في فبراير ومارس، مما يدل على تحسن نسبي في استقرار الأسعار، وفي أبريل ومايو 2024، استمر المعدل في الاستقرار عند 7.2%، وهو ما يعكس جهود البنك المركزي في تقليص التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة وزيادة مراقبة السيولة في الاقتصاد.

ومع حلول الصيف، بدأت معدلات التضخم في الانخفاض بشكل أكبر، حيث سجلت 7% في يوليو و6.7% في أغسطس، سبتمبر، وأكتوبر، مما يدل على فعالية الإجراءات الاقتصادية المتخذة في الحد من التضخم، ولكن في نوفمبر 2024، سجل التضخم 6.6%، وهو أقل معدل تضخم منذ عام 2023، مما يعكس استقرارًا تدريجيًا للأسعار وتحسنًا في الوضع الاقتصادي العام.

أضاف البنك عقب اجتماع مجلس إدارته إن التضخم سيبلغ في المتوسط 7 بالمئة هذا العام قبل أن ينخفض إلى 6.2 بالمئة في عام 2025.

تمويل موازنة الدولة من أجل سداد ديون عاجلة

في خطوة تهدف إلى تعزيز السيولة المالية وتغطية الالتزامات العاجلة، وافق البرلمان التونسي في مطلع ديسمبر 2024 على مشروع قانون يسمح للبنك المركزي بتوفير 7 مليارات دينار تونسي (حوالي 2.22 مليار دولار) لتمويل موازنة الدولة وسداد ديون مستحقة. هذه الخطوة تُعد الثانية من نوعها في أقل من عام، حيث سبق أن طلبت الحكومة في يناير 2024 من البنك المركزي توفير مبلغ مماثل لتمويل خزينة الدولة، مما أثار مخاوف من زيادة التضخم وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي.

البرلمان التونسي

تسعى الحكومة التونسية إلى تلبية احتياجاتها التمويلية في ظل صعوبات في الحصول على قروض أجنبية، مما يبرز أهمية التمويل المحلي في استراتيجيتها المالية، ومن المتوقع أن يرتفع الاقتراض المحلي في موازنة 2025 إلى 7 مليارات دولار، مقارنة بـ3.5 مليار دولار في عام 2024، بينما تنخفض القروض الخارجية إلى 1.98 مليار دولار، نزولًا من 5.32 مليار دولار.

تجدر الإشارة إلى أن الرئيس "قيس سعيد" قد انتقد استقلالية البنك المركزي، مشيرًا إلى ضرورة التنسيق بينه وبين الحكومة في اتخاذ القرارات المالية، خاصة فيما يتعلق بتعديل أسعار الفائدة وتحديد سياسة الصرف الأجنبي.

نتائج الدراسة

تشير نتائج الدراسة إلى أن تونس شهدت تقلبات كبيرة في أسعار الفائدة والتضخم خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس التحديات الاقتصادية التي واجهها الاقتصاد الوطني. من خلال تحليل سعر الفائدة بين 2014 و2024، تبين أن البنك المركزي التونسي اعتمد على رفع الفائدة بشكل تدريجي لمواجهة الضغوط التضخمية، حيث وصلت أسعار الفائدة إلى 8% في عام 2023 و2024. في المقابل، لوحظ انخفاض ملحوظ في معدل التضخم في الأشهر الأخيرة من 2024، حيث تراجع من 8.2% في نوفمبر 2023 إلى 6.6% في نوفمبر 2024، وهو ما يعد مؤشرًا إيجابيًا على فعالية السياسات النقدية المتبعة.

يظهر التحليل أن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي، مثل رفع أسعار الفائدة في فترات التضخم المرتفع، ساهمت في تقليص الضغط التضخمي، وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي بشكل عام: كما يلاحظ أن هناك تأثيرًا إيجابيًا لهذه السياسات على استقرار سعر الدينار، مما ساهم في تقليل التضخم المستورد.

الخاتمة

تعتبر سياسة البنك المركزي التونسي في التعامل مع سعر الفائدة والتضخم بمثابة خطوة هامة نحو استعادة الاستقرار الاقتصادي في البلاد، بالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهها الاقتصاد التونسي، إلا أن الإجراءات النقدية المدروسة أثبتت فعاليتها في الحد من التضخم وتحفيز الاستقرار المالي، ومع استمرار هذه السياسات وتطبيق استراتيجيات إضافية لتحفيز النمو الاقتصادي، من الممكن أن تشهد تونس مزيدًا من التحسن في مستويات التضخم والنمو الاقتصادي في السنوات المقبلة، مما يعزز الثقة في النظام المالي الوطني.

Short Url

search